أصحاب محال الأنتيكات يتفاءلون بالمستنصرية ويصرون على البقاء قربها

المدرسة المستنصرية بين بناتها وسرّاقها

TT

جلس فاضل يبيع السجاد القديم قبالة اول مدرسة للعلوم ببغداد، وهو يتفاءل بوجوده هناك على الرغم من ان الوفود الاجنبية قد انقطعت زياراتها الى تلك المنطقة، خوفا من استهدافها من قبل الجماعات المسلحة، ويقول مهند جاسم وهو صاحب محل لبيع الانتيكات مقابل المدرسة المستنصرية، ان المدرسة عانت من الاهمال في الفترات الاخيرة، بل ان اللصوص والمجرمين جعلوها وكرا لهم بعد سقوط النظام، وخبأوا فيها كل مسروقاتهم من دوائر الدولة داخل الغرف التي كانت تدرس فيها العلوم والفقه والدين في العصر العباسي.

والمدرسة المستنصرية، بناها ابو جعفر المنصور بن الظاهر محمد بن الناصر والمشهور بالمستنصر بالله، تعد من اقدم الجامعات الاسلامية وقد شرع في بنائها في الجانب الشرقي من بغداد على ضفاف دجلة سنة 1227ميلادية، وقام على بنائها وتشييدها استاذ دار الخلافة محمد بن العلقمي، وقد بلغ ما انفق عليها 700 الف دينار وافتتحت في 6 ابريل 1233م. يقول الباحث الاكاديمي عبد اللطيف المعاضيدي ان اهمية المستنصرية تبرز من كونها اول مدرسة مخصصة للمذاهب الاسلامية الاربعة، حيث كانت المدارس السابقة لها تختص بمذهب واحد او مذهبين، وهي بذلك تهدف الى جمع الامة للوقوف امام التيارات الفكرية المعادية وكانت موئلا للعلماء ويقصدها الطلاب من جميع انحاء العالم.

واشار احد اساتذة التاريخ في جامعة بغداد الى ان المدرسة بقيت قائمة تدرس مختلف العلوم قاربت قرونا من (1233 ـ 1638م)، وتعطلت الدراسة فيها قليلا، ثم استؤنفت وظلت الدراسة قائمة فيها بعد سقوط بغداد لنحو قرن ونصف القرن، ويشير استاذ التاريخ الى ان تيمور لنك كان السبب وراء تعطيل الدراسة في هذه المدرسة وغيرها من المدارس مرتين الاولى عام 1392م والثانية 1400م، حيث قضى تيمور لنك على مدارس بغداد ونكل بعلمائها، واخذ معه الى سمرقند الكثير من الادباء والمهندسين المعماريين، كما هجر بغداد عدد كبير من العلماء الى مصر والشام وغيرهما من البلاد العربية والاسلامية، وفقدت المستنصرية في هذه الهجمة الشرسة مكتبتها العامرة بآلاف الكتب واصبحت اثرا بعد حين، وظلت الدراسة فيها متوقفة نحو قرنين من الزمن حتى افتتحت 1589، ولكن الامر لم يدم طويلا واغلقت المستنصرية ابوابها عام 1638م.

وتشير كتب التاريخ الى ان المدرسة المستنصرية اتخذت بعد توقف الدراسة فيها لأغراض اخرى، وقد استعملت تكية للمكوس والضرائب، وخانا للمسافرين ومسكنا لجنود احدى الكتائب، وامتدت لها يد الاهمال ليضيع بهاؤها، ولكن دائرة الآثار في العراق تولت العناية بها عام 1960م، لتفتحها كمعلم لزيارة المهتمين والسياح، تقول سهيلة عبد الملك مديرة المدرسة الآن والمشرفة على العناية بها، ان زوار المدرسة قد اختفوا بعد سقوط النظام في العراق لسوء الاوضاع الأمنية، وكذلك زيارات المدارس من اجل الدرس ومعاينة المكان الذي تتحدث عنه كتبهم، وان المهتمين من دائرة الآثار الآن خصصوا ثلاثة موظفين فقط للعناية بالمدرسة، واستقبال الزوار، ولكن المدرسة تحتاج الى الترميم، والعناية الفائقة، خصوصا بعد ان عبثت بمحتوياتها ايدي اللصوص والجهلة، بعد الانفلات الأمني الذي حصل اثر سقوط النظام، وتؤكد مديرة المكان الذي زارته «الشرق الاوسط» ان هذه المدرسة تعتبر معلما تاريخيا كبيرا، باعتبارها النموذج فبعدها بعشر سنوات جاءت المدرسة الصالحية في مصر، التي بناها الملك الصالح نجم الدين ايوب. وطالبت مديرة المكان باهتمام اكبر بهذا الصرح العلمي والتاريخي.

ويقابل هذا المكان كما اسلفنا باعة الانتيكات والهدايا الفضية النادرة والاحجار الكريمة والسجاد القديم والنادر، ويقول احد الباعة ان الاسعار قد انخفضت نتيجة لعدم عودة الزوار الاجانب الى هذا المكان، ولكن كل اصحاب المحال متمسكون به لأنهم يعتبرونه جزءا من تاريخهم الشخصي، ويقول أبو احمد وهو يبيع بعض الصحون التي رسم عليها ملوك ورؤساء العراق في العهود السابقة، ان العراقيين المغتربين ما زالوا يترددون على هذا المكان ويشترون هذه الصحون ويزورون المدرسة المستنصرية.