الأمين.. من الجامعة العربية إلى القصر الجمهوري

أحلام «موسى».. تنقذ «العربي».. وتقصي «الفقي»

عمرو موسى ونبيل العربي
TT

«ما الجامعة العربية إلا مرآة لواقع تعيشه 22 دولة عربية هي عدد أعضائها».. هكذا يصف المسؤولون في الجامعة حالها.. وشاءت الأقدار ألا تحدث تغيرات كبيرة في الوطن العربي دون أن يكون للجامعة نصيب منها. فتتزامن نهاية الولاية الثانية لأمينها العام عمرو موسى مع ثورات عربية عاصفة واضطرابات سياسية قاسية عاشتها المنطقة وما زالت تعيشها منذ بداية عام 2011 وحتى مطلع العام الجديد.

كان يمكن أن يمر الحدث مرور الكرام.. خبر قصير منشور في الصحف، إذا رغب الدبلوماسي المصري المخضرم عمرو موسى أن يستمر في موقعه، خاصة أن هذه الفرضية كانت تتلاقى مع رغبات معظم الدول العربية بالتجديد له لولاية ثالثة، ليس فقط لاعتبارات الكفاءة والحيوية التي تميز بها موسى خلال عشر سنين قضاها في هذه المؤسسة العريقة، بل لعاملين دقيقين في تاريخ العمل العربي المشترك. الأول، وهو صعوبة التوافق على شخصية بديلة لموسى تقود الجامعة بسبب رغبة عدد من الدول في تقديم مرشحيها للمنصب وإصرار مصر (دولة المقر) على الاحتفاظ به كما جرى العرف منذ إنشاء الجامعة عام 1945.

أما الثاني، فكان عامل التوقيت، فبينما كان يعول على الجامعة بحث الأزمات وكيفية التعامل مع الثورات المشتعلة في مصر واليمن وليبيا وسوريا.. وغيرها، كان أمينها العام يلملم أوراقه للرحيل، وسط اجتماعات مكثفة ومفاوضات ماراثونية لبحث اختيار أمين عام جديد وهل هو مصري أم من جنسية أخرى.

اختار موسى (75 عاما) أن يترك الجامعة العربية، مكتفيا بالسنوات العشر التي قضاها، طامحا في الترشح لرئاسة مصر.. وقال: «قضيت عشر سنوات وزيرا للخارجية ومثلها في الجامعة.. أرى أن ذلك كاف، وعليّ أن أعود لخدمة بلدي».

طموح موسى في الترشح للرئاسة لم يمكن وليد ثورة يناير المصرية، بل قبل عام على الثورة، حين بدأ موسى يلمح في أكثر من مناسبة أنه ينتوي الترشح لهذا المنصب، خاصة مع الحراك السياسي المتزايد في المجتمع المصري خلال تلك الفترة، وربما كان يعتقد حينذاك أنه سينافس الرئيس السابق حسني مبارك أو نجله جمال، المحبوسين حاليا على ذمة التحقيق في تهم فساد مالي وقتل المتظاهرين.

وجاءت الثورة المصرية بداية هذا العام المنصرم، لتفتح لموسى آفاقا جديدة للعودة بقوة إلى المشهد السياسي المصري.. زادت من إصراره على الترشح للرئاسة.. حنينه إلى استعادة شعبيته في الشارع المصري التي بلغت ذروتها إبان فترة عمله وزيرا للخارجية المصرية من عام 1991 إلى 2001، وجعلت المغني الشعبي شعبان عبد الرحيم يغني له حينذاك «بحب عمرو موسى الرجل الموزون»، طغى على الضغوط الكبيرة التي مورست عليه للبقاء في منصبه كأمين عام للجامعة.

يقول موسى إن «ترشحه لانتخابات الرئاسة نابع من تطلعه للعمل السياسي، وأن لديه القدرة على طرح وتنفيذ عدد من الأفكار الصالحة للمجتمع المصري». وأوضح في تصريحات سابقة: «قررت الترشح للرئاسة لأن الوضع قد تغير مع بداية 2010، حيث كان الطريق مغلقا بالدستور، وكان الحديث عن الترشح للرئاسة مجرد ديكور».

ويعتبر موسى أن «انهيار مصر بدأ خلال السنوات العشر الماضية، بعد أن تم وضع السياسة في أهل الثقة وليس أهل الخبرة، وكذلك إثارة موضوع التوريث في عام 2003، وهو ما صدم كل المصريين».

وقد تعهد حال انتخابه رئيسا للجمهورية، في يونيو (حزيران) 2012، وهو الموعد الذي حدده المجلس العسكري لبدء الإجراءات الانتخابات الرئاسية، أن تكون مهمته مؤقتة وأن يكتفي بفترة الرئاسة الأولى وهي أربع سنوات.

ومع هذا الإصرار، بدأت الجامعة العربية في البحث عن بديل، وطفت على السطح أزمة تثار بين الحين والآخر، وهي: هل تحتفظ مصر بموقع الأمين العام للجامعة رغم عدم نص الميثاق على ذلك؟.. وبدورها أدركت مصر ذلك مبكرا، وفي محاولة منها لسد الطريق على أي أفكار قد تراود دولا أخرى، قامت في البداية بترشيح السياسي المخضرم الدكتور مصطفى الفقي نائب رئيس البرلمان العربي السابق.

