2011 عام «الأوسكار الذهبي» لاستحقاقات المرأة السعودية

أهم الانجازات حصول المرأة على حق عضوية مجلس الشورى في الدورة المقبلة

خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز في صورة أرشيفية تذكارية يتوسطان مشاركات في ندوة عن الصحة والمجتمع يعود تاريخها إلى ابريل 2010 (أ.ف.ب)
TT

لم يكد عام 2011 الذي إن صح وصفه بـ«العام الذهبي» أن يغلق أبوابه في السعودية، حتى بات موسم حصاد «حواء»، باقتطاف ثمار عدد من استحقاقاتها القانونية والاقتصادية والاجتماعية.

عام المرأة «الذهبي» 2011، لم يقف عند بعض المكتسبات الممنوحة للمرأة، وإنما بدأت شرائح عريضة من المجتمع السعودي، الذي لطالما وصف بالخصوصية من البعض، في «فك الارتباط» بين ما هو شرعي وعادات المجتمع، بعد أن تصدر البعد الثقافي في تفسير الرأي الديني، مستندا أيضا إلى اجتهاداته المحافظة.

فكما كشفت كلمة 26 سبتمبر (أيلول) 2011 للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، تحت قبة الشورى، عن سنوات سمان من المكتسبات والحقوق أعادت للمرأة السعودية وجودها على أرض الواقع السياسي والاجتماعي، بإقرار حق مشاركة المرأة في مجلس الشورى عضوا اعتبارا من الدورة القادمة، إضافة إلى الموافقة على ترشيح نفسها لعضوية مجالس البلدية اعتبارا من الدورة القادمة، والمشاركة بترشيح المرشحين، موقفا بذلك سنوات من الشد والجذب بين أطياف وتيارات المجتمع السعودي - رسخت الكلمة الملكية أيضا الرؤية الإسلامية الصافية بحق المرأة ومستحقاتها، وآليات فهم أدوار المرأة السعودية في مجتمعها، حيث ظهرت جلية في إشارة العاهل السعودي إلى مشورة أم المؤمنين أم سلمة في صلح الحديبية قائلا: «إنه للمرأة المسلمة في تاريخنا مواقف لا يمكن تهميشها منها، سواء بالرأي أو المشورة، منذ عهد النبوة تيمنا بمشورة أم المؤمنين أم سلمة يوم الحديبية، والشواهد كثيرة، مرورا بالصحابة والتابعين حتى يومنا هذا».

الإرادة السامية بإشراك المرأة السعودية في الحياة السياسية البرلمانية من خلال مجلس الشورى في دورته القادمة، ومجالس البلدية، والمساهمة في سن القوانين التشريعية، كانت بمثابة «النقطة» التي أوقفت زحف الكلمات والأصوات الباحثة في شؤون المرأة تارة بالتحليل وأخرى بالتحريم، و«النقطة» التي بدأت برسم المرأة السعودية بـ«فسيفساء» جديدة في مجتمعها، على الرغم من كون قضيتها محل «احتراب» بين مختلف التيارات، وأداة لـ«تقرير مصير».

الفرحة باستقبال عام جديد، بمثابة تكريم لعام مضى سيظل شاهدا على الاستحقاق التاريخي للمرأة السعودية، بعد أن وقف صامدا بوجه حملات الوأد الشعبوية ضد عدد من القرارات الوزارية، التي بحثت تمكين المرأة السعودية اجتماعيا واقتصاديا، كان أبرزها القرار الوزاري رقم «120»، بجميع بنوده.

وعلى الرغم مما عانى منه القرار «120»، لتسعة أعوام، من قوى ممانعة شعبوية، نجح عام 2011، على الرغم من شراستها، في الحفاظ على «حق البقاء»، بعد أن علا صوت الحقوق، على ما يسمى بنظرية المؤامرة الغربية التي تحاك بليل، بحق المرأة السعودية المسلمة، من قبل أصحاب «المشاريع» كما يروج لها من قبل بعض الأصوات الدعوية.

بدأ ذلك بإمهال المهندس عادل فقيه وزير العمل السعودي، أصحاب المحال التجارية، آخر ستة أشهر من عام 2011 لتطبيق القرار «120»، الذي يوجب أحد بنوده بتأنيث محلات بيع الملابس النسائية الداخلية، عقب محاولات المناوئين الفاشلة لتسديد طعناتهم إلى قلب القرار.

كما حققت المرأة السعودية العاملة مكتسباتها الاقتصادية عقب 9 أعوام على تعطيل ذات القرار (120)، بإلغاء الوكيل الشرعي لسيدات الأعمال والسماح للمرأة بإدارة أعمالها التجارية بنفسها، بعد صدور تعميم وزعته وزارة التجارة والصناعة السعودية 2 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، الذي نص على إلغاء شرط تعيين مدير أو وكيل شرعي للنساء.

