السعوديون يحولون محطة قطار الحجاز إلى متاحف... والعربات وسيلة للتنقل بينها

الأمير سلطان أهدى المتحف صوراً نادرة للمدينة المنورة يعود تاريخها إلى أكثر من 100 سنة

TT

يشدّ أنظار السعوديين حالياً مشروع ضخم من شأنه حفظ تراث وحضارة عقود كاملة عاشها بعضهم، بينما وجدها آخرون أمامهم شاهداً ناطقاً على عصر آبائهم واجدادهم.

هذا المشروع، الذي يجري العمل فيه بجدية، بل وقطع مرحلته الأولى، يتلخص في تحويل محطة قطار المدينة المنورة، أو «محطة سكة حديد الحجاز»، إلى متحف يستطيع فيه أبناء الجيل الحالي رؤية أثار ومقتنيات من العصور الميلادية والإسلامية والوسطى، إضافة إلى بعض شواهد تاريخ بلادهم... خاصة في منطقة المدينة المنورة.

كانت أولى خطوات مشروع متحف المدينة المنورة قد بدأت في العام 1998، وتمثلت في تجهيز جزء من محطة القطار القديمة، وتحويلها إلى متحف صغير يضم العديد من الاثار والمقتنيات مثل: العملات والاحجار المنقوشة والصور الفوتوغرافية. وقد تلقى المتحف دعماً من الامير سلطان بن عبد العزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، باهدائه صورا فوتوغرافية نادرة للمدينة المنورة يعود تاريخها إلى العام 1880.

وهكذا اشرع المتحف أبوابه للزائرين ليطلعوا على المقتنيات والاثار، ويشاهدوا أيضاً المجسم التخيلي للمشروع الضخم، إذ ستكون محطة قطار المدينة المنورة مقراً ربما لأكبر متحف سعودي. فالمخطط العام التخيلي له يبرز أنه عبارة عن مجموعة من المتاحف والحدائق تشمل كل الخدمات والمرافق الصحية التي يحتاجها الزائر، مع ايجاد طريقة مواصلات جميلة وفريدة للتنقل داخله، وهو عبارة عن قطار يمر على جميع المباني ومراكز الخدمات ومتاحف المشروع الموجودة داخل الموقع، وهي مستقاة بذلك من الوظيفة الاساسية للمحطة. المشروع الضخم، يقودنا للحديث عن تاريخ محطة قطار المدينة المنورة، التي ما تزال آثارها من عربات ومبان باقية شاهداً على تاريخ يبلغ عمره نحو مائة سنة، إذا علمنا أنه بحلول الحادي والثلاثين من اغسطس (آب) المقبل تكمل سكة حديد الحجاز عامها الـ93. ففي مثل هذا اليوم اُحتفِل بتدشين أول قطار يسير على الخط الذي يربط دمشق بالمدينة المنورة. وتكشف الوثائق أن أول قطار وصل إلى المدينة المنورة في محطة الباب الحميدي، أو محطة العنبرية، يوم الخميس 14أغسطس 1908، وكشف عليه من قبل أول مهندسين له، وهما محمد فخري أفندي ورشيد العزّي. وظل هذا الخط يعمل حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 ونشوب الثورة العربية الكبرى في الحجاز، وبالتالي توقفه عن العمل بشكل تام عام 1916.

وحسب العلامة السوري محمد كرد علي في كتابه «خطط الشام» (الصفحتان 170 و171) يقول كرد علي «إن فكرة بناء سكة حديد الحجاز ليست وليدة وقتها وليست من بنات أفكار السلطان عبد الحميد العثماني، بل فكر فيها من قبل الدكتور زامبل Zammbel الأميركي الجنسية الألماني الاصل، الذي اقترح عام 1864 على حكومة الدولة العثمانية مد خط حديد بين دمشق وساحل البحر الاحمر. وفي عام 1881 وافق وزير الاشغال العامة العثماني على هذا المشروع، الا ان المهندسين والجغرافيين ارتأوا تعذر انجازه بحجة أن المنطقة التي يخترقها الخط غير آمنة. ثم إن المواصلات البحرية أقل كلفة، لا سيما أنه بدت في الافق فوائد قناة السويس للدولة العثمانية. ولكن بعدما بدا وكأن الحماس للمشروع قد خبا أن عاد وزير الاشغال عزت باشا فقرر المضي قدماً فيه. وإن كان عاد ومعه خطة جديدة تتمثل في مد سكة حديد بين دمشق إلى المدينة المنورة، ومنها إلى مكة المكرمة وهذا الجزء الاخير تعرض لانتقاد شديد. ولتحقيق ذلك ألف عزت باشا مجلساً برئاسته ووجه نداء إلى العالم الاسلامي اوضح فيه الدافع وراء مد خطة السكك الحديدية وطلب التبرع لجمع نفقات المشروع.