يقول الفقي إن كل الدول العربية لديها كوادر صالحة لتولي هذا المنصب، لكنها مسألة مواءمة بالنسبة لدولة المقر، والعرف جرى على ذلك. وأوضح في حوار سابق له في «الشرق الأوسط»، أن «المرشح المصري يفضل دائما بسبب التسهيلات التي يتمتع بها في دولة المقر (مصر)، فضلا عن أن الجامعة العربية هي منظمة إقليمية ذات طابع قومي عروبي، لا فارق بين العراقي والمغربي والتونسي، والتوزيع القُطري بهذه الطريقة يعادي فكرة الأمة الواحدة، وبالتالي لا يجب أن ينظر إلى الدول العربية كأقطار متجذرة. فضلا عن أن هناك عرفا جرى العمل به منذ إنشاء الجامعة، وهو الربط بين دولة المقر وجنسية الأمين العام، فحتى عندما انتقلت الجامعة لتونس في وقت الخلاف مع مصر بسبب معاهدة السلام مع إسرائيل، اختير التونسي الشاذلي القليبي أمينا عاما، وهو الأمر الذي أكد هذا العرف والالتزام به.

وتابع «خروج منصب الأمين العام عن مصر فيه شيء من عدم تقدير للظروف التي تمر بها مصر والثورة المتميزة التي حدثت فيها وتفاعلت معها كل الدول العربية».

لكن وجهة النظر هذه لم تقنع دولة مثل قطر، فقامت بترشيح الأمين العام السابق لدول مجلس التعاون الخليجي الدكتور عبد الرحمن العطية.. وهنا باتت الجامعة في مأزق.. هل يتم التصويت على اختيار الأمين العام؟

وبين اقتراحات بتأجيل الحسم أو اللجوء لخيار التصويت رغم المخاوف من تقسيم الدول العربية إلى فريقين، اجتمع وزراء الخارجية العرب في القاهرة في 15 مايو (أيار) الماضي، وقرروا في مفاجأة أذهلت الجميع اختيار وزير الخارجية المصري حينذاك الدكتور نبيل العربي لمنصب الأمين العام، بعد أن توافقت مصر وقطر على ترشيحه وسحب المرشح القطري.

وقيل حينها إن قطر اشترطت على مصر خلال اجتماع بين وزيري خارجية البلدين، سحب ترشيح الفقي مقابل تنازلها عن ترشح العطية، والابتعاد عن فكرة التصويت التي ترفضها غالبية الدول العربية، وأن هذه الدول تفضل التوافق على المرشح كما جرت العادة في كل المرات السابقة، وأن السبب الأساسي لاعتراض قطر على الفقي يرجع إلى شخصيته، باعتباره لم يكن وزيرا للخارجية من قبل، وبسبب مواقفه السياسية التي لا تلقى قبولا لديها ولدى بعض الدول العربية، بالإضافة إلى تحفظ السودان الرسمي.

الفقي الذي أقصي من الجامعة في اللحظة الأخيرة، قال آنذاك «ليس المهم أن آتي أمينا للجامعة، لكن المهم أن يشغل مصري هذا الموقع في ظل ظروف الثورة المصرية، وأنه شخصيا يريد أن يكون جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة»، وقال: «هذه هي رؤيتي دائما، لأننا كلنا زائلون، والأمة العربية هي الباقية».

واعتبر مراقبون أن أحلام وطموح موسى لرئاسة مصر وخروجه من الجامعة أنقذ العربي من مأزق وزارة الخارجية المصرية التي تولاها في لحظات حرجة من تاريخ مصر، لكنه أيضا منحه فرصة أخرى للبروز على سطح الدبلوماسية، باعتباره من الشخصيات التي تحظى بالتقدير ولما يتمتع به من خبرة دبلوماسية وقانونية عميقة ومتميزة، فرغم أنه لم يمض على توليه حقيبة الخارجية المصرية سوى أقل من ثلاثة أشهر، فإنه استطاع تحقيق نجاحات لافتة، أبرزها توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس برعاية مصرية.

وعندما تولى العربي المنصب أكد أن تطوير الجامعة ومستقبلها يتأسس أولا على حيوية وفعالية أعضائها، رغم اعترافه بصعوبة مهمته في ظل التركيبة المعقدة للأزمات التي تمر بها المنطقة حاليا.

وفي لحظة تاريخية، شهدها عام 2011، وتحديدا في 23 يونيو (حزيران)، ودع عمرو موسى أعضاء جامعة الدول العربية، في حفل حاشد شارك فيه جميع العاملين بالجامعة، تخللته دموع موظفين ودبلوماسيين من الفراق، ووجه موسى الشكر لأسرة الجامعة، وقال في كلمات قصيرة «كنت أخشى في بداية عملي بالجامعة من عدم استطاعتي حمل الأمانة.. لكننا استطعنا حملها معا».. وشدد على تأييده للثورات العربية قائلا «دور الجامعة تدعيم حركة التغيير في العالم العربي». وحينها لم يتمالك السفير أحمد بن حلي نائب الأمين العام للجامعة، دموعه التي انهمرت أثناء إلقائه كلمة شكر موجهة من الجامعة العربية لأمينها العام المنتهية مدته، وقال: «قاد موسى دفة العمل العربي بكفاءة عالية في وقت كان فيه العمل العربي يموج بالعواصف الهوجاء وسط أنواء تسونامية لا ترحم».

ويأمل موسى مع قدوم عام 2012 أن يحالفه التوفيق في طريقه إلى القصر الجمهوري المصري ليكون بديلا لرئيسه السابق حسني مبارك والذي جلس فيه 30 عاما.