التعرف إلى مومياء با رمسيس أول فرعون من سلالة عربية

أحمد عثمان

TT

تمكن بيتر لاكوفارا، امين متحف مايكل كارلوس التابع لجامعة ايموري في مدينة اتلانتا بولاية جورجيا الاميركية، من كشف هوية مومياء مجهولة موجودة في المتحف، تبين انها لرمسيس الاول احد اهم الفراعنة المصريين.

وكان المتحف قد حصل في العام الماضي على مجموعة من الاثار المصرية القديمة يبلغ عددها 145 قطعة، من متحف صغير عند شلالات نياغارا بجنوب كندا وصلت اليه عام 1861 عندما اشتراها ثري اميركي من تجار العاديات في مصر. وتبين وجود عشرة توابيت للدفن، فيها عشر مومياءات ضمن المجموعة، التي اشتراها متحف مايكل كارلوس مقابل مليون ونصف مليون دولار. ورغم عرض التوابيت بمتحف نياغارا لأكثر من مائة سنة، إلا ان احدا لم يدرسها او يفحص المومياءات الموجودة بداخلها، الى ان وصلت الى جامعة ايموري في العام الماضي. وقد افتتحت قاعة جديدة بمتحف مايكل كارلوس في 6 اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، وضعت فيها مجموعة الاثار المصرية بما في ذلك التوابيت العشرة.

ما اثار اهتمام لاكوفارا هو ان المومياء المجهولة وجدت داخل تابوت يمتاز بالفخامة واتقان الصنع وروعة النقوش، مما يوحي بأن صاحبها لا بد ان يكون واحدا من الفراعنة. ولاحظ وضع اليدين متقاطعين على الصدر على طريقة اوزوريس، ووجود صفائح ذهبية رقيقة تفصل بين اصابع القدمين مما يؤكد الطبيعة الملكية لصاحب المومياء. كذلك ادرك الخبير الاميركي وجود شبه بين ملامح هذه المومياء ومومياء الفرعون سيتي ابن رمسيس الاول وهو اصلع الرأس معكوف الأنف مثل باقي الفراعنة الرعامسة. وتبين بعد فحصها بأشعة «إكس» انها تشبه مومياءات الرعامسة الذين كونوا الاسرتين 19 و 20 وحكموا البلاد حوالي قرن ونصف القرن. وحتى يحسم المسألة قرر امين المتحف استخدام تقنيات الحمض النووي (DNA)، لمقارنة عينات من اسنان المومياء المجهولة مع اسنان الرعامسة الموجودة في مصر، وطلب من سلطات الاثار المصرية الحصول على عينات منها، لمعرفة ما اذا كانت متفقة. إلا ان المسؤولين عن متحف ايموري تخوفوا من مطالبة السلطات المصرية باستعادة المومياء، في حال ثبت انها لرمسيس الاول. والمعروف ان رمسيس الاول مات في ظروف غامضة اثناء محاولة بعض القبائل البدوية مغادرة مصر الى فلسطين، ولم يعثر على مومياء في مقبرته بوادي الملوك.

* انقلاب عسكري

* تجدر الاشارة الى ان «با رمسيس» ولد في منطقة القنطرة شرق الدلتا منذ حوالي 3 آلاف وخمسين سنة، وكان ابوه ضابطا في الجيش بالموقع نفسه. وصار با رمسيس ضابطا مثل ابيه، ايام حكم الملك اخناتون الذي اطلق ثورة العمارنة الدينية، وانضم با رمسيس هو وابنه سيتي الضابط بالجيش ايضا الى القائد حورمحب، في تنظيم انقلاب عسكري للاطاحة باخناتون، وفعلا جرى اجباره على التنازل عن العرش لابنه توت عنخ آمون في عام 17 لحكمه. وقد ظهر دليل اثري اخيرا يشير الى انتهاء حكم اخناتون نتيجة لانقلاب عسكري. ففي 7 اكتوبر (تشرين الاول) 1997 اعلن في القاهرة عن كشف مهم قامت به البعثة الاثرية الفرنسية التي تعمل في منطقة سقارة، حيث عثرت على مقبرة مرضعة الملك توت عنخ آمون. وقال آلان زيفي، رئيس البعثة الفرنسية التي عثرت على المقبرة، ان هناك لوحة منقوشة عند مدخل المقبرة تصور المرضعة مايا، يجلس على حجرها الملك توت صغيرا وهو يرتدي لباسه الرسمي، بينما يجلس كلبه الأليف تحت المقعد.