لتستمر حركة التجديد والمواكبة حتى الساحة الثقافية والأدبية السعودية بتنشيط دور المرأة السعودية عقب موافقة الدكتور عبد العزيز خوجه وزير الثقافة والإعلام السعودي في 2011 على مشاركة المرأة في الجمعيات العمومية لانتخابات مجالس إدارات الأندية الأدبية الجديدة.. لتنعم أخيرا مثقفات كل من مدينة حائل وجيزان والأحساء بممثلات لها في مجلس إدارة النادي الأدبي، عقب انتهاء الانتخابات الأخيرة للجمعيات العمومية، ممثلا ذلك وعيا أساسيا في حركة احترام ومشاركة النساء في الساحة الثقافية والأدبية السعودية.

واعتبرت الدكتورة سهيلة زين العابدين عضو جمعية حقوق الإنسان، أن أهم إنجاز حصلت عليه المرأة السعودية في عام 2011 تمثل في منحها حقوقها السياسية من خلال المشاركة كعضو في مجلس الشورى، وكمرشحة ومنتخبة بمجالس البلدية، منوهة إلى أن ذلك يفتح الباب أمام المرأة السعودية بالحصول على باقي حقوقها. واعتبرت زين العابدين أن أهمية إعطاء المرأة السعودية حقها السياسي، تأتي من باب الإقرار بأهليتها الكاملة، فلا يمكن أن تكون عضوا في مجلس الشورى، وفي ذات الوقت تعد ناقصة الأهلية.

من جهتها، اتفقت الدكتورة هتون الفاسي أستاذة تاريخ المرأة بقسم التاريخ في جامعة الملك سعود، على أن الحجر الأساسي في مستحقات المرأة السعودية لعام 2011، يتجسد في القرار الملكي بالسماح بعضوية المرأة السعودية بمجلس الشورى ومجالس البلدية، منوهة إلى أن المستحقات الأخيرة أتت أيضا عقب حزمة من القرارات الملكية الداعمة لحقوق المرأة في المجتمع السعودي.

مكتسبات المرأة السعودية لعام 2011 لم تقتصر على ما أقر لصالحها من قرارات ملكية، ووزارية، وإنما بما استعادته أيضا من حقها في التعبير، وتجاوز عقود الحظر الاجتماعي للصوت الأنثوي، محطمة حاجز الصمت النفسي، والخوف من رفع صوتها عاليا بمطالبها، عقب أن باتت أكثر إدراكا لاحتياجاتها. لتوقظ الحناجر النسوية من جديد عبر حملات عدة انطلقت من مختلف المناطق السعودية، كسل الأنثى في التعبير عن ذاتها، واستعادة دورها الذي سلبه «الرجل» باعتباره «وكيلا شرعيا» لها. كان من بينها حملة «كفاية إحراج» لتحفيز تطبيق قرار تأنيث بيع المستلزمات النسائية، وحملة «بلدي» للدفع صوب المشاركة النسوية في التصويت والترشح لمجالس البلدية، إلى جانب حملة «تفعيل قرار إلغاء الوكيل الشرعي»، وحملة «أنا محامية»، إلى جانب بدء النشاط النسوي والذاتي في توعية المرأة استعدادا للمشاركة بمجالس البلدية ومجلس الشورى عبر عقد عدد من اللقاءات والمحاضرات، كما برز الحراك النسوي باعتصام معلمات بند محو الأمية أمام وزارة الخدمة المدنية في منتصف عام 2011 للمطالبة بتثبيتهن وتحسين أوضاعهن، واعتصام آخر أمام وزارة التربية والتعليم من قبل المعلمات المتقاعدات. إلا أن ظهور أم محمد (فاطمة الطويرقي)، المرأة المنتقبة، التي شاهدها الكثيرون عبر «يوتيوب» في كارثة جدة الأخيرة، وخروجها من أكثر الأحياء محافظة بمدينة جدة، وسط جمهرة من الرجال مستوقفة الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة أثناء تجوله في المناطق المتضررة، في محاولة منها لإيصال أصوات المتضررين والمنكوبين بكل جرأة - جسد ما تحتفظ به السيدة السعودية من قوى كامنة بدأت في التحرر من جديد، لتخرج «أم محمد» في منتصف عام 2011 كأول مواطنة سعودية تشارك رسميا في تدشين مشروع تنموي، عقب مشاركتها الأمير خالد الفيصل في تدشين المرحلة التنفيذية للحلول العاجلة في حي السامر بجدة.

