2011.. عام المصالحة الفلسطينية بجدارة

القصة بدأت بالبحث عن الشرعيات وتعزيزها.. والنهاية في انتظار ما ستخطه فتح وحماس

صورة وزعها المكتب الإعلامي لحركة حماس، يظهر فيها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وخالد مشعل رئيس حركة حماس في القاهرة (إ.ب.أ)
TT

بعد أعوام من الخصومة والقتال ونفي الآخر ومحاولة إنهائه، طوت حركتا فتح وحماس، في الأيام الأخيرة من عام 2011، صفحة هي الأكثر سوادا في تاريخ الفلسطينيين، بعدما تقدموا خطوات مهمة نحو المصالحة، في رحلة ليست سهلة ولا قصيرة، ومليئة بالمطبات المحلية والإقليمية والدولية.

وفي القاهرة التي احتضنت على مدار عامين آلاف الجلسات، تصافح قادة فتح وحماس، وتعانقوا وأعلنوا حربا على الانقسام، وشراكة سياسية حقيقية، في كل كبيرة وصغيرة، في لغة بدت مفاجئة للكثيرين، وتكللت بتوقيع اتفاقات ثنائية وعامة في مواضيع شتى وبالغة الأهمية.

إذن إنه عام المصالحة! لكن كيف ولماذا هذا العام بالذات، وهل ممكن أن تطبق فعلا؟

يجيب مسؤولون في فتح وحماس، ومراقبون ومحللون، بأنه الربيع العربي.

ولا يختلف اثنان في الشارع الفلسطيني على أن التغييرات الإقليمية، أو ما يعرف بالربيع العربي، شجع الطرفين على المصالحة، لكن التغيير السريع والمفاجئ في نيات ولغة وواقع الطرفين، يشير إلى أنهما تحركا بدوافع كثيرة وليس فقط بسبب هذا الربيع. وقال المحلل السياسي محمد هواش لـ«الشرق الأوسط»: «إن هناك عاملين رئيسيين، قادا إلى هذا التغيير في موقفي فتح وحماس». واستطرد «العامل الأول مرتبط بفتح، وهو عامل المواجهة مع إسرائيل. إسرائيل تريد أن تفاوض على لا دولة ولا شيء، ولا تريد لأي شكل من أشكال المقاومة أن يبقى ويتطور ولا تريد للمجتمع الفلسطيني أن يتحد». وأضاف «دوافع المواجهة مع إسرائيل، ووجود حكومة يمينية أغلق الأبواب أمام فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية التي وصلت إلى قناعة بضرورة أن تشرك معها كل الشعب الفلسطيني في المعركة.. لقد فرضت الحكومة اليمينية الإسرائيلية مواجهة شاملة».

العامل الثاني حسب هواش «مرتبط بحماس، وهو عامل البحث عن شرعية. عندما لجأت المنظمة إلى الأمم المتحدة كان هناك إجماع شعبي، والأطراف التي كانت خارج هذا التوجه، مثل حماس أصبحت في عزلة سياسية، يضاف إلى ذلك، عامل آخر أساسي، وهو التغير الطارئ في الوضع العربي، وما ترتب عليه، من تحالفات إقليمية، إذ أفقدت حماس أي أفق ممكن للحصول على شرعية». وأردف «تحالفها (حماس) كان مع سوريا وإيران، وسوريا في وضع صعب، ولا آفاق هناك، وإذا ما بقيت تراهن على هذه العلاقة، فقد تفقد شرعيتها المتبقية».

ومن وجهة نظر هواش، فإن حماس التي كانت تريد هدم الشرعية الفلسطينية وبناء أخرى، قررت تغيير قواعد اللعبة، وقررت أن تدخل إلى قلب الشرعية الحالية، لأن هدم شرعية قد يكون سهلا، لكن بناء أخرى شبه مستحيل. لكن ورغم قناعة هواش بإمكانية المصالحة، لكنه يرى أنه من الصعب أن تسير بوتائر سريعة، بسبب الوضع العربي البطيء، وأجندات الولايات المتحدة وإسرائيل، واستحقاقات المصالحة المحلية التي تتطلب تنازلات من الصعب أن تقدم حماس وفتح عليها بسهولة.

إذن إنها مصالحة المواجهة مع إسرائيل والبحث عن شرعية.

