ترتيب بيت الحكم السعودي.. انتقال سلس للسلطة من «الأصلح» إلى «البيعة»

الملك عبد الله يفعّل رسميا ولأول مرة نظام هيئة البيعة بتسمية الأمير نايف وليا للعهد * ملوك الدولة السعودية الحديثة اختاروا وليا للعهد مع وجود من هو أكبر منه سنا

خادم الحرمين الشريفين لدى دعوته لأعضاء هيئة البيعة لاختيار الأمير نايف بن عبد العزيز وليا للعهد
TT

لم تكن عملية الاختيار لولاية العهد في السعودية بعد رحيل الأمير سلطان بن عبد العزيز مفاجئة للمراقبين والمهتمين بالشأن السعودي، وقبل ذلك أفراد الأسرة الحاكمة وأبناء الشعب السعودي، انطلاقا من أن إشغال هذا المنصب لم يواجه أي إشكاليات أو اختلافات، ولم يسجل التاريخ أن هناك مأزقا سياسيا أو فراغا دستوريا واجه عملية الاختيار، عكس ما صوره قلة محدودة من المراقبين في الأيام التي سبقت اختيار الملك عبد الله لولي عهده، حيث غاب عنهم المشهد في «ترتيب بيت الحكم السعودي» من خلال أوضاع مماثلة أثبتت أن السعودية لم تواجه في تاريخها الحديث أي مشكلة في مسألة انتقال السلطة بين أفراد الأسرة الحاكمة.

وأعاد الملك عبد الله بن عبد العزيز، باختياره الأمير نايف بن عبد العزيز وليا للعهد خلفا للأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز، المضمون ذاته في مسألة اختيار ولاية العهد، الذي كان مطبقا بشكل عملي منذ بداية الدولة السعودية الحديثة (الثالثة)، فقد اختار الملك فيصل الأمير خالد وليا للعهد مع وجود من هو أكبر سنا منه، وهو الأمير محمد بن عبد العزيز، وفي الظرف ذاته جاء اختيار الملك خالد بعد توليه الحكم، عقب اغتيال الملك فيصل، للأمير فهد لولاية العهد، على الرغم من أنه يوجد اثنان من إخوانه، وهما الأميران ناصر وسعد ابنا الملك عبد العزيز، أكبر منه سنا، وعقب تولي الملك عبد الله بن عبد العزيز خلفا للملك فهد، اختار الأمير سلطان لولاية العهد مع وجود ثلاثة من أبناء الملك المؤسس أسن منه، وهم: الأمراء بندر ومساعد ومشعل، وعقب رحيل الأمير سلطان اختار الملك عبد الله بن عبد العزيز الأمير نايف لولاية العهد على الرغم من وجود ستة من أبناء الملك المؤسس أكبر منه سنا وهم: الأمراء عبد الرحمن ومتعب وطلال وبدر وتركي ونواف، وهو ما يعني أن عملية اختيار الأمير نايف بن عبد العزيز وليا للعهد تمت بسلاسة وفي الظروف الطبيعية ذاتها، انطلاقا من التوجه ذاته لدى الأسرة الحاكمة وفقا للنظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الوزراء ونظام هيئة البيعة، حيث أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز،، تسمية الأمير نايف بن عبد العزيز وليا للعهد في السعودية، خلفا للأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز، بعد انتهاء مراسم العزاء الرسمية المقامة له.

وصدر في هذا الخصوص أمر ملكي يقضي بتسمية الأمير نايف ولي عهد جديدا، ونائبا لرئيس مجلس الوزراء، مع احتفاظه بمنصب وزير الداخلية.

ووجه خادم الحرمين الشريفين الأمراء أعضاء هيئة البيعة بمبايعة الأمير نايف بن عبد العزيز ولي عهد جديدا للبلاد، حيث جاء تعيينه بعد الاطلاع على نظام الحكم ونظام مجلس الوزراء ونظام هيئة البيعة الذي فعله خادم الحرمين الشريفين.