وأكدت الدكتورة هتون الفاسي على أن الحراك الفاعل للمرأة السعودية سواء أكان على أرض الواقع أم عبر مواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» و«تويتر»، بات واضحا، كما أن تأثيرها تضاعف اجتماعيا واقتصاديا، عقب تصدر المطالبات النسائية الساحة السعودية، وقيادتهن لاعتصامات أمام عدد من الوزارات كما حدث أمام وزارة الخدمة المدنية ووزارة التربية والتعليم. إلا أنه وعلى الرغم من النشاط الحثيث في مسألة تحقيق المكتسبات الحقوقية للمرأة السعودية وتطبيعها مع المجتمع السعودي، الذي شهده عام 2011، تزامنت مع ذلك جهود أخرى حثيثة للقفز فوق المطالب النسوية، وتوظيف قضية «المرأة» الأكثر جدلا، لخدمة أغراض أخرى، في الوقت الذي ينتظر فيه في السنوات القادمة خطى نسوية جديدة صوب مستحقاتها.. حيث برز ذلك بوضوح وبحسب البعض من خلال المنتدى الذي عقد بالرياض في مطلع ديسمبر (كانون الأول) 2011 بعنوان «المرأة السعودية.. ما لها وما عليها»، الذي شهده وشارك فيه كوكبة من العلماء والدعاة والقضاة والمختصون من الجنسين، بعد أن اختصوا قضية الفوارق ما بين المرأة السعودية المسلمة والغرب بالبحث والتنقيب في المنتدى، تحت مظلة حقوق المرأة القانونية والاجتماعية والاقتصادية. وذلك من خلال ما عبر عنه منظمو المنتدى «نصا» حول أحد أهدافه بأن «هناك من يشوه صورة المرأة في الإسلام، ويريد تقديم قراءة جديدة من أجل تمرير أجندات مشبوهة خلال المرحلة القادمة، عبر ليّ أعناق النصوص الشرعية، حتى تتوافق مع بنود الاتفاقيات الدولية للمرأة، التي أغفلت النواحي العقائدية والروحية للإنسان، لتكون - مع الأسف - مادة دسمة لكثير من المنظمات الحقوقية، ووسائل الإعلام العالمية خلال الأعوام الماضية». حتى كان سببا في وصفه بمنتدى موجه بـ«امتياز»، ظهر بجلاء من خلال مطالبة أحد المشاركين بتوعية المرأة بوظيفتها الأساسية في البيت، وتخصيص مرتب شهري لها. وتشمت إحدى الداعيات السعوديات الشهيرات بمن وصفتهم «أصحاب المشاريع» بقولها «قل موتوا بغيظكم»، بعد أن فشلوا في تحقيق مخططاتهم التي تستهدف عقيدة المرأة السعودية، بحسبها، إضافة إلى مباركة أحد المشاركين واطمئنانه على عقيدة المرأة السعودية عقب ما صدحت به أصوات المشاركات في المنتدى.

وبحسب الدكتورة سهيلة زين العابدين فإن منتدى «المرأة السعودية.. ما لها وما عليها» الذي أعده مركز «باحثات» الذي يقوم عليه الدكتور فؤاد العبدالكريم حاول فرض الواقع الذي عليه المرأة السعودية، دون المطالبة بتعديل القوانين والأنظمة التي ما زالت تنتقص من أهليتها وتفرض عليها الوصاية، مع اختزال أوراق العمل المشاركة الخلل في التطبيق دون ذكر القوانين.

وأضافت زين العابدين أن المؤتمر لم يتعمق في بحث حال المرأة السعودية، مستغلا عبارة الشريعة الإسلامية بصورة «مطاطية» في مناقشة قضيتها، والتي بحسبها أتت عقب إعطاء حق المشاركة السياسية للمرأة والتركيز على بحث بيئة العمل الآمنة للمرأة، في خطوة لحجبها في مجلس الشورى.

وانتقدت العضو في جمعية حقوق الإنسان اقتصار مشاركات المنتدى على توجه معين يمثل موقف صاحب المنتدى كما ذكرت، منوهة إلى أهمية حضور جميع تيارات المجتمع السعودي، لا أن يكون هناك «فكر معين موجه»، في محاولة منها لإرسال رسالة مفادها أنه حتى وإن وصلت المرأة السعودية للتمثيل السياسي فإنها ستبقى كما هي عليه الآن، بحسب الدكتورة سهيلة زين العابدين.

وفي إطار اختطاف الأجندات من قبل البعض قالت الدكتورة هتون الفاسي إن مسألة اختطاف الأجندات باتت قضية معتادة ما بين الجهات المتصارعة والمتباينة، مؤكدة أن الساحة والوطن يتسع للجميع ولجميع الآراء، إلا أن المطلوب عدم الالتفاف والاختراق والتمثيل على الجمهور.

وأشارت الفاسي إلى أن المنتدى الأخير «المرأة السعودية.. ما لها وما عليها» له ما يحسب لمصلحته وما يؤخذ عليه، حيث إن الظاهر، بحسبها، وخلال المنتدى، استخدام لغة الاعتدال، في الوقت الذي كان فيه المضمون يستخدم ذات الخطاب الداعي إلى وصاية الرجل على المرأة، مطالبة بأهمية إدارة المراكز البحثية الخاصة بالمرأة من قبل النساء أنفسهن وليس من قبل الرجل كما هو الحال بمركز «باحثات» المنظم لمنتدى «المرأة السعودية.. ما لها وما عليها».