ويتفق المحلل السياسي طلال عوكل، إلى حد كبير مع هواش، لكنه يرى أن الحركتين تبحثان عن الشرعية، وليس فقط حماس، وقال «الحركتان أدركتا أن زمن الحزب الواحد قد ولى». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، أن «حماس انتقلت مثل (الإخوان) إلى مرحلة الاندماج مع النظام السياسي العربي والسيطرة عليه، بينما فتح تريد تعزيز الشرعية الفلسطينية، وهذا يتم عبر إدخال حماس في النظام وإنهاء الانقسام».

ويمكن القول إنه من أجل هذه الشرعية، تحرك الفصيلان سريعا.

وأقر المسؤول الكبير في فتح، ومهندس المصالحة مع حماس، عزام الأحمد ضمنا بعلاقة المصالحة بالشرعيات. وقال في القاهرة، قبيل الاجتماع الأهم، وهو اجتماع الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي حضرته كل من حماس والجهاد لأول مرة، في 22 ديسمبر (كانون الأول) الحالي «مهمة هذا الاجتماع الأساسية والمركزية تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني وفق ما جاء في إعلان القاهرة عام 2005 والعمل على دخول بقية الفصائل للمنظمة بما يعزز مكانتها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني».

وكانت كل من فتح وحماس ومعها الفصائل الأخرى قد اتفقت حسب نص محضر اجتماع الفصائل الأخير في القاهرة، على أن تكون الآليات التي تم التوصل إليها ملزمة للجميع وهي على النحو التالي:

أولا: منظمة التحرير - توافقت الفصائل على أن تتم مناقشة موضوع منظمة التحرير الفلسطينية خلال اجتماع لجنة منظمة التحرير المنصوص عليها في إعلان القاهرة 2005 واتفاقية الوفاق الوطني 2011. وقال الأحمد بعد اجتماع عقد الخميس الماضي «هذا الاجتماع يمثل بداية عملية لتنفيذ ما تم في إعلان القاهرة في مارس (آذار) 2005».

ووافقت حماس بحضورها الاجتماع على دخول منظمة التحرير، ويمكن القول إنها خطت خطوة كبيرة في هذا المجال.

وجدير بالذكر أن مسألة دخول حماس إلى المنظمة، ليست جديدة في حقيقة الأمر، فقد عرض الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، الأمر على حماس حتى قبل إقامة السلطة، ووافقت حماس، لكن الخلاف الرئيسي كان يتمثل في حصتها آنذاك.

وإذا كانت فتح يمكن أن تتنازل عن فياض وعن الأجهزة الأمنية في غزة، فهذا لا يبدو ممكنا في منظمة التحرير.

وتريد فتح دخول حماس والجهاد لإعطاء المنظمة مزيدا من الشرعية، أما حماس فتريد شرعية أخرى من خلال المنظمة.. فهل سيتحول الأمر إلى محاولة للسيطرة على الشرعية؟

هذا السؤال يحتاج إلى وقت كبير للإجابة عنه، والمشكلة الأكبر أمام حماس، هي أن المنظمة تعترف بإسرائيل، ولديها اتفاقات موقعة في هذا الصدد، بينما ترفض هي الاعتراف.. فعلى حساب ماذا سيكون دخول المنظمة.. هل على حساب مواقفها أم على حساب برنامج المنظمة؟

ويقول مراقبون وسياسيون في المنظمة إن الاتفاق على برنامج المنظمة هو أساس المصالحة.

ثانيا: الانتخابات - توافقت الفصائل على الأسماء المقترحة للجنة الانتخابات المركزية وعرضت هذه الأسماء على الرئيس أبو مازن الذي أصدر مرسوما رئاسيا بتشكيل اللجنة وفق للأسماء المقترحة على أن يتم استبدال أي منها في حال اعتذار صاحبها وبالتوافق مع الفصائل، وبقي رئيس لجنة الانتخابات كما هو، حنا ناصر. وبذلك يكون الفلسطينيون قد خطوا خطوة جدية نحو بدء التحضير لهذه الانتخابات - كما تم التأكيد على أن تمارس هذه اللجنة مهامها بما في ذلك البدء بإعداد السجل الانتخابي وتجهيز مقارها بقطاع غزة.

وكانت فتح وحماس، قد اتفقتا على أن تجرى الانتخابات في موعدها المتفق عليه في السابق، أي في مايو (أيار) من العام المقبل.

لكن البعض يعتقد أن الوقت المتبقي غير كاف لتهيئة الظروف للانتخابات في شقي الوطن.

