شخصيات أشعلت الربيع العربي

برهان غليون
TT

برهان غليون.. بروفسور يصارع الأسد

* القاهرة - مي مجدي*: على مدار 9 أشهر من الثورة السورية، ظهرت الكثير من الكيانات والشخصيات المعارضة للنظام السوري، ومن بينهم جميعا يبقى برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري الذي أعلن عن تأسيسه في العاصمة التركية أنقرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2011 رقما مهما في المعارضة السورية. فغليون، أستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون بالعاصمة الفرنسية باريس، يتميز بكونه معارضا شرسا للنظام السوري منذ أكثر من 30 عاما.

ويعد برهان غليون من الكتاب العلمانيين المعروفين بغزارة إنتاجهم الفكري، فقد اشتهر بالكثير من مؤلفاته سواء باللغة العربية والفرنسية يأتي على رأسها «بيان من أجل الديمقراطية»، و«المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات»، و«مجتمع النخبة»، و«اغتيال العقل»، و«نظام الطائفية»، و«من الدولة إلى القبيلة»، و«الاختيار الديمقراطي في سوريا»، إضافة إلى العشرات من المؤلفات الجماعية ومن الدراسات والتحليلات السياسية والاجتماعية المنشورة في المجلات العلمية والصحافة اليومية.

ولد برهان غليون لأسرة متوسطة الحال في مدينة حمص السورية سنة 1945، وقضى بها فترة طفولته وشبابه حيث تلقى تعليمه الأساسي، ثم انتقل بعد ذلك إلى دمشق حيث التحق بجامعة دمشق لدراسة علم الاجتماع وحصل على درجة الليسانس بتفوق، وهو ما دفعه إلى استكمال دراساته العليا في فرنسا حيث حصل على الدكتوراه في علم الاجتماع السياسي سنة 1974، بعدها عين أستاذا لعلم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر، وذلك في الفترة من 1975 وحتى 1978 ثم حصل على درجة الدكتوراه في مجال الفلسفة والعلوم الإنسانية من جامعة السوربون عام 1982، وفي عام 1990 تم تعيينه أستاذا لعلم الاجتماع في جامعة السوربون ثم عين عام 1994 أستاذا للحضارة والمجتمع العربي بنفس الجامعة ثم رئيسا منتخبا بقسم الدراسات الشرقية المعاصرة في العام نفسه وحتى الآن، وهو أيضا مدير أبحاث بمنتدى العالم الثالث، وعضو في الجمعية الدولية لعلم الاجتماع، وعضو الرابطة الفرنسية للدراسات العربية، وهيئة تحرير مجلة «الشعوب المتوسطة» بباريس، علاوة على عضويته لمجلة «روافد متوسطية» بباريس، وأيضا هو عضو في هيئة تحرير الدراسات الشرقية بباريس. ولغليون تاريخ سياسي كبير في معارضة النظام السوري، حيث بدأ الصراع السياسي لغليون مع النظام السوري عام 1975 عندما وقع رفقة مجموعة من المثقفين السوريين على بيان يدين دخول الجيش السوري إلى لبنان وضربه لمنظمة التحرير الفلسطينية، مما كلفه الكثير من المضايقات الأمنية وقتها، لينتقل إلى باريس، حيث تابع أنشطته المعارضة للنظام السوري سواء لحافظ الأسد، أو لخليفته بشار الأسد. ومنذ اندلاع الثورة السورية في 15 مارس (آذار) الماضي، أصبح اسم برهان غليون الأكثر تداولا في أوساط الشباب السوري المنتفض، حيث ألهم ظهوره المتكرر على الكثير من الفضائيات وتوجيهه انتقادات لاذعة لممارسات النظام السوري الكثير من الشباب السوري، خاصة بعد أن أصدر هو ومجموعة كبيرة من الكتاب والأدباء والفنانين السوريين بيانا لاذعا في أبريل (نيسان) 2011، محملا السلطات السورية السياسية والعسكرية والأمنية المسؤولية الكاملة أمام الشعب والتاريخ لنتائج القمع الشديد لاحتجاجات الشعب السوري. وتميز أسلوب غليون المعارض عبر مقالاته وتعليقاته وبياناته التي تنشر على موقعه الخاص على الإنترنت أو من خلال صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» بالبعد عن لغة الشتائم والابتذال، وبمنطق عقلاني لا يستخدم التحريض أو التجييش ضد أحد، ما جعله مرشحا من قبل شباب الثورة لرئاسة المجلس الوطني الانتقالي.

