متحف «تشيستر بيتي» نافذة على جانب من التراث الإسلامي

يحوي بعضا من أروع المخطوطات الإسلامية

TT

تضاهي مقتنيات مكتبة ومتحف «تشيستر بيتي» من المخطوطات الإسلامية في تنوعها وتعدد مصادرها المجموعات والموجودات الإسلامية لدى العديد من المتاحف خارج العالم الإسلامي. وتضم مكتبة ومتحف «تشيستر بيتي» أمثلة رائعة على فن الخط والتزيين الإسلامي منذ القرن الثامن الميلادي الى بدايات القرن العشرين. وتعود أصول معظم مخطوطات المتحف إلى منطقة الشرق الأوسط، العالم العربي وإيران، بالإضافة إلى شبه القارة الهندية. وتعرض مجموعة المتحف لتطور فنون الخط العربي والتجليد وتزيين المخطوطات المنمنمات والرسم الإسلامي.

* التأسيس والمصاحف

* وتأسست مكتبة ومتحف «تشيستر بيتي» عام 1950، عندما جمعت مقتنيات «سير الفريد تشيستر بيتي» (1968 ـ 1875) بقلعة دبلن التاريخية، التي أضيف اليه مبنى منفصل أنشئ خصيصا لاحتواء تلك الكنوز. ويعتبر المتحف الذي قسم الى قسمين (فني ومقدس) من أهم مراكز البحث والدراسة في المخطوطات الدينية القديمة. وتقع المكتبة ـ المتحف في قلب حديقة قلعة دبلن التاريخية، وسط عاصمة جمهورية ايرلندا، وهي على مقربة من كاتدرائية المسيح «كريست تشرتش كاثيدرال».

وبالمتحف خمسة اقسام للمخطوطات الإسلامية. أولها، قسم المصاحف، الذي يحوي أكثر من 260 مصحفا «أثريا» وقصاصات عليها آيات من القرآن الكريم. وتعتبر هذه أكبر مجموعة من المصاحف المخطوطة خارج العالم الإسلامي، وأروع بل وأهم مقتنيات المتحف، مصحف خطه «ابن البواب» عام 1001 ميلادية في «بغداد» عاصمة الخلافة الإسلامية آنذاك، وابن البواب كما هو موضح في الكادر الجانبي من أعظم الخطاطين في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية.

* الشهنامة وفارس

* أما المجموعة الفارسية بالمتحف فتضم نسخا عن أهم أعمال شعراء فارس كالفردوسي والنظامي وسعدي وحافظ والجامي. وتتكون من 330 مخطوطة على رأسها مخطوطات نادرة «للشهنامة»، أو تاريخ ملوك فارس العظام، مزينة برسوم وتصاوير للملوك والأحداث التي عاصروها، إضافة إلى مناظر طبيعية مدهشة، وأجمل مخطوطات «الشهنامة» بالمتحف، واحدة تعود الى حوالي عام 1335 وأخرى غير كاملة من العهد الصفوي حوالي القرن السادس عشر، خطت خصيصا للشاه عباس الأكبر.

أما أروع المخطوطات الفارسية بـ «تشيستر بيتي»، فهي نسخة منمقة عن «غليستان» لشاعر فارس الكبير «سعدي»، وخطت لـ «باي سنغور»، وهو من أهم أمراء الأسرة التيمورية التي حكمت فارس خلال القرن الـ 15، كما أنه يعتبر من أهم رعاة نسخ الكتب ونشرها في تاريخ الحضارة الإسلامية.

* المغول والأتراك

* ومن العصر المغولي في الهند يضم المتحف مخطوطات نادرة وآلاف الصور التي رسمت بناء على طلب الأباطرة والأمراء المغول، والأغنياء الهندوس، بل وبعض التجار الأوروبيين، وجميعها رسمت على النمط «الإسلامي» المغولي. وأهم هذه المخطوطات تلك التي أمر بنسخها الأباطرة «أكبر» و«جهانجهير» و«شاه جهان»، وأشهرها المخطوطة المعروفة باسم «أكبرنامة» أو تاريخ أكبر، وهي تخلد أعمال الإمبراطور «أكبر» أعظم حكام الهند المسلمين. ويضاف إلى المخطوطات الصور الخاصة بالأباطرة والتي تعتبر من أعظم الأعمال الفنية التي أنتجتها الهند في تاريخها الطويل.

