خيبر.. شاهد مهم في تاريخ شبه الجزيرة العربية

مئات القلاع والحصون تحتاج إلى تأريخ لمعرفة المعارك التي دارت حولها

TT

على مر التاريخ استمدت مدينة خيبر (شمال غرب المملكة العربية السعودية) شهرتها وتاريخها بالحجم الهائل من الحصون الموجودة ـ او كانت موجودة ـ فيها. ويجوز القول هنا أن قلة من مدن شبه الجزيرة العربية تضاهيها في عدد حصونها وقلاعها، ويدل ذلك بالطبع على أن هذه المدينة مرّت بحقبات زمنية مختلفة شهدت عبرها العديد من المعارك الحربية. والواقع أن المصادر التاريخية تختلف اختلافاً ليس باليسير حول بعض الأحداث المهمة او المعارك التي دارت حول حصون خيبر من جهة، وحول مسمّيات هذه الحصون ومواقعها من جهة اخرى. ويعود اختلاف ما اوردته هذه المصادر الى ان الذين كتبوا عن حصون خيبر اعتمدوا فقط على الروايات المتناقلة ولم يأتوا الى المنطقة لتفحص مسارح المعركة وإجراء المقارنات الفعلية، بل ربما كانت بعض تلك الروايات قد بنيت اساساً على توقعات وافتراضات.

في أي حال، تعد خيبر بلداً قديماً عرف بهذا الاسم منذ أقدم العصور. وقد وردت عدة روايات في تفسير سبب التسمية لعل اهمها اشتهارها بحصونها وقلاعها، ذلك ان كلمة خيبر (جمعها: خيابر) تعني الحصن بلغة العماليق او العمالقة، وهم الأقوام السامية التي سكنت خيبر قديماً، ويعدون من «العرب البائدة» ـ قبل الاسلام ـ مثل عاد وثمود وطسم وجديس واميم وجرهم ومدين. ويكاد المؤرخون القدماء منهم والمحدثون يجمعون على ان العماليق هم أول من سكن خيبر. كذلك ورد اسم خيبر كأحد المناطق التي استولى عليها الملك البابلي نابونيد وكانت تابعة لملكه الذي ضم تيماء وديدان وخيبر، وذلك خلال الفترة من 555 إلى 539 قبل الميلاد، إذ ظهر اسمها في كتابات الاشوريين.

ويذكر المؤرخون ان اليهود غزوا العماليق في خيبر وقضوا علىهم او طردوهم من المنطقة، وحلوا محلهم في سكنى المدينة وبعض النواحي المجاورة في الجزيرة العربية. وبين المؤرخين من يذكر ان موجة ثانية من الزحف اليهودي على خيبر حدثت بعد دخول الرومان الى بلاد الشام وتشتيتهم اليهود في أنحاء متفرقة من العالم، ومنها بلاد الحجاز وذلك عام 270 ميلادي و122 ميلادي زمن الامبراطور الروماني هدريانوس.

* خيبر في الإسلام

* وفي السنة السابعة للهجرة جهّز النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بعد فراغه من غزوة الأحزاب، جيشاً باتجاه خيبر بعدما استبان له تورّط بعض اهلها في غزوة الأحزاب، وذلك لفتحها. وتحقيقا لوعد الله (جل وعلا) بفتح خيبر حيث قال «وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه»، توجه الرسول (صلى الله عليه وسلم) في المحرم سنة 7 هجرية بالمسلمين الى خيبر وفتحها. وأصبحت خيبر منذ ذلك التاريخ بلدة إسلامية خالصة تعاورها من الأحداث ومجريات التاريخ ما تعاور المدينة المنورة خاصة، والحجاز عامة. ولكن قلما وجد الباحث في ما هو متيسر من مراجع ما يشفي الغليل عن تاريخ خيبر، بصفة خاصة، بعد العصور الأولى للإسلام، حتى اليوم، الا انها تبعت لحكم الاشراف على الحجاز الذي بدأ في القرن الرابع الهجري، وفي عام 579هـ كانت تمثل اقصى حدود دولة الشريف. ونظراً لأهمية خيبر الاقتصادية فإنها ظلت مطمعا للدول المتعاقبة على حكم الحجاز والمناطق المجاورة، متأرجحة تارة الى الحجاز وتارة الى الشام وتارة أخرى الى جبل شمر.

* خيبر... السعودية

* ضمّت خيبر للمرة الأولى الى حكم الدولة السعودية في عهد الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود حوالي عام 1208هـ مع تيماء ووادي السرحان حين ضمت الى حائل بقيادة أميرها آنذاك عبد الرحمن بن معيقل.