* عمار القربي.. طبيب الأسنان المدافع عن حقوق الإنسان السوري

* القاهرة - مي مجدي*: بينما يخشى كثيرون مخاطر الذهاب إلى طبيب الأسنان، فإن طبيب الأسنان، عمار القربي، اختار طواعية أن يذهب إلى المجال الأكثر خطورة في سوريا، مجال حقوق الإنسان، ليصبح طبيب الأسنان أحد أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في سوريا. ولد عمار القربي في أغسطس (آب) 1975 في الجزائر من أب وأم سوريين، ثم عاد لسوريا حيث درس طب الأسنان في جامعة حلب، لكنه الآن ناشط حقوقي بارز حيث يرأس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سوريا، ومع قيام الثورة السورية أصبح رئيس المكتب التنفيذي للمؤتمر السوري للتغيير (أنطاليا).

ورغم تخرجه في كلية طب الأسنان، فإن اهتمامه بمجال حقوق الإنسان جعله ينتقل للعمل بهذا المجال رغم وجود تضييق أمني كبير بالنشطاء الحقوقيين في سوريا، بالإضافة لعدم وجود إطار قانوني ينظم قيام مؤسسات المجتمع المدني أساسا، وتقلد القربي الكثير من المناصب ذات الصلة بمجال حقوق الإنسان، حيث ترأس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سوريا، كما عمل مع اللجنة السورية لحقوق الإنسان، واللجنة العربية لحقوق الإنسان، ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان وكان عضوا مؤسسا والناطق الرسمي للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في سوريا منذ عام 2004 حتى عام 2006، وفي عام 2009 تم اختياره عضوا في اللجنة العربية لتقصي الحقائق في غزة بعد العدوان الإسرائيلي الغاشم عليها في أوائل 2009. وللقربي الكثير من المقالات الخاصة بقضايا حقوق الإنسان خاصة تلك المتعلقة بالعالم العربي، وخاصة سوريا، حيث دأب على لفت الانتباه إلى انتهاكات حقوق الإنسان في الجمهورية العربية السورية، ما عرضه لمضايقات أمنية كثيرة. وفي عام 2003، عاقبت محكمة أمن الدولة السورية القربي بالسجن لثلاثة أشهر بتهمة تأسيس وقيادة لجنة المعلومات لدعم 14 سجينا سياسيا من المحاكمين عسكريا، لكنه لم يكمل المدة حيث خرج بعفو رئاسي، وفي أوائل مارس (آذار) 2006، منع القربي من السفر بعد أن صدرت ضده مذكرة من إدارة أمن الدولة، بعدها بأيام قليلة اعتقل لأربعة أيام في حبس انفرادي، وذلك على خلفية مشاركته في مؤتمرين لحقوق الإنسان والإصلاحات الديمقراطية في سوريا، عقدا في باريس وواشنطن. كما منع مجددا من السفر عام 2007 قبيل توجهه إلى الأردن للمشاركة في ندوة بعنوان «دور منظمات المجتمع المدني في الإصلاح السياسي في العالم العربي». ومنذ اندلاع الثورة السورية في 15 مارس الماضي، أصبح اسم عمار القربي من الأسماء المتداولة بشدة بين أوساط الشباب السوري على خلفية ظهوره المستمر في الفضائيات ووسائل الإعلام العربية كناشط حقوقي يعطي معلومات دقيقة حول ما يدور على الأرض في سوريا، وذلك رغم انتقاله للإقامة في القاهرة. وخلال تسعة أشهر، كشف القربي عن الكثير من الأوضاع الإنسانية في سوريا وانتهاكات السلطات السورية في حق الشعب السوري، وقمع المظاهرات السلمية بجميع الوسائل الوحشية. وعمل القربي من خلال المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سوريا على التحقق من الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والاحتجاز غير القانوني، وتوثيق التقارير عنها، بالإضافة إلى توثيق وتوصيف أساليب التعذيب وإساءة معاملة السجناء.

وفي يونيو (حزيران) شارك القربي بصفة مراقب في مؤتمر أنطاليا للمعارضة السورية، الذي دعا بيانه الختامي الرئيس بشار الأسد إلى التخلي الفوري عن السلطة، ثم أضحى رئيس المكتب التنفيذي للمؤتمر، وشارك القربي في عدة مؤتمرات أخرى لدعم الثورة السورية، كما قام بزيارات خارجية لإقناع مسؤولين دوليين بتأييد الثورة السورية والتوقف عن دعم نظام الأسد، لعل أشهرها زيارته لموسكو في سبتمبر (أيلول) الماضي.