وتنص الورقة المصرية على أن تجرى انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني على أساس التمثيل النسبي الكامل في الوطن والخارج حيثما أمكن، بينما تجرى الانتخابات التشريعية على أساس النظام المختلط، وهو أن تتم الانتخابات التشريعية بالنظام المختلط على النحو التالي (75 في المائة) قوائم و(25 في المائة) دوائر، ونسبة الحسم 2 في المائة. وتجرى الانتخابات تحت إشراف عربي ودولي، مع إمكانية اتخاذ كافة التدابير لضمان إجرائها في ظروف متكافئة ومواتية للجميع، وفي جو من الحرية والنزاهة والشفافية في الضفة الغربية والقطاع.

ثالثا: المصالحة المجتمعية - تم الاتفاق على تشكيل لجنة المصالحة المجتمعية، على أن تقوم اللجنة بعقد أول اجتماع لها بقطاع غزة يوم (27 - 12 - 2011) لانتخاب رئيس ونائب له وأمين صندوق.

وسيكون من مهمة هذه اللجنة، معالجة مسائل متعلقة بمنع جوازات السفر، وسفر المواطنين، والأمان الوظيفي، وقضايا أخرى.

ويمكن القول إن أكثر ما تخشاه فتح وحماس هو أعمال الثأر العائلية، ويكفي الالتقاء بعناصر من فتح فقدت أطرافها أثناء الاقتتال، أو عائلات قتلى من الحركة، أو عناصر من حماس أصيبوا في الاقتتال أو عائلات قتلاهم، للتأكد من أن الحقد بلغ أقصاه، ويعرف هؤلاء أسماء من قتل أبناءهم واحدا واحدا.

وتريد فتح وحماس طي هذا الملف، وثمة اقتراحات بدفع دية إسلامية لعائلات الذين قتلوا في الاقتتال. وتشير الورقة المصرية للمصالحة إلى ترتيبات خاصة ومفصلة بشأن الآثار المترتبة على الانقسام ورأب الصدع وتعويض المتضررين، وتتضمن صندوقا يمول عربيا لمعالجة آثار الانقسام وتبعاته.

رابعا: الحكومة - اتفقت الفصائل على أن يتم تشكيل الحكومة قبل نهاية يناير (كانون الثاني) المقبل، وذلك بعد التشاور مع جميع الفصائل، وحسب الإجراءات المتفق عليها. لكن هذه المسألة إحدى أهم العقد التي طالما شكلت عقبة رئيسية، حتى إن حسمها تأجل مرة تلو المرة.

وفي الوقت الذي يريد ويتمنى فيه أبو مازن الاحتفاظ بسلام فياض، رئيس الحكومة الحالية في رام الله، رئيسا لحكومة التوافق، ترفضه حماس بشدة وبشكل قطعي.

وحتى الآن لم يعط أبو مازن ضوءا أخضر لاستبدال فياض الذي يرى فيه غطاء مهما للمصالحة، وما يترتب عليها من حكومة. فمن جهة لن يطلب العالم برنامجا سياسيا لحكومة يقودها فياض الذي يعرفونه جديا ويعرفهم، كما أن قطع الأموال عن الحكومة يصبح أقل إمكانية. ويريد أبو مازن أيضا تجنب اتهام الحكومة الجديدة بالتبعية لحماس، وكذلك تعمق الأزمة المالية الموجودة حاليا.

ونظريا يبدو استمرار فياض خيارا واقعيا، غير أن فياض نفسه يواجه مشكلة كبيرة في هذا الأمر، فالعلاقة بين حماس وفياض عدائية إلى حد كبير، وكذلك يمكن القول: إن علاقته بفتح متوترة أغلب الوقت، وقد زادت الفجوة بينه وبين فتح، بعد اتخاذه خطا آخر غير مؤيد لخطوة الذهاب إلى مجلس الأمن.

ويجري العمل الآن على اختيار شخص آخر لديه هذا القبول الدولي الموجود عند فياض. وأكدت مصادر عليمة لـ«الشرق الأوسط»، أن أبو مازن لديه خيارات أخرى فعلا، لكنه لم يفصح عنها.

خامسا: قضايا الحريات العامة وبناء الثقة - التوافق على تشكيل لجنتين بالضفة وقطاع غزة، لمتابعة قضايا الحريات العامة وبناء الثقة (المعتقلون – منع السفر – المؤسسات – جوازات السفر – ضمان حرية العمل السياسي دون قيود)، على أن تعمل هاتان اللجنتان تحت إشراف مصري كامل لمعالجة هذه القضايا قبل نهاية يناير 2012، وبحيث تعقدان أول اجتماع لهما بالضفة والقطاع اليوم (24 ديسمبر الحالي. ويرتبط هذا الملف بشكل أساسي بوقف الاعتقالات السياسية.