وجاء في نص الأمر الملكي:«أمر ملكي.. الرقم أ - 224 وتاريخ 29 - 11 - 1432هـ، بعون الله تعالى نحن عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، بعد الاطلاع على النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم أ - 90 وتاريخ 27 - 8 - 1412هـ، وبعد الاطلاع على نظام مجلس الوزراء الصادر بالأمر الملكي رقم أ - 13 وتاريخ 3 - 3 - 1414هـ، وبعد الاطلاع على نظام هيئة البيعة الصادر بالأمر الملكي رقم أ - 135 في 26 - 9 - 1427هـ، وبناء على البند ثالثا من الأمر الملكي رقم أ - 135 في 26 - 9 - 1427هـ، وبعد أن أشعرنا سمو رئيس وأعضاء هيئة البيعة، فقد اخترنا صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وليا للعهد، وأمرنا بتعيين سموه نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للداخلية. عبد الله بن عبد العزيز آل سعود».

ووجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الأمراء بمبايعة الأمير نايف بن عبد العزيز وليا للعهد، وقد تلقى الأمير نايف مبايعة الأمراء سائلين الله عز وجل أن يوفقه، وأن يجعله خير معين لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وأن يحفظ للدولة أمنها واستقرارها ووحدتها الوطنية، كما تلقى الأمير نايف مبايعة أبناء الشعب السعودي في قصر الحكم وفي إمارات المناطق.

ويجب ألا يغيب عن البال أن ما يميز السعودية أنها تأسست منذ عشرات العقود على أسس شرعية لم تكن موجودة من قبل، ولم تقم على أنقاض دولة قائمة، ولم يكن السكان قبل ذلك تجمعهم دولة واحدة، وظهر كيان الدولة للوجود منذ اليوم الأول على الاتفاق التاريخي بين الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب والإمام محمد بن سعود، وكان هدفه نصرة دعوة التوحيد وتحكيم شرع الله، وتميزت بالولاية الشرعية وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ولم يكن للدستور حضور أو مكان في كيان الدولة، وكان القرآن الكريم والسنة دستورها الذي نظم حياة الدولة، وكان الحاكم يستمد سلطاته من الشريعة في أحكامها الأساسية وفي أحكامها التفصيلية، مثله في ذلك مثل أي حاكم لدولة ذات دستور وقوانين، وكان يستمد ولايته من مبايعة الشعب له ولم يكن «الحكم الثيوقراطي» هو السائد، لأن هذا النظام لا يتفق مع مفهوم الحكم في دولة يقوم حكمها على الشريعة الإسلامية كما هو حال السعودية منذ قيامها مرورا بأدوارها الثلاثة.

وشهدت السعودية خلال عقود نقلات في بنية ولايتها الشرعية وخصائص تكوينها، وصدرت عام 1926م في عهد الملك المؤسس التعليمات الأساسية للدولة السعودية الثالثة، وهذه التعليمات تتمثل في أنظمة وقوانين ولوائح تعرف باسم الدولة السعودية الحديثة، وشكلها ودستورها وتنظيماتها الإدارية، مما يعد أول نظام وضع لتنظيم الدولة: «المملكة دولة ملكية، شورية، إسلامية، مستقلة، إدارة الدولة بيد الملك، ومقيد بأحكام الشرع الإسلامي، وأحكام الدولة مطابقة لما ورد في كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح».

وقبل أكثر من عقدين صدر النظام الأساسي للحكم وتضمن تحديدا واضحا للمرجعية العليا للدولة، وجاء فيه: «المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة يديرها الإسلام، ودستورها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم». وهذا يعني أن «النظام الأساسي للحكم» ليس دستورا بالمعنى القانوني والسياسي المعاصر، بل هو نظام أو قانون محكوم بغيره وهو الكتاب والسنة.