وهنا يوضح الباحث السياسي الفلسطيني جورج أنطونيوس في كتابه «يقظة العرب» أن السلطان عبد الحميد أعلن في ابريل (نيسان) 1900 رغبة الحكومة العثمانية في مد هذا الخط، واطلق له دعاية واسعة على أنه سيسهّل سفر الحجاج ويؤمن راحتهم. ولدعم هذه الدعاية حرص السلطان عبد الحميد على أن يكون على رأس قائمة المكتتبين (المتبرعين) متبرعاً بـ320 ألف ليرة عثمانية، وتبعه في ذلك الملوك والأمراء المسلمون. فشاه فارس تبرع بـ50 ألف ليرة عثمانية، وخديوي مصر تعهد بإرسال كمية من مواد البناء. وأسست جمعيات اسلامية لجمع الاموال، ولم تنقطع الاعانات طوال فترة العمل على مد الخط مما يدل على سيادة روح التضامن في الشعوب الاسلامية. فضلا عن ذلك، أمر السلطان عبد الحميد بأن يتنازل موظفو الدولة عن راتب شهر للمساهمة في تمويل الخط. ثم أمر أيضا بحسم نحو 10 في المائة من مرتباتهم، واستحدثت طوابع البريد الحجازي وبعض الضرائب الجمركية لهذا الغرض. وقدر مجموع الاموال التي امكن جمعها للمشروع 760 ألف ليرة عثمانية، أو ما يساوي (15 مليون دولار)، وبذا تأكد أن دعوة السلطان العثماني لاقت قبولا.

وشرع في مد الخط الحجازي في سبتمبر (ايلول) 1900، وكان الخط يتألف من اربعة أقسام، الاول يربط بين دمشق والمدينة المنورة بطول 1302 كيلو متر، والثاني يربط بين درعا وحيفا بطول 162 كيلو مترا، والثالث يربط بين بلد الشيخ (قرب حيفا) وعكا بطول 17 كيلو مترا أما الرابع فيربط بين محطة قم غرز وبلدة بصرى بطول 33 كيلو مترا، ليبلغ بذلك مجموع أطواله 1518 كيلو مترا.

وقد بوشر في تنفيذه ابتداء من قرية المزيريب في منطقة حوران (جنوب دمشق)، وذلك بسبب وجود خط سكة حديد للفرنسيين بين دمشق والمزيريب، كانوا قد نالوا امتيازها عام 1903 في وقت لم يفكر السلطان عبد الحميد في خط الحجاز، وكان من شروط الامتياز ألا يقام خط مواز في درعا. ولذلك كان الرأي السائد الاستفادة من هذا الخط لنقل الحجاج من دمشق إلى المزيريب وان يكمل الحجاج مسيرتهم على الخط الجديد. غير أن المنافسة سرعان ما قامت بين الخطين إذ قرر السلطان عبد الحميد وصل المزيريب بدمشق فاحتجت الشركة الفرنسية لمخالفة ذلك عقد امتيازها. وهنا يشير توفيق علي برو في كتابه «العرب والترك» الصفحة 36 إلى أنه تم الاتفاق أخيرا على منح الشركة الفرنسية امتياز انشاء خط من دمشق إلى حلب في فبراير (شباط) 1905. وكان السلطان عبد الحميد قد اشترى في عام 1902 خط حيفا من شركة خط الحديد السوري العثماني التي تأسست عام 1891 برأسمال انجليزي. ورغبت هذه الشركة انشاء خط يربط حيفا بالشام، إلا أن المهندسين الالمان تمكنوا من انشاء خط حديدي بين حيفا ودرعا مخترقاً منطقة مرج بن عامر، إذ يلتقي الخط الحجازي به. وكان السبب في إنشاء ذلك الخط هو حاجة السلطان عبد الحميد ومهندسوه إلى مرفأ بحري يستمد منه الخط الحجازي لوازمه وأدواته، ويكون منفذاً للاقطار الواسعة التي سيمتد فيها، فقرر انشاء ذلك الخط الحديدي الجديد بين حيفا ودرعا.