من أفغانستان إلى تطوان.. هل آثارنا الإسـلامية بخير..؟!

حمّاد بن حامد السالمي*

TT

ان ما أقدمت عليه حركة طالبان في أفغانستان من تدمير وتخريب للآثار القديمة في البلاد جريمة بشعة في حق الشعب الأفغاني ذاته قبل أي شيء. لأن تدمير آثار الأمة وتغييب ما تختزنه أراضيها من معالم وكنوز تاريخية لهو عملية طمس للهوية التاريخية والحضارية، تمارس بمنتهى الجهل والغباء أو الخبث والدهاء... لا فرق. وقد جرى كل ذلك بتدبير ورعاية من السلطة الحاكمة في كابل. تلك التي تذرعت بالشريعة الاسلامية، وتمسحت بالاسلام. هذا الدين الذي لم يجد فيه المسلمون الأوائل الذين دخلوا هذه البلاد قبل ألف ومئتي سنة ما يسوغ لهم مثل هذه الفعلة البشعة تجاه حضارة الشعب الأفغاني وقدماء الأفغان. وهم ـ اي المسلمون الاوائل ـ بتدينهم واخلاصهم لعقيدتهم لم يكتشفوا في دينهم طيلة مئات السنين ما جاء به «الطلبة» الذين يحكمون هذا البلد اليوم!..

اما الضرر القادم فسوف يتجاوز حدود أفغانستان ليصل الى مئات الملايين من المسلمين في الهند والصين واندونيسيا وماليزيا وغيرها من البلدان، والى بقية المسلمين في كافة أنحاء العالم. وهو أذى واضرار بالمسلمين كافة، يضاف الى ما يحدث من أضرار، جراء تبني هذه الحركة للارهاب، وتصدير القنابل البشرية الموقوتة الى البلدان العربية والاسلامية لاشاعة المزيد من الارهاب النفسي والبدني.

وهذا الضرر لا يقل عن ضرر آخر موجه الى أنحاء العالم كله بسبب زراعة الحشيش وتصدير نبتته الشيطانية الخبيثة الى دول العالم. وهاتان زراعة وتجارة لا يرى كابل بأساً منها ما دام أنها تدعم الخزينة وتقوي الاقتصاد!... يا لها من مفارقة عجيبة! لقد اكملت طالبان التدمير والتخريب، وألحقت ببلدها وأمتها خسارة جديدة. وألهبت العداء ضد الاسلام والمسلمين في صدور ملياري بوذي في القارة الآسيوية وحدها. ونحن لا نملك لاخوتنا المسلمين في الهند والصين، وبقية البلدان المتضررة، الا الدعاء الى الله عز وجل بأن يقويهم ويعينهم ويمدهم بالصبر لمواجهة ما هو قادم من أذى وبلاء. ومن فتنة عظيمة قد لا توفر مساجدهم ولا مصاحفهم، ولا حتى معتقدهم وسلوكهم الديني اليومي.. لقد انتهى الأمر هنا في بلاد الأفغان نهاية مقيتة وكفى.

ولكن ما حدث في أفغانستان اخيراً يمكن أن يكون بداية مفيدة وجادة للكلام في شأن الموروث الاسلامي الكبير ككل، سواء في أفغانستان أو في غيرها من بلاد المسلمين.

وأنا على يقين تام بأن الآثار الاسلامية في أفغانستان، هي الأخرى، لم تسلم من عبث الجاهلين، ولا من سطو المنتفعين وسفسطة البسطاء. ولذلك.. فقد أخذ قسم كبير منها طريقه الى متاحف ومخازن في بلاد الغرب التي يشتري سماسرتها من أبناء المسلمين آثارهم ومعالم تاريخهم وموروث حضارتهم ! ولا بد من الاعتراف هنا بأن كثيرين من أبناء المسلمين اقترف، وما زال يقترف، جريمة المتاجرة بآثار الأمة الاسلامية، وبيعها بأثمان بخسة الى تجار من الغرب، وليس الأفغان وحدهم من يفعل ذلك. ولكن اذا كانت هذه هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على هذه الآثار والكنوز من التدمير والخراب على أيدي المسلمين أنفسهم في ديارهم، فأهلاً وسهلاً بتجار الآثار الاسلامية من «الكفار» الذين يقدرون قيمة آثارنا وما في بلداننا من كنوز نجهل قدرها.