ولعل الهدف من وضع هذا النظام تحديد سلطة رئيس الدولة وتصرفاته بحدود حقوق الإنسان الأساسية، وأحكام الحقوق المعلنة للقضاء على السلطة المطلقة، في حين نصت المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم الذي صدر في عهد الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، على أن: «يبايع (الأصلح) من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن وأبناء الأبناء، للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله»، ومع أن هذه المادة صدرت في عهد خامس ملوك الدولة السعودية الحديثة إلا أن مضمونها كان مطبقا بشكل عملي منذ الملوك السابقين له، ومنذ بداية الدولة السعودية الثالثة.

وجاء اختيار الأمير نايف بن عبد العزيز لولاية العهد انطلاقا من النظام الأساسي للحكم، ومن نظام هيئة البيعة، وقد فعل الملك عبد الله بن عبد العزيز ذلك لأول مرة بعد أكثر من خمس سنوات على إنشاء هيئة البيعة، التي تعد مبادرة من الملك عبد الله لمعالجة توارث الحكم وانتقال السلطة في إطار سلس ودستوري، وتعنى باختيار الملك وولي العهد، وتتكون من أبناء وأحفاد الملك المؤسس، معيدا بذلك آلية اختيار ولاية العهد الذي كان مطبقا بشكل عملي في تاريخ الدولة السعودية الحديثة، فقد استهل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي تسلم مقاليد السلطة في بلاده على أثر وفاة الملك فهد في الأول من أغسطس (آب) 2005، بعدد من المشاريع الإصلاحية، من بينها مبادرته بإنشاء هيئة عقد البيعة المعروفة اختصارا بـ«هيئة البيعة»، لتعالج موضوع توارث الحكم وانتقال السلطة، وقد استقبل الشعب السعودي بمختلف فئاته، ذلك الأمر استقبالا يعبر عن الفهم والارتياح، لما ينطوي عليه ذلك النظام من صيغة واضحة لآلية انتقال السلطة، ولما يدل عليه من أن المملكة دولة عصرية تستفيد من تجاربها واستيعاب المتغيرات السياسية، في إطار التواصل مع كل ما تم إنجازه، ليتواكب ذلك كله مع ما تعيشه البلاد من ازدهار في مختلف المجالات الاجتماعية والدستورية المتعلقة بمسؤولية التطبيق في إطار النظام الأساسي للحكم، وهي تعنى باختيار الملك وولي العهد السعودي. تتكون من أبناء وأحفاد الملك عبد العزيز آل سعود. أسست الهيئة في 28 رمضان 1427هـ الموافق 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2006، يرأس الهيئة الأمير مشعل بن عبد العزيز آل سعود، وأمينها العام خالد بن عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري.

وأسست الهيئة بأمر من الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، ونص أمر تأسيسها على أنها تتكون من أبناء الملك عبد العزيز أو أحفاده في بعض الحالات التي يحددها النظام، بالإضافة إلى اثنين يعينهما الملك؛ أحدهما من أبنائه، والآخر من أبناء ولي العهد، وتقوم عند وفاة الملك بالدعوة إلى مبايعة ولي العهد ملكا على البلاد. وحسب ما نص عليه نظام الهيئة، يقوم الملك بعد مبايعته وبعد التشاور مع أعضاء الهيئة باختيار من يراه مناسبا لولاية العهد، على أن يعرض بعد ذلك اختيار الملك على الهيئة لترشح واحدا منهم، وفي حالة عدم ترشيحها لأي منهم، فعلى الهيئة ترشيح من تراه مناسبا لولاية العهد، وفي حالة عدم موافقة الملك على ترشيح الهيئة، تقوم الهيئة بعملية تصويت بين من رشحته، والآخر يختاره الملك، وتتم بعد ذلك تسمية الحاصل على أكثر الأصوات وليا للعهد، وحدد نظام الهيئة بأن يتم اختيار ولي العهد في مدة لا تزيد على 30 يوما من تاريخ مبايعة الملك.