وأصغر المجموعات الإسلامية في المتحف هي المجموعة التركية التي تضم مائة وستين مخطوطة، غير أنها تعتبر من أجملها، بل وأهمها بعد النسخ النادرة من المصاحف الأثرية، حيث أنها أنتجت في «عز» السلطنة العثمانية وأنتجت أو خطت بطلب من سلاطين بني عثمان. ومن أروعها وأندرها كتاب «السيرة النبوية» المصور، إضافة إلى تاريخ السلطان «سليمان القانوني» المصور.

ومعظم المخطوطات التركية والمغولية الفارسية والمصاحف مزخرفة ومنمقة بشكل يصعب وصفه، غير أن المتحف يضم مجموعة نادرة من المخطوطات العربية غير المزخرفة، وتكمن أهميتها في ندرتها، وطبيعة المواضيع التي تتعرض لها، فالمتحف يضم بعضا من أهم كتب الفلسفة والفقه والطبيعيات «الفيزياء»، والرياضيات والطب والفلك والجغرافيا، إضافة إلى نسخ عن أول الترجمات العربية لكتب الإغريق، وبعض هذه المخطوطات لا يوجد إلا في «تشيستر بيتي».

* مصحف ابن البواب

* ولد «أبو الحسن علي بن هلال بن عبد العزيز»، المعروف بابن البواب أو ابن الستري؛ نسبة لعمل أبيه، في حدود سنة (350هـ = 961م) في بغداد عاصمة الخلافة العباسية. وعمل ابن البواب في أول شبابه ومستهل حياته في تزيين سقوف البيوت وجدرانها، ثم عمل في صناعة الأختام قبل أن يعمل في مجال الخط الذي برع فيه.

وقد درس المستشرق «رايس»، خصائص خط ابن البواب، مستعينا بالمصحف الشريف الذي خطّه ابن البواب، والمحفوظ في مكتبة «تشيستر بيتي» بدبلن، واستطاع أن يقف على خصائص طريقة ابن البواب في الكتابة من خلال الاستعانة بنصوص له، تصف الطريقة المثلى لشكل كل حرف وهيئته.

وكان ابن البواب كاتبا ماهرا إلى جانب كونه خطاطا بارعا، ومن كتبه «رائية الخط والقلم»، وهي في أدوات الكتابة، واهتم بها عدد من الباحثين العرب والأجانب.

* مصحف «تشيستر بيتي»

* ومن أعماله الخطية الباقية، مصحف كتبه في بغداد سنة (391هـ = 1000م)، وهو محفوظ في مكتبة ومتحف «تشيستر بيتي» في دبلن بإيرلندا، وهو مزخرف زخرفة رائعة. ومصحفنا هذا مجلد صغير عدد صفحاته 286، نسخه ابن البواب مستخدما ورقا متينا ومتوسط السمك، اكتسب لونا بنيا جميلا مع مرور الوقت، كما هو حال معظم المخطوطات من ذلك العصر. ولم يكن ابن البواب خطاطا مبدعا فحسب، بل كان فنانا ذا حس مرهف، ويعرض مخطوطه هذا اجادته لفن الزخرفة، حيث اهتم ابن البواب بصفة خاصة بتجميل الصفحة الأولى منه. وتكمن أهمية هذا المخطوط في كونه أقدم المصاحف المدونة بخط النسخ، وهو أيضا العمل الوحيد الذي نعرفه لابن البواب خارج تركيا ومصر، والمخطوط الوحيد المزخرف كاملا من أيام البويهيين. ورثى الشريف المرتضى ابن البواب الذي دفن بمقبرة الامام احمد بن حنبل عام (413هـ = 1022م) بقصيدة مطلعها:

مـن مثلهـا كـنت تخشـى أيها الحذر والدهــر إن هـم لا يبقـي ولا يـذر وفيها يقول:

مــا ضـر فقـدك والأيـام شـاهدة بــأن فضلـك فيهـا الأنجـم الزهـر أغنيـت فـي الأرض والأقـوام كـلهم مـن المحاسـن مـا لـم يغنـه المطر.