اكتشافات أثرية مهمة لبعثة سورية في موقع تل العبر

المنشآت الضخمة على ضفاف الفرات بمحافظة حلب السورية، عمرها 11 ألف سنة

TT

على مدى النصف الاول من العام الحالي عملت بعثة تنقيب اثرية وطنية سورية في موقع تل العبر حيث تجرى لأول مرة اعمال تنقيب في هذا الموقع الذي يعود تاريخه للألف التاسع قبل الميلاد. ثائر برته، رئيس البعثة، تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن نتائج التنقيب فقال: يقع تل العبر في محافظة حلب عند منطقة عين العرب، ناحية شيوخ تحتاني، على الضفة اليسرى لنهر الفرات الاعلى جنوب تل القملق وشمال تل احمر (برسيب) على بعد 3 كم. وتل العبر تل منبسط غير مرتفع يقع جنوب تل نقبت فيه بعثة وطنية سابقا، وبالرغم من ذلك وقيام بعض علماء الآثار امثال فان لون وتوماس ماكليلان بالمسح الاثري في منطقة حوض الفرات، فإنهم لم يلحظوا التل الاثري الذي يعود الى فترة PPNA. والحقيقة ان المواقع التي تعود الى تلك الفترة غير ملحوظة بشكل واضح. لهذا توجد قلة في هذه المواقع المكتشفة.

وتابع برته: لقد اكتشفت في التل الذي سكن قبل 11 الف سنة، منشأة ضخمة ظهرت على حافة النهر وهي تشكيل معماري دائري يتصف بالضخامة نسبة الى باقي بيوت القرية وجرى حفر الارض الاصلية البكر للتلة الاثرية بعمق مترين تقريبا ثم رفعت مصطبة داخلية للمنشأة عرضها 148 سم. وسندت هذه المصطبة ببلاطات نحتت بشكل مستطيل سندت بها حافة المصطبة، وقد زخرفت هذه البلاطات بنقوش غائرة واخرى نافرة باشكال حيوانية وهندسية وخطوط منحنية، كما تتخلل هذه المصاطب اعمدة من الحجارة المنحوتة المطلية بطبقة سميكة من الطين، ويصل قطر أحد هذه الاعمدة إلى 66 سم والآخر 70 سم تتوسطهما بلاطة 67*35 عليها خطوط منحنية منكسرة فوقها بشكل عمودي، كما ظهر اساس حفر لعمودين آخرين متقابلين. وطليت جميع هذه الاعمدة الطينية بالكلس المطحون والمخلوط بالماء. ايضا وجد بيت دائري بحجارة كلسية منحوتة على شكل طولاني (سيجار) التصقت به من الجهة الشرقية حفرة نار دائرية مبنية من نفس الحجارة، كما ان البيت مطلي من الخارج بالطينة التي ظهرت واضحة نتيجة الحرق الذي اصاب البيت وظهرت ارضية البيت الحصوية التي رصفت بشكل منتظم لتشكل لوحة فنية رائعة. واكتشف ايضا جرن بازلتي، ووجد ضمن المصطبة قرن ثور ضخم ربما دل على طقس شعائري معين.

وحسب برته ايضا، اكتشفت في المنشأة المذكورة بصمات لاصابع انسان الالف التاسع قبل الميلاد مطبوعة على الجدران، وظهور النحت النافر في المنشأة يدل على فكر متطور وحس رمزي، ووجود لوحات بشكل حيوان خرافي يضفي على المكان شيئا من المهابة والرهبة، وكذلك تلفت النظر المساحة الكبيرة لهذه المنشأة وتوزع الاعمدة الطينية المطلية بالكلس التي توسطت وفصلت بين بلاطات المصطبة على شكل انصاف اقواس وبتوزع يضفي اهمية بعض اللوحات على الاخرى ليشكل نوعا من المركزية ضم هذه المنشأة. وقد طليت الجدران المحفورة في الارض الطبيعية بطينة قاسية ازدانت بطبعات اصابع هذا الانسان على شكل نقاط تمثل نهايات الاصابع وخطوط تشكل لوحة فنية جدارية، ربما كانت ملونة وكذلك السقف الذي طلي ايضا بالطين وفوقه الكلس الابيض ممهوراً بشكل كف اليد وكأنه توقيع هذا الانسان على اعماله الفنية. ولعل وجود شكل كف اليد يذكرنا بأول رسم كبصمة في دفتر الباليوليت الاعلى في مغارة التاميرا (اسبانيا).

من كل ذلك نلاحظ وبكل تأكيد العمل الجماعي المتقن الذي تم من خلال بناء هذه المنشأة اولا ومساحتها الكبيرة وارضها الكلسية المصقولة. ان هذه المنشأة كانت تؤدي وظيفة جماعية، مهما تكن هذه الوظيفة او ما ترمي اليه سواء كان اعتقادا دينيا او شكلا اجتماعيا (عقد اجتماعات)، كأنها تعطينا انطباعا عن التطور الفكري لانسان النيوليتي في الشرق، خاصة في الشمال السوري.

* ... ومكتشفات قيمة أخرى في تدمر دمشق: هالة خوري كشفت التنقيبات الاثرية في مدينة تدمر السورية اخيرا عن وجود طبقة كثيفة من الرماد فوق ما يعتقد انها آثار لمكتبة الدولة التدمرية ومحفوظاتها الكاملة، التي احرقها الرومان عام 272 م في الساحة العامة «الاغورا»، بهدف طمس تاريخ المدينة وتغييبه.

وقد عثر مع طبقة الرماد على بقايا اختام كانت تستخدمها الملكة التدمرية في تلك الفترة، وهذا دليل على اهتمام التدمريين الكبير بالتأليف والعلم. والكتابة التدمرية هي آخر مظهر من مظاهر الآرامية الاصلية.

كذلك اوضحت التنقيبات ان 90% من اسماء الاعلام التي اكتشفت منقوشة على الحجر بتدمر عربية ومنها من حكم المملكة كأذينة وحيران ووهب اللات.

ايضا امكن العثور على عشرات النصوص التدمرية في بادية تدمر في مواقع جبل هيان، وخربة البازورية والطيبة ووادي المياه وجبل شاعر والبلعاس، غير ان اكبر مجموعة من النصوص التدمرية عثر عليها خارج تدمر في موقع دوراريوس الذي كان مرفأ لتدمر ومركزا تجاريا وعسكريا مهما بينما عثر على بعض آخر منها في الاراضي العراقية، وقرب بعلبك في لبنان وفي الجزائر وايطاليا ورومانيا وانجلترا.

وتجدر الاشارة الى ان اقدم كتابة تدمرية مؤرخة عام 44 قبل الميلاد عثر عليها في اساسات معبد بل الشهير بتدمر، وتشمل القانون المالي التدمري «التعرفة الجمركية» الذي يعتبر من اهم النصوص، وهو موجود في متحف الأرميتاج في بطرسبرج (روسيا).