«الربيع العربي» يقف على ضفاف الخليج بمواقف موحدة

اعتبرها العديد من المتابعين تعكس قوة التماسك في البيت الخليجي

TT

تشير تقارير غربية أصدرتها مجموعات استشارية، إلى أن الاضطرابات الشعبية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط المعروفة بـ«الربيع العربي»، كلفت المنطقة العربية أكثر من 65 مليار دولار. ويقول تقرير صادر عن مجموعة استشارات «جيوبوليسيتي» إن أكثر الدول العربية تضررا كانت مصر وسوريا وليبيا، في وقت حذر فيه التقرير من ازدياد ضرر تداعيات «الربيع العربي» إذا لم يتم توفير برنامج دعم إقليمي للدول المتضررة. في غضون ذلك، استفادت المنطقة إجمالا من «الربيع العربي» نتيجة ارتفاع أسعار النفط، الذي عاد بأكبر المكاسب على الدول المنتجة للنفط والتي لم يصل إليها «الربيع العربي». فيما وفر «الربيع العربي» حافزا اقتصاديا للإمارات العربية المتحدة ولدبي بالتحديد، حيث تضطلع دبي بدور مهم باعتبارها مركزا للأعمال يستقطب رجال الأعمال السوريين والمصريين الفارين من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في بلادهم. ويقدر تقرير أوردته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، حجم الخسائر الناتجة عن القلاقل في الناتج المحلي الإجمالي لكل من مصر وليبيا وتونس وسوريا والبحرين واليمن بمبلغ 20.56 مليار دولار، وفي النفقات المالية العامة لهذه الدول بمبلغ 35.28 مليار دولار. وأضاف التقرير أن إجمالي الإنفاق العام انخفض بصورة كبيرة متزامنا مع تراجع في الإيرادات بنسب وصلت إلى 77 في المائة باليمن و84 في المائة بليبيا.

في المقابل، زادت عائدات الدول النفطية خاصة الإمارات والسعودية والكويت، حيث ارتفعت عائدات الميزانية العامة للإمارات بنسبة 31 في المائة، فيما زادت عائدات السعودية بنسبة 25 في المائة.

وفي ذات السياق، ذكرت منظمة العمل الدولية أن تفاقم مشكلة البطالة في الوطن العربي كان من بين العوامل التي أشعلت شرارة الثورات الشعبية، وأوضحت المنظمة أن معدل البطالة بين الشباب العربي بلغ أكثر بقليل من 23 في المائة عام 2010.

وتشير منظمة العمل الدولية إلى أن هذه النسبة ترتفع بأوساط النساء إلى أكثر من 30 في المائة، وأن مشاركتهن بسوق العمل العربية هي الأضعف على مستوى العالم، مشيرة إلى أن سوق العمل العربية ضعيفة، ولا تحظى إلا بعدد محدود للغاية