* راشد الغنوشي.. شيخ المعارضين الإسلاميين في تونس يعود زعيما للأغلبية

* القاهرة - زينب إسماعيل*: «أعود اليوم إلى بلادي وكذلك إلى العالم العربي»، تلك كانت أولى عبارات راشد الغنوشي، المفكر الإسلامي وزعيم حركة النهضة التونسية، الذي عاد إلى تونس في 30 يناير (كانون الثاني) إثر نجاح ثورة الياسمين التونسية بعد أن قضى 22 عاما في منفاه في لندن.

ولد الشيخ راشد الغنوشي عام 1941 في قرية حامة بتونس حيث تلقى تعليمه الابتدائي بالقرية، ثم انتقل إلى تونس العاصمة، حيث أتم تعليمه الثانوي في جامع الزيتونة، لينتقل بعدها إلى مصر في أكتوبر (تشرين الأول) 1964 لمواصلة دراسته، وكان يومئذ من المعجبين بالناصرية، لكنه لم يستقر بالقاهرة طويلا بسبب مضايقات السفارة التونسية، لينتقل إلى دمشق، حيث حصل على الإجازة في الفلسفة عام 1968، وهناك بدأت تتبلور المعالم الأولى لفكره الإسلامي وارتباطه بالتيار الإسلامي فكرا ومصيرا مجردا من أي صيغة تنظيمية متأثر بأعلام جماعة الإخوان المسلمين مثل سيد قطب. انتقل الغنوشي إلى فرنسا لمواصلة الدراسة بجامعة السوربون، حيث بدأ نشاطه الإسلامي وسط الطلبة العرب، كما تعرف على تجربة جماعة التبليغ وانخرط فيها للدعوة وسط العمال المغاربة والباكستانيين. وفي نهاية عام 1969، عاد الغنوشي إلى وطنه حاملا مشروعا إسلاميا للإصلاح، والتحق بكلية الشريعة في تونس ليحصل على شهادة التأهيل للبحث من خلال رسالة حول «القدر عند ابن تيمية»، ثم حال الاضطهاد دون مناقشة أطروحته حول «الحريات العامة في الدولة الإسلامية». وفيما كانت حركة «البورقيبية والتغريب» ذات صدى كبير في الشارع التونسي، قرر الغنوشي بالتعاون مع عبد الفتاح مورو إنشاء الحركة الإسلامية عام 1979 على غرار حركة الإخوان المسلمين ليطلقوا عليها اسم «الجماعة الإسلامية»، ما عرضه عام 1981 لحكم بالسجن 11 عاما قضى منها 4 قبل العفو عنه، ثم اعتقل عام 1987، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، إلا أنه أفرج عنه بعد عام ونصف إثر الانقلاب على بورقيبة.

وفي عام 1988، أعيد تشكيل الحركة في صيغة جديدة تحت اسم «حركة النهضة» في مسعى للتوافق مع قانون يحظر تأسيس الأحزاب على أساس ديني، إلا أنه تم رفض اعتمادها مرة أخرى.

وأدى فوز حركة النهضة بانتخابات عام 1989 إلى تزييف النتائج على نطاق واسع، وتشديد الخناق على الغنوشي ما جعله يغادر تونس عام 1989 إلى الجزائر، ثم إلى بريطانيا حيث أقام كلاجئ سياسي منذ عام 1991، ورغم ذلك حكم عليه غيابيا مرتين بالسجن مدى الحياة عامي 1991 و1998 بتهمة تهديد سلامة البلاد. وبعد اندلاع الثورة التونسية وسقوط نظام بن علي في 14 يناير عاد الغنوشي لتونس، بعد ما يزيد على العقدين في المنفى. وقد ركز في خطابه السياسي منذ عودته من المنفى على تقديم جماعته باعتبارها حزبا سياسيا معتدلا شبيها بحزب العدالة والتنمية في تركيا. وأكد الغنوشي مرارا أن حزبه لن يمس مكتسبات المرأة التونسية ووضعها منذ إقرار مجلة «الأحول الشخصية» قبل 55 عاما التي منحت المساواة للمرأة في الحقوق والواجبات. وفيما يراه خصومه إرهابيا متشددا، يدافع الغنوشي عن نفسه قائلا «لست مثل الخميني، وحزبي إسلامي ديمقراطي». وفي أكتوبر الماضي، حصد حزب النهضة 90 مقعدا من أصل 217 مقعدا في انتخابات المجلس التأسيسي، بنسبة تعدت الأربعين في المائة، لتكون له بذلك الكلمة العليا في تحديد سياسة البلاد.