ان الحضارة الاسلامية التي عمت أكبر ثلاث قارات قديمة في هذا العالم، وأحدثت تغييرات وتحولات عظيمة في حياة الشعوب لأكثر من ألف سنة جاءت بموروثات حضارية جديدة ومهمة لم تعرفها شعوب العالم من قبل. وليس من الحكمة اهمالها أو التهاون في شأنها، أو تغييبها وتهميشها وكأنها أجسام غريبة منبوذة. وليس مقبولاً تعريضها للتخريب والهدم.. ومِن مَن...؟ من المسلمين أنفسهم! في طليعة هذه الموروثات الحضارية، ما تركه المسلمون من آثار ومعالم تاريخية جليلة، تتمثل في الكثير الثمين الذي حصر بعضاً منه الشيخ المؤرخ الثبت عبد القدوس الأنصاري ـ رحمه الله ـ في كتابه «بين التاريخ والآثار». وفيه يتكلم عن آثار المملكة العربية السعودية، تحديداً، حيث قال «هي الأماكن التاريخية والدينية، والمقابر والهياكل والشواهد والأعلام، والبيوت والمنازل والقصور والآطام والحصون والقلاع، والزخارف والأدوات الحجرية والمناجم والمعادن، والسدود والعيون والآبار والصهاريج والبرك، والمصانع والمزارع والأدوات الصناعية والزراعية، والخطوط الأثرية المسطورة والمنقورة، والكتب والحجج والوثائق، والثياب والفرش، وأدوات الحرب، والألعاب والصور والمرافق المختلفة».

ان هذه الآثار ومثلها مما تركه المسلمون الأوائل هي خير شاهد على عظمة الاسلام وعلى كفاءة أولئك المسلمين في ادارة شؤون حياتهم في ظله. وان أبقى الأسبان على مظاهر الحضارة الاسلامية في بلادهم، واحترموا تاريخ وآثار المسلمين الذين كانوا في نظرهم ذات يوم محتلين ومستعمرين، فالأولى أن يحترم المسلمون أنفسهم رموز تراثهم العظيم، وشواهد حضارتهم، ودلائل العظمة في دينهم. وأن يحرصوا على معالم هذا التاريخ العريق والماضي المجيد. وأن يعطوا ما تبقى من آثار في بلدانهم شيئاً من العناية والاهتمام، بدل الاهمال والتناسي، بل والتعدي عليها بالهدم والتدمير والاستئصال.

في كثير من البلدان العربية والاسلامية آثار ومعالم لها قيمتها الحضارية، وكثير من هذه البلدان، يرعى هذا الموروث العظيم ويسخّره لخدمة التاريخ والثقافة والسياحة والاقتصاد. وهناك شرائح معروفة في المجتمعات الاسلامية والعربية تفسر الدين والحياة كما يحلو لها. وهي تضمر العداء للماضي دون تمييز، حتى لو كان هذا الماضي من موروث الحضارة الاسلامية. وهؤلاء ومثلهم أعداء ليس لماضي الأمة فحسب، وانما لحاضرها ومستقبلها أيضاً، والحالة الأفغانية اليوم خير شاهد على ما نقول.. وفي المملكة العربية السعودية،التي هي مهد الاسلام ومنبع حضارته العظيمة، لنا أن نتصور ونتساءل كيف يجوز تجاهل المعالم التاريخية المرتبطة بالسيرة النبوية في مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف وغيرها من تلك البقاع التي وطئتها قدم أشرف الأنبياء والمرسلين، عليه أفضل الصلاة والتسليم...؟! ان الاعلام السعودي الذي يهتم بأشياء كثيرة، لا يبدي ما يكفي من الاهتمام بهذه الثروة. والمناهج الدراسية التي بين أيدينا اليوم، تلامس هذا الشأن بكثير من الاستحياء. ويبدو أنها تتغافل عن دورها الحضاري والوطني المهم في ترسيخ ثقافة تربط حاضر هذه الأجيال بماضيها العريق، ولو من باب ذكر المعالم التاريخية والآثارية الدالة على ماضي الأمة وتاريخها المجيد.

ها نحن نقف فجأة، وجهاً لوجه، أمام عصر جديد بفهم جديد.

عصر يتطلب دعم الاقتصاد الوطني من باب السياحة، تلك الصناعة الحديثة التي تعتمد أساساً على موروث الأمة وشواهدها وآثارها. وما زال الأمل قائماً في الهيئة العليا للسياحة كي تأخذ اليها ادارة الآثار والمتاحف، ثم تبدأ في خلق فهم جديد للآثار في المجتمع جدير بالثقة والاحترام. وخاصة حين يعتمد ما هو مقنع لثوابت الأمة التي لا تغفل تاريخها وحضارتها مهما ارتفعت رايات الجهل وصهلت خيله.

ان جيلنا، ومن أتى بعده، يجهل آثار بلاده. ولا يعرف الواحد من هذا الجيل طريق غار حراء أو طريق جبل ثور أو طريق الهجرة بين مكة والمدينة ولا مساجد العصر النبوي في مكة وفي المدينة، وفي الطائف وفي تيماء، وفي غيرها من المدن والمناطق...! أليس ما يجري من تجاهل وتغييب لآثار البلاد، بأهميتها وعظمتها، أسلوب من أساليب التدمير واستئصال الماضي...؟! ولمصلحة من يا ترى يجري ذلك...؟

* سؤال يبحث عن اجابة...؟؟؟

* كاتب سعودي ـ الطائف [email protected]