الشرق الاوسط داخل أول مركز لترميم الآثار الفرعونية في العالم

عمره أكثر من قرن

TT

«إنه إحساس رهيب يسري في الجسد وأصابعي تجري على آثار توت عنخ آمون وتقلبها يمينا وشمالا»، هكذا لخصت الدكتورة عبلة عبد السلام مديرة مركز ترميم الآثار بالمتحف المصري شعورها وإحساسها بكل قطعة آثار عمرها آلاف السنين تدخل إلى المركز القابع في الدور الثاني بالمتحف المصري والذي يتقارب عمره مع عمر المتحف المصري نفسه.

المركز الذي تم إنشاؤه قبل 100 عام داخل حجرة صغيرة مهملة، بأحد أركان المتحف صار الآن مركز ترميم متكاملا مكونا من دورين وغير مسموح لأي شخص بخلاف العاملين به بدخوله إلا بتصريح مسبق من إدارة المتحف، وبعد مراجعة المجلس الأعلى للآثار تجولت «الشرق الأوسط» بالمركز لمدة 3 ساعات كأول صحيفة تدخله. يضم المركز آثارا في كل مكان، بعضها تحت الترميم وأخرى تم ترميمها وثالثة يتم تجهيزها بإزالة ما عليها من أتربة تمهيدا لتحديد طريقة الترميم.

في داخل هذا المركز يتم ترميم الآثار بكافة أنواعها سواء المصنوعة من الحجارة، أو الخشب، أو النسيج أو حتى المعادن كما تقول د. عبلة عبد السلام، مديرة المركز، مضيفة أن جميع مقتنيات المتحف تم ترميمها بالمركز، وتكون أول خطوات ترميم أي أثر هو تصويره فوتوغرافيا ورقميا لتسجيل وتوثيق الحالة التي عليها الأثر من ناحية الشكل والوصف والمقاس، ثم يتم رفع ذلك على الورق بشكل هندسي، وبعد ذلك يتم الفحص الكامل بالميكروسكوب لفحص مكونات الأثر بدقة متناهية، وعلى أثر ذلك يتم تحديد أسلوب الترميم نفسه، وخاصة في الآثار المعدنية حيث يتم تحديد حجم الصدأ ونتائجه بالأثر، عقب ذلك تتم عملية التنظيف الميكانيكي باستخدام فرش خاصة أو باستخدام محاليل مائية معينة، وذلك حسب حالة ونوع الأثر.

أما ترميم المنسوجات وورق البرديات فيتم أولا بعمل دراسة علمية عليها لتحديد عصرها ودراسة ملابس وورق هذا العصر طبقا للمراجع العلمية، وبعد ذلك يتولى جهاز خاص ترطيب النسيج أو البردي بالبخار ليسهل فرده ومن ثم ترميمه بسهولة.

ومنسوجات المصريين القدماء لم تصل إلينا كميات كبيرة منها، لأنها تفنى وتتآكل بالزمن، فلم نعثر مثلا على صوف من الحضارات القديمة، أما منسوجات توت عنخ آمون فقد وصلت إلينا لأن المقبرة ظلت مغلقة آلاف السنين حتى اكتشفها الأثري كارتر الذي غطى الكثير منها بالشمع حتى وصلت إلينا.

واستخدام مواد الترميم للأثر يخضع لاعتبارات كثيرة ـ كما يقول سمير اباظة ـ كبير المرممين بالمركز مضيفا «أول هذه الاعتبارات هو أن تكون المواد المستخدمة في الترميم مصرح بها علميا، وبالتالي المرمم هنا في المركز تكون لديه خبرة كبيرة في الجانب العلمي والجانب المهني، لذلك نتشاور أولا على أسلوب الترميم المقترح لكل أثر وعلى ذلك نبدأ العمل، فمثلا الآثار الخشبية قبل ترميمها بخامات جديدة يتم أولا تجربة هذه الخامات على خشب مشابه بمعرفتنا في المركز، ثم نضع عليه مادة الترميم الجديدة ثم يتم عمل تقادم له مرة أخرى ونرى هل تأثير مادة الترميم سيئ أم إيجابي؟ ثم نبدأ في الترميم على الأثر الحقيقي».

ويضيف اباظة حاليا أهم مواد الترميم الحديثة المستخدمة هي البوليمرات والأكاسيد الحديثة والميكروبالون.. الخ. أما استخدام الشموع في الترميم فقد توقف حاليا بعد أن ثبت ان الشمع يجمع الأتربة على الأثر، بالإضافة إلى تأثره بالحرارة والرطوبة، وفي بعض الحالات يتسبب الشمع في «تزفير الأثر» بمعنى أن مسام الأثر نفسه تتشربها، و«عموما في الترميم لا نستخدم مواد كثيرة حتى لا نضر بالأثر، لذلك نسب مواد الترميم خفيفة، وبعد ذلك نتابع الأثر دوريا بالصيانة، على فترات متعددة حتى نتأكد من استقرار حالته».

ويعترف محمد طه أخصائي ترميم بالمركز بشطارة ونبوغ المصريين القدماء في الكيمياء، فلم يجد طه كوال سنوات عمله الـ 20 بالمركز أي أثر قديم يضم مكونات وضعت اعتباطا عند صناعته قبل آلاف السنين قائلا «حتى التحف والآثار الزجاجية التي تأتي لنا لترميمها لا نعرف كيف تم صهر مادة صناعتها وكذلك الذهب، بالإضافة إلى حسابهم الدقيق لعوامل التمدد والانكماش في الآثار الخشبية حتى لا تدمر بفعل الزمن، بالإضافة إلى صقلهم للأحجار الكريمة بآثار توت عنخ آمون مثلا، فوزن تابوته الذهب 110 كيلوغرامات من الذهب الخالص، والقناع 11 كيلوغراما. وصناعة الحلي لدى المصريين القدماء كانت متميزة جدا وبديعة رغم عدم وجود أجهزة من أي نوع وقتها، وكان العمل يتم باليد، وكذلك شغل تطعيم هذه الآثار بالأحجار الكريمة كان يدل على فن عظيم، بل وصلوا إلى درجة متقدمة في صناعة النسيج حيث صنعوا ثنيات في أقمشة من الكتان الجيد بدرجة نقاء تقترب من الحرير وتضاهيه».

ويضيف طه أن أكبر الأخطار على الآثار هو عوادم السيارات خاصة الآثار المكشوفة، حيث تتفاعل الغازات التي تطلقها عوادم السيارات مع الرطوبة مكونة حمضا كبريتيا يأكل في الأثر، لذلك فإن نوافذ عرض المقتنيات الأثرية بالمتحف مصممة علميا للحفاظ على الأثر.