* المنصف المرزوقي.. المعارض المنفي الذي عاد رئيسا لتونس

* القاهرة - زينب إسماعيل*: قبل عام لم يكن محمد المنصف المرزوقي سوى معارض تونسي منفي خارج البلاد، لكن نسائم الربيع العربي التي هبت من بلاد قرطاج جعلت من بن علي الرئيس الطاغية منفيا ومن المرزوقي المعارض المنفي رئيسا ذلك بعد أن انتخبه المجلس التأسيسي التونسي في 12 ديسمبر (كانون الأول) كأول رئيس لتونس بعد ثورة الياسمين، بعد فوزه بـ153 صوتا من أصل 217، وسيشغل المرزوقي منصب رئيس الجمهورية التونسي لمدة عام إلى أن يوضع الدستور الجديد وتجرى انتخابات رئاسية جديدة.

ولد محمد المنصف المرزوقي في يوليو (تموز) 1945 في مدينة قرمبالية لعائلة سياسية بامتياز، فوالده محمد البدوي المرزوقي مناضل سياسي بارز في ثلاثينات القرن الماضي، فهو أول من كون خلية لحزب الدستور كما انخرط في المقاومة المسلحة ضد المستعمر الفرنسي. كما كانت والدته، عزيزة بن كريم، ذات حس وطني فريد، وقد أثرت في تكوين شخصيته بفضل ذكائها على الرغم من عدم تلقيها للتعليم المدرسي، ويقول عنها المرزوقي «لقد كان لها من اللين ما كان لوالدي من الشدة». وفي عام 1964، سافر المرزوقي لفرنسا حيث أقام لخمسة عشر عاما، ثم عاد إلى تونس عام 1979، رغم إلحاح أقربائه عليه للبقاء في فرنسا، حيث عمل أستاذا مساعدا في قسم الأعصاب في جامعة تونس. وشارك المرزوقي في تجربة الطب الشعبي الجماعي في تونس وحصل على عدة جوائز تقديرية في هذا المجال، كما أسس الشبكة الأفريقية لحقوق الطفل التي تضم 20 بلدا أفريقيا. وفي مارس (آذار) 1994، تم اعتقال المرزوقي بسبب تحديه للرئيس السابق بن علي في الانتخابات الرئاسية، لكن تم إطلاق سراحه بعد أربعة أشهر من الاعتقال على خلفية حملة دولية للإفراج عنه وتدخل شخصي من الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا. وخلال الفترة من 1994 إلى 1997 عانى المرزوقي من العزلة الكبيرة التي فرضها النظام التونسي عليه، فقد حُرم من العمل في الجامعة والبحث العلمي والمستشفيات، ما استفاد منه المرزوقي على الصعيد الفكري حيث تعددت كتاباته السياسية، فصدرت له عدة كتب مثل «الاستقلال الثاني»، و«الإنسان الحرام».

اللافت أن نضال المرزوقي السياسي لم يتوقف عند خروجه من السجن صيف 1994، ففي ديسمبر 1997، أسس مع ثلاثة من رفاقه المجلس الوطني للحريات، كما اختير أول رئيس للجنة العربية لحقوق الإنسان من عام 1997 حتى 2000، ما جعله عرضة لمضايقات أمنية شديدة منها محاولة اختطافه عام 1999.

وفي ديسمبر 2001، غادر المرزوقي تونس إلى المنفى في فرنسا ليعمل محاضرا في جامعة باريس، حيث واصل نضاله السياسي، ففي أكتوبر (تشرين الأول) 2006 دعا إلى اعتماد كافة أساليب المقاومة السلمية لفرض الحقوق واستعادة الحرية.

ومع نجاح ثورة الياسمين بهروب بن علي مساء الرابع عشر من يناير (كانون الثاني) الماضي، عاد المنصف المرزوقي إلى وطنه تونس في الثامن عشر من يناير ليشارك في الحياة السياسية من الباب الواسع عبر حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» الذي حاز المركز الثاني في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر الماضي، حاصدا 29 مقعدا خلف حركة النهضة الإسلامية. وتحصل المرزوقي على مقعد في الجمعية التأسيسية عن دائرة نابل2.

* وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»