الآثار العمانية تجذب الزوار والباحثين... والمتاحف ترصد مكانتها التاريخية

TT

تحتضن سلطنة عمان العديد من الآثار التاريخية التي تمثل حضارات عريقة مختلفة يعود تاريخها الى آلاف السنين، ولقد أنشأت السلطنة أخيراً متاحف لعرض القطع واللقى والمكتشفات الأثرية التي جذبت العديد من الزوار والباحثين، من ابرزها متحف مدينة صلالة، عاصمة إقليم ظفار.

وراهناً يضم متحف صلالة التاريخي نقوشاً كتابية للعربية الجنوبية بما يُعرف بالخط المسند، وصخرة كبيرة منقوشا عليها كتابات يرجح أن تكون للغة محلية قديمة، إضافة إلى مجموعة من الصور النادرة التي التقطت لرسوم حيوانات ونباتات في بعض الكهوف بجبال إقليم ظفار ووديانه. وكذلك هناك مجموعة قيّمة من المخطوطات والوثائق وفي مقدمتها صورة لرسالة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى عبد وجيفر ابني الجلندي ملك عمان.

ويحتوي متحف صلالة ايضاً على حلي وتراث تاريخي وصور قديمة لمشايخ القبائل، وأدوات حجرية ومسكوكات تشمل نقودا صينية تعود للقرن الحادي عشر الميلادي عثر عليها في حفريات البليد، وأخرى فضية نمساوية من فئة الدولار «ماريا تريزا» التي عرفت محليا بـ «ريال فرنس»، بالإضافة إلى نقود عمانية وفخاريات وخزف صيني وأسلحة نارية تقليدية ومجسمات لمختلف المراكب الشراعية، ونماذج لأثاث المنازل في المنطقة وأدوات الحرف التقليدية.

جناح خاص بويلفريد ثيسيجر ومن العصور الاحدث عهداً، يحتوي المتحف على معرض وصور فوتوغرافية للرحالة المستكشف البريطاني ويلفريد ثيسيجر (1945 ـ 1950)، الذي يعد من أشهر المستكشفين في القرن العشرين. وكان ثيسيجر من أوائل الأوروبيين الذين تجولوا في عمق شبه الجزيرة العربية، إذ عبر صحراء الربع الخالي مرتين بالجمال وعلى قدميه مسافرا بصحبة بدو ينتمون إلى عدة قبائل، ليستوعب أساليبهم وينال رضاهم وبينهم عرف باسم «مبارك».

وبالفعل عاش ثيسيجر بين القبائل وارتدى الزي البدوي وجال بين قبائل الربع الخالي. وتطرق في كتابه «الرمال العربية» الى رحلاته بين قبائل البدو، وكذلك عن صلالة. وضمن مذكراته كتب ما يلي «سافرت بعد مغادرتي شبه الجزيرة العربية بين جبال القراقورام في كشمير والهندوكوس في افغانستان وجبال كردستان، وايضاً الاهوار العراقية، وشاهدت أروع المناظر في العالم، وعشت بين قبائل تثير الاهتمام، ولكن لم تحرك مشاعري أي من تلك الأماكن كما فعلت صحارى شبة الجزيرة العربية. أن تلك السنوات الخمس التي أمضيتها بين البدو كانت أهم سنوات حياتي».

ودوّن ثيسيجر في مذكراته ايضاً «وصلت قناعتي إلى أن جنوب الجزيرة العربية كان واحداً من الأماكن القليلة المتبقية حيث يمكن إشباع رغبتي بالذهاب إلى حيث لم يذهب الآخرون، وحيث يتسنى لي ان أجد الوحدة الآمنة وأنضم برفقة البدو الى عالم سمته الفطرة».

تجارة اللبان الجدير بالذكر ان تجارة اللبان التي تشتهر بها السلطنة شكّلت احدى قنوات الاتصال مع حضارات العالم القديم قبل ثمانية آلاف سنة. اذ كان اللبان يعادل وزنه ذهباً، واستدعت عملية تصديره قديماً الى إنشاء موانئ مثل سمهرم، شرق صلالة، ونقله عبر طرق القوافل البرية لتصديره الى بلاد ما بين النهرين والهند ومصر واليونان وفارس وروما القديمة.

