سورية: لقى مهمة للبعثة البريطانية في الرقة

TT

أنهت البعثة الأثرية البريطانية اخيراً أعمال التنقيب الأثري في مدينة الرقة (شمال شرق سورية)، وأسفرت هذه الاعمال عن اكتشاف سبعة عشر فرناً لانتاج أنواع مختلفة من الخزف والفخار والزجاج، الذي اشتهرت بتصنيعه مدينة الرقة ابان العصر العباسي. وعكست هذه المكتشفات المراحل المتطورة التي بلغتها هذه الصناعة في تلك الفترة. وكان انتاج الرقة لهذه المواد قد بلغ سائر أصقاع الكرة الأرضية.

تتميز هذه الأفران بفتحاتها المتعددة الاشكال، منها الدائري والمستطيل وغيرهما وبجدران طينية من اللبن المدعم. وقد عثر فيها على مجموعة واسعة من الكؤوس والأكواب والقوارير والمصابيح المخصصة للمساجد، ومجموعة من القطع الزجاجية المهمة اثرياً، التي تعود للقرنين 12 ـ 13 الميلاديين، وجرى تجميعها وترميمها. وعثر ايضاً على بعض اللقى الزجاجية من النوع القاتم المزين بخيوط زجاجية ملونة.

ويذكر ان كمية من اللقى الزجاجية الأخرى امكن الحصول عليها من تجار الآثار والعاديات والحفارين السريين الذين جندهم الاحتلال الفرنسي أثناء سيطرته على سورية، وبعض مثيلاتها انتهت الى متاحف أوروبا كمتحف اللوفر في باريس، حيث يوجد «كأس الرقة» الشهير.

وعلى هذا الصعيد تجدر الاشارة الى أن المتاحف العالمية تغص باللقى الزجاجية السورية كالأكواب والكؤوس والمصابيح، وانفسها على الاطلاق تلك المصنوعة في الرقة. وكانت هذه المدينة القديمة العريقة الرابضة على نهر الفرات واطرافها والمناطق المحيطة بها قد ارتبطت باللقى الزجاجية المهشمة ذات الألوان المختلفة المتناثرة فوقها مثل: تل أسود وتل الفخار وتل الزجاج وتل البلور، الذي يعد الأضخم والأكبر بينها.

في سياق آخر، أمكن التعرف على نوع النبات المجفف، الذي كان يستعمل في الخلطة التي تصنع منها العجينة الزجاجية قبل عملية التصنيع وتسمى «الغرينة». وهذا نبات ينمو على ضفاف الفرات، من خصائصه أنه يعطي المنتج الزجاجي لوناً فيروزياً تخصصت به الرقة دون غيرها من مراكز انتاج الزجاج في العالم القديم، ويكسبه صلابة ومتانة.

أما الطلاء الزجاجي والخزفي اللماع فقد كان يصنع من مساحيق الحصى الملونة التي تجلب من نهر الفرات، ثم تطحن وتتعرض لعملية حرق منظمة، ثم تبرد وتعالج في أفران معدة لهذا الغرض، ثم يستعمل المسحوق طلاء لماعاً واقياً للمنتج الزجاجي والخزفي على السواء.

وعودة الى اعمال التنقيب، امكن للبعثة البريطانية العثور على جميع الأواني الفخارية التي كانت تستعمل في الافران، كالصحون الفخارية الكبيرة المستخدمة في تحضير العجينة الزجاجية، والجرار الفخارية الكبيرة التي تساعد في تحضير مثل هذه المادة، وكلها تعود الى القرنين الحادي والثاني عشر الميلاديين.

وقد حفظت الطبقات الترابية المتراكمة فوق تلك الأفران، بواتق صهر الزجاج والأتونات بحالة سليمة. وامكن التعرف على كيفية صنع الأواني الزجاجية بواسطة النفخ، وصنع ثلاثة نماذج مختلفة الأحجام للزجاج الشفاف الذي يوضع على النوافذ، والمادة المتكلسة الخام التي يصنع منها الزجاج (العجينة الزجاجية). كذلك التعرف على مخلفات القضبان والصفائح والمواد المتهدلة والنماذج غير الناضجة لعملية طلي الفخار بالسائل الزجاجي الذي يحتوي على مادة أكسيد الحديد، والمواد الأولية للطلاء الزجاجي ومكوناتها الفعلية.