وذكر زيفي ان هذا المنظر يضم كذلك عددا من كبار رجال الدولة المهمين. ووصف الاثري الفرنسي اللوحة التي ظهرت بأنها تحتوي على رسوم لستة من كبار رجال الدولة، قائلا انهم بلا شك يمثلون الشخصيات الوزارية التي حكمت مصر ايام توت عنخ آمون. وعلى الرغم من عدم وجود كتابات تحتوي على اسماء الوزراء تمكن زيفي من التعرف على شخصياتهم من ملامحهم ومن عصي «المارشالية» التي يحملونها في ايديهم، وهم: آي وحورمحب وبا رمسيس وسيتي ونخت مين ورجل آخر اسمه مايا. وبخلاف مايا هذا الذي كان وزيرا للمالية، فإن الوزراء الخمسة الباقين كانوا جميعا من القادة العسكريين، ليس هذا فحسب، بل ان اربعة منهم خلفوا توت عنخ آمون على العرش بعد ذلك، هم آي وحورمحب وبا رمسيس (الذي اصبح رمسيس الاول) وسيتي الاول.

والمعروف ان توت عنخ آمون لم يستمر طويلا على عرش مصر، بل مات وهو في التاسعة عشرة من عمره، وخلفه القائد آي الذي اضطر الى عقد زواج صوري مع ارملة توت عنخ آمون حتى يكون له الحق في اعتلاء العرش. إلا انه اختفى هو الآخر مع قريبه القائد نخت مين، في ظروف غامضة بعدما حكم مصر اربع سنوات.

وجلس القائد حورمحب بعد ذلك على العرش ـ بعدما تزوج من اخت نفرتيتي زوجة اخناتون ـ وعيّن با رمسيس وسيتي كلاهما في وقت واحد في وظيفة الوزير الاول والقائد العام للجيش. وعينه حورمحب كذلك حاكما لمدينة زارو الحدودية المحصنة، التي اشرفت على كل منطقة الحدود في شمال سيناء. وكان رمسيس نفسه ينتمي لعائلة من المنطقة نفسها. وبسبب زواجه من الاسرة المالكة يعتبر حورمحب من بين ملوك الاسرة الثامنة عشرة. وبانتهاء حكمه بعد 13 سنة انتقل الحكم الى بارمسيس الذي اسس الاسرة التاسعة عشرة، وتبعه ابنه سيتي الاول والد رمسيس الثاني.

* الأصل العربي

* وبينما كان الفراعنة الذين حكموا مصر حتى ذلك الوقت لمدة الفي سنة ينتسبون جميعا الى عائلات جاءت من الصعيد، فإن الرعامسة كانوا اول ابناء شرق الدلتا الذين يجلسون على عرش البلاد، وبينما كان سكان الصعيد ينتسبون الى سلالات افريقية جاءت من شمال القارة وشرقها ومن بلاد النوبة، فإن اهل سيناء والدلتا كانوا ينتمون الى سلالة عربية جاءت من الجزيرة. وكان رمسيس الاول رجلا طاعنا في السن عندما تولى العرش، وبالتالي لم يطل حكمه فمات قبل نهاية عامه الثاني. وكان ابنه وخليفته سيتي الاول يعيش معه في زارو قبل ان يبدأ في بناء قصور له في مناطق أخرى من الاراضي المصرية. ثم بدأنا منذ عصر رمسيس الثاني ـ ابن سيتي الاول ـ نسمع عن وجود مقر ملكي باسم «بر رمسيس»، او كما ورد في شكله الكامل «بيت رمسيس محبوب آمون المنتصر العظيم»، الذي تقول عنه النصوص انه يقع «عند بداية البلاد الاجنبية ونهاية مصر»، او في الموقع الذي تلتقي فيه رمال الصحراء مع طمي النيل شرق الدلتا. ويعد رمسيس الثاني اشهر الفراعنة الرعامسة بسبب طول حكمه، فقد حكم 67 سنة منذ بداية القرن الثالث عشر ق.م. ومات وهو يقترب من سن المائة، وكان من اكثر الملوك المصريين طولا ويهوى الاعمال الفنية الضخمة، فنصب العديد من التماثيل الكبيرة لنفسه في عدة مناطق من مصر، وشيد عددا كبيرا من القصور والمعابد.

وكانت الصدفة وحدها هي التي كشفت قبل بضع سنوات عن مقبرة تضم اكثر من خمسين ولدا من ابناء رمسيس الثاني، بوادي الملوك بالبر الغربي للأقصر. فمنطقة الاقصر من المناطق الجافة التي لا تسقط عليها امطار غزيرة إلا مرة كل مائة عام. وفي شتاء ذلك العام تجمعت مياه الامطار الغزيرة في اعالي الهضاب غرب الاقصر وانحدرت بقوة الى الوادي، فجرفت امامها اطنانا من الرمال، وبعض البيوت ايضا. وجرفت مياه السيول بضعة امتار من الرمال كانت تغطي مدخل المقبرة، فعثر عليها اعضاء البعثة الاميركية التي كانت تقوم بعمل مسح شامل للمنطقة، باشراف الدكتور كنت ويكس، استاذ المصريات بالجامعة الاميركية في القاهرة.