واستولت الدولة العثمانية على خيبر بعد سقوط الدولة السعودية الأولى، ثم انسحب العثمانيون منها ليدخلها جيش طلال بن عبد الله بن رشيد بعيد عام 1269هـ، وبقيت كذلك فترة من الزمن تحت حكم ابن رشيد في حائل. والواقع انه لم يكن له من الحكم الا اسمه، أما الهم الأول والحقيقي للحاكم الرشيدي يومذاك فكان أطنان التمور التي كانت تذهب محمولة على ظهور الجمال الى حائل في نهاية كل عام، بدون اكتراث حقيقي بالانسان وحاجته الى تثبيت دعائم الحكم التي تحفظ عليه أمنه واستقراره وضروراته الأساسية.

وبالنتيجة ضاق الأهالي ذرعاً بالحال التي آلت اليها الأمور، حيث تعرضوا كثير لمضايقات، وعاشوا في فوضى، مع انتشار السلب والنهب والقتل وانعدام الأمن، وهو ما دفعهم الى مكاتبة الشريف في المدينة المنورة لحمايتهم وابداء استعدادهم لمناصرة الشريف ان هو قدم الى خيبر. وبذا دخلت خيبر، مجدداً، تحت حكم الاشراف تابعة للمدينة المنورة ـ وكانت قد دخلت للمرة الأولى تحت حكم الأشراف في عهد الشريف قتادة عام 579هـ، حيث شكلت خيبر حدوده الشمالية والقنفذة حدوده الجنوبية.

وظلت خيبر متأرجحة تارة تحت حكم الاشراف وتارة اخرى تحت حكم ابن رشيد وأخرى تحت الحكم السعودي في دولته الأولى، حتى تأسيس الدولة السعودية الثالثة على يدي الملك عبد العزيز آل سعود، لتنضم خيبر لإمارة حائل التي دخلت هي الأخرى في هذا العهد في آخر صفر من عام 1340هـ. وللعلم كان ارتباط خيبر بحائل في تلك الحقبة ادارياً فقط، اما في ما يتعلق بالنواحي المالية، فكانت مرتبطة بالمدينة المنورة، الى ان ألحقت فعليا بإمارة منطقة المدينة المنورة عام 1391هـ.

* أهم الآثار

* أهم الآثار الاسلامية الموجودة في منطقة خيبر بالطبع الحصون العديدة، وابرزها: ـ حصن القموص: ويرجح المؤرخون ان هذا هو حصن بني الحقيق اليهود، وبه كنانة بن الحقيق، زوج صفية التي اصطفاها النبي (صلى الله عليه وسلّم) لنفسه وتزوجها. وهذا الحصن من حصون الكتيبة.

ـ حصن ناعم: المعروف بالعاصمية من حصون نطاة والشق. وهو الحصن الذي قتل تحته محمود بن مسلمة. وتتفق جميع الروايات التاريخية ان هذا هو حصن مرحب، وهو الذي دارت تحته اولى المعارك بين المسلمين واليهود، وهو اول ما فتح المسلمون من الحصون. كما انه هو الاقرب الى الرجيع معسكر النبي (صلى الله عليه وسلم)، وتوجد تحت هذا الحصن عين تسمى «عين علي» غير تلك العين المشهورة القريبة من حصن القموص. وفي الجانب الاخر يوجد أيضا حصن الصعب بن معاذ، ويقع بالقرب من الحصن السابق. ـ حصن البزاة او البازة: وهو في المنطقة المعروفة حالياً بالروان.

ـ حصن الوطيح: وهو مكيدة القديمة، او ما يطلق عليه عبلة ورشيدة.

ـ حصن السلالم: وهو مع حصن الوطيح المكانان اللذان تحصّن فيهما اليهود بعدما طردهم جيش الفتح من بقية الحصون الاخرى، وما لبثا ان فتحها، النبي (صلى الله عليه وسلّم). وبفتحهما اصبحت خيبر ملكا للمسلمين وقسمها النبي بين اصحابه. ـ حصن قلة والبريء، أو قصير النبي ـ وهكذا اسمه حالياً على تصغير قصر، ويقع الى الجنوب من خيبر. ويقال انه هو الموقع الذي عسكر فيه جيش الفتح لدى وصوله الى خيبر في الصهباء قبل ان يغيّر الجيش موقعه الى الشمال من خيبر.

* مقابر الشهداء

* القصد هنا مقابر شهداء خيبر، وتقع على بعد ما يقارب خمسة كيلومترات على الطريق المؤدي الى الصفق الأحمر. وقد أوردت المصادر اسماء من استشهد في خيبر من الصحابة على النحو التالي حسب ما ذكره ابن هشام في السيرة النبوية، وهم: ربيعة بن أكثم بن سخبرة، وثوقف بن عمرو، ورفاعة بن مسروح، وعبد الله بن الهبيب، وبشر بن البراء بن معرور، وفضيل بن النعمان، ومسعود بن سعد بن قيس، ومحمود بن مسلمة، وأبو ضياح بن ثابت بن النعمان، والحارث بن حاطب، وعروة بن مرة بن سرافة، وأوس بن القائد أو أوس بن قتادة، وأنيف بن حبيب، وثابت بن أثلة، وعمارة بن عقبة، وعامر بن الأكوع، والأسود الراعي، ومسعود بن ربيعة.

=