وفي كل لقاء يعقد بين فتح وحماس، يعلن الطرفان انتهاء موضوع الاعتقال، والإفراج عن المعتقلين خلال أيام، بينما في حقيقة الأمر تتسمر الأجهزة الأمنية باستدعاء المزيد من عناصر الحركتين في غزة والضفة. ويبدو هذا الأمر مقلقا لحماس في الضفة الغربية بشكل خاص أكثر من غيرها.

وسيكون هذا الأمر على المحك خلال أسبوع واحد.

سادسا: المجلس التشريعي - تعقد الكتل البرلمانية بالمجلس التشريعي اجتماعا تشاوريا بالقاهرة في الأول من يناير المقبل تعقبه اجتماعات تشاورية أخرى بالضفة الغربية وقطاع غزة للتباحث ودراسة سبل استئناف عمل المجلس التشريعي، على أن ترفع الكتل نتائج لقاءاتها، وتوصياتها لرئيس السلطة وتطلب من الرئيس إصدار مرسوم في الأسبوع الأول من فبراير (شباط) المقبل، لدعوة المجلس التشريعي للانعقاد، لإقرار القضايا المتوافق عليها بين كافة الأطراف.

وسيكون أمام المجلس التشريعي مهمات صعبة، تتعلق بالمراسم الرئاسية والحكومية السابقة واللاحقة. وسيطلب منه العودة إلى ملء الفراغ الذي تركه في الحياة الدستورية الفلسطينية، وثمة خلافات واضحة بين الطرفين حول الصلاحيات والقوانين والعلاقة بين السلطات الثلاث.

سابعا: الأجهزة الأمنية اتفقت حماس وفتح على ترك الموضوع للحكومة الجديدة، على أن تبدأ جهود إعادة بناء وهيكلة الأجهزة الأمنية فور تشكيل الحكومة، وبرعاية مصرية ودعم جامعة الدول العربية. ويعتبر هذا الملف أحد أكثر الملفات الشائكة على الإطلاق، إن لم يكن أكثرها صعوبة. والسؤال، هو كيف يمكن لكل من فتح في الضفة وحماس في غزة، التنازل عن قبضتهما المطلقة على الواقع الأمني.

وتبدو الشراكة الأمنية شبه مستحيلة في المدى القريب أو حتى المتوسط، فقد عززت كل من فتح وحماس من قبضتهما الأمنية في الضفة وغزة، ووظفتا عشرات آلاف الرجال الجدد وحاربتا الآخر بضراوة وقسوة.

والأهم من ذلك أن حماس تشترط من أجل أي ترتيبات أمنية، التبادل والتزامن، أي العمل على ترتيب الأوضاع في غزة والضفة معا، بمعنى أن عودة قوات السلطة إلى غزة تتطلب دمج حماس في الأجهزة الأمنية في الضفة، وتلك المسألة هي في حقيقة الأمر أكثر تعقيدا وأكبر مما تتمناه حماس وفتح حتى.

فالأجهزة الأمنية في الضفة، تتلقى معونة رئيسية من الولايات المتحدة وتدريبات كذلك، وتضطرها الاتفاقات الموقعة إلى التنسيق الأمني الكامل مع إسرائيل التي ما زالت تحتل الضفة، وتعطي عمليا الضوء الأخضر لعمل هذه الأجهزة، وبأي حال فإنها لن تسمح لحماس بالدخول إلى هذا المربع «الأمني» في منطقة متداخلة تماما ومفتوحة مع إسرائيل.

وأغلب الظن أن المتصالحين سيحاولان أولا الاتفاق على قانون الخدمة في الأجهزة الأمنية، وقد يعملان بشكل مشترك، في أجهزة مثل الشرطة والدفاع المدني وحرس الرئيس على المعابر، بعيدا عن الأمن الوطني والمخابرات والوقائي. وثمة اقتراحات الآن بإبقاء الوضع الأمني كما هو عليه، مع تنسيق شكلي بين الأجهزة في غزة والضفة.

إذن، الفصائل أمام طريق طويل، والقصة بدأت الآن فقط، وعلى فتح وحماس كتابة النهاية.