وعلى بعد 4 كلم شرق الحافة، في صلالة، توجد بقايا مدينة البليد التاريخية التي أسست في جزيرة تحيط بها بحيرة خور البليد من الشمال على رقعة طولها كيلومتران وبعرض 0.25 كلم. ويعود تاريخ هذه المدينة إلى القرن الرابع الهجري، وهي تتميّز بأطلالها الأسطوانية الشكل والمحاطة بسور له ثلاث بوابات كمداخل للمدينة. وقد أشار المؤرخون أمثال ماركو بولو وابن بطوطة إلى أن مكانة البليد انبثقت من علاقتها بالتجارة، إذ اشتهرت بتجارة الخيول وزيت السمك والتوابل واللبان في الفترة ما بين القرنين 12و16 الميلادي، إضافة إلى علاقاتها التاريخية بالهند ومصر وشرق أفريقيا. ومن البقايا الأثرية بالمدينة القديمة حتى الآن، مسجد كبير وحصن متهدم وبئر ماء وبقايا أرصفة ميناء وأطلال مبان متهدمة ومقابر كثيرة وأحجار وتلال.

دحقة النبي صالح وقبر النبي عمران وعلى مسافة غير بعيدة تقع دحقة النبي صالح (عليه السلام) في وسط منطقة القرض. ويقال ان فيها آثاراً واضحة لناقة النبي صالح على جبل صغير، سوّرته السلطات الرسمية وغطته كي لا تمسه عوامل التعرية. وهذه الآثار لخف الناقة (14 أثراً) تقع على تعرّجات الجبل. وبجوار الآثار كهف صغير بني فوقه ممر للسياح، وهناك بعض الثقوب الصغيرة بجوار آثار أقدام الناقة يقال انها آثار لدم الناقة.

ويقع في منطقة القوف، في صلالة، قبر النبي عمران (عليه السلام)، الذي يبلغ طوله 16.20 متر بارتفاع نصف متر وبعرض واحد ونصف المتر. ولا يعتبر كامل طول القبر هو طول النبي عمران، بل قيل انه دفن في احد طرفي القبر، بينما ثمة روايات ترجح أنه دفن في الوسط، وبالتالي بني القبر بهذا الطول. ويوجد القبر داخل غرفة مستطيلة، وهو مغطى بسجاجيد ملوّنة عليها صور الكعبة ومساجد وآيات قرآنية، وحول القبر مسجد حديث سمّي بمسجد النبي عمران.

.. والنبي أيوب ويقع ما يقال انه ضريح النبي أيوب (عليه السلام) في الشمال الغربي من صلالة، عند قمة جبل أتين. ويمكن الوصول إليها عبر طريق عين جرزيز. وقبل الوصول إلى الضريح بخطوات معدودة يوجد مسجد قديم مبني بالحجارة، يقال إن النبي أيوب كان يصلي فيه، إذ أن قبلة المسجد باتجاه المسجد الأقصى. وعند مدخل الضريح حفرة مغطاة، عند كشفها يشاهد أثر حافر خيل. وتقول الأسطورة أن قدم فرس النبي أيوب التصقت بالأرض حتى أحدثت ذلك الأثر، إلا أن عوامل التعرية طالت الأثر فشوّهت معالمه. ويبلغ طول ضريح النبي أيوب، (هناك مقام آخر للنبي ايوب قرب بلدة نيحا في لبنان) حوالي 3 أمتار، وبعرض متر واحد، وتشير الروايات إلى وجود قبور بقية عائلته في الآثار المجاورة لقبره.

من ناحية ثانية، توجد قرب ضريح النبي أيوب بقايا يقال انها لقصر ملكة سبأ. وعلى طريق درب اللبان، الذي يمتد تاريخه إلى قبل ألفي سنة، يقع خور روري، ذلك الميناء الهام الذي كان يتحكم في الجزء الجنوبي من ذلك الطريق. كما ان النقوش المحفورة على احدى البوابات توضح اسم الملك «الاز».

وتبعد منطقة اتين حوالي 7 كلم عن صلالة، وهي تتيح للسائح والمستكشف زيارة الأماكن الأثرية واكتشاف الطبيعة من خلال مجموعة الاشجار النادرة التي لا توجد إلا في محافظة ظفار. وفي جبل إتين تطالع عين جرزيز الزائر في الطريق إلى ضريح النبي أيوب. وتمتد ساقية طويلة ينبع ماؤها من بطن الجبال، وتتجمع المياه في بركة صغيرة ثم تتفرع إلى أربع سواقٍ تسير مسافات طويلة.

وتبعد عين حمران 22 كلم عن صلالة عبر طريق ينصب حوله رعاة الإبل خيامهم في سهل جربيب شتاء. ويوجد حصن قديم مرمّم، إضافة إلى قلعة صغيرة بنيت قديماً لحماية العين.

وتعتبر عين رازات اكبر عيون ظفار وأنقاها. وتغذّي مياه هذه العين مناطق عديدة إذ يصل فلجها إلى مسافة 17 كلم. وتقع العين على مسافة 25 كلم في اتجاه الشرق من طريق طاقة، وتعتبر من أهم المعالم الآهلة بالسياح. وحول العين يوجد كهفان يسمى أحدهما كهف رعفيت ويمكن الوصول إليه بواسطة مدرجات حجرية تقود إلى أعلى الجبل.

شصرم.. «اطلانتس الرمال»! وتقع شصرم شرق ولاية ثمريت على بعد 165 كلم من مدينة صلالة، وهي بقايا مدينة في أعماق رمال الصحراء، لقبها ت. إ. لورانس (لورنس العرب) بـ«اطلانتس الرمال»، في مقارنة مع قارة اطلانتس المختفية تحت مياه المحيط الأطلسي. وعند شصرم اكتشفت آثار كثيرة تعود إلى عصور سحيقة مختلفة تمتد إلى 18 ألف سنة قبل الميلاد، بينها اعمدة واسوار عالية ضخمة، وجدران وابراج وآنية فخارية، وزجاج مزخرف وعظام حيوانات، وأصداف معدنية، وفؤوس وأمواس وسكاكين وسهام وإبر وعملات وطقم شطرنج قديم ومرايا حجرية ومعدنية وأحجار للطحن (الرحى)، إضافة إلى وجود قلعة يعود عمرها إلى ألفي سنة.

ولقد اثبت تحليل العمر التاريخي أن منطقة شصرم كانت معاصرة للعصرين الأغريقي والروماني حتى القرن الخامس الميلادي، وانها هجرت في أوائل القرن السادس عشر الميلادي، في حين تؤكد الآثار بأنها كانت من المراكز التجارية الكبيرة.

ويرجح البعض أن هذه المدينة المندثرة هي نفسها مدينة إرم الأسطورية المذكورة في القرآن الكريم، وان سكانها قوم عاد الذين بعث الله إليهم بالنبي هود (عليه السلام)، والذي ما زال يُعتقد بوجود قبره في ظفار.

طاقة... ومحيطها وتقع مدينة طاقة على بعد 30 كلم شرق صلالة. وهي مدينة ساحلية قديمة اشتهرت بثروتها السمكية، وخاصة سمك السردين. وتوجد في طاقة قلعة قديمة، تحتوي على العديد من الغرف التي خصصت لإمارة المدينة، وفيها ايضاً سجن يحتوي على سلاسل، ومستودع للأسلحة والمؤن ونموذج للمنزل العماني القديم. ويقع على مدخل طاقة خور يسمى بخور طاقة. ويرجح أهالي طاقة إلى أن اصل الخور كان عيناً تفجّرت واتسعت وتحولت إلى خور.

ويعد خور روري، الذي ينبع من وادي دربات ويصب في البحر بالقرب من طاقة، اكبر خور في ظفار، وكان ذات يوم ميناء هاماً لتصدير السلع واللبان قديماً. ويقع الخور بين جبلين أطلق عليها اسم الحمرين، وتقع على بعد 50 مترا من الخور مدينة سمهرم الأثرية على بعد 39 كلم من صلالة. ومن الآثار المكتشفة داخل سمهرم معابد وسلالم حجرية وآثار لغرف مبنية بالحجارة الكبيرة وتوجد داخلها بئر عميقة جافة حالياً. كما عثر فيها على خمس مخطوطات مكتوبة بالأبجدية العربية القديمة وقطع نقدية برونزية ونحت بارز لثور ورسوم ثور منقوش على جدار مذبح وجرس برونزي وتمثال برونزي لفتاة تعزف على الناي.

مرباط وسدح واشتهرت مدينة مرباط (76 كلم شرق صلالة) قديماً بتجارة الخيل، وكانت عاصمة لظفار وأحد اهم مراكز تصدير اللبان. ويقع في مرباط ضريح بن علي المشيد في القرن السادس الهجري، إضافة إلى وجود القلاع التاريخية. وفي سدح (135 كلم شرق صلالة) يقع ما يقال انه قبر النبي صالح، في منحدر جبل نوس، إضافة إلى بناية حاسك وآثار لمدينة وحصون أثرية، وانتشار الكهوف والمغارات في جبالها ووديانها.

وتبعد رخيوت على مسافة 135 كلم الى الغرب من صلالة، وتوجد قربها مواقع حفريات تعود إلى فترة ما قبل التاريخ في منطقة ثيتننتي ومقابر قديمة وأبراج وضريح بن عثمان في الحوطة، اضافة إلى كهوف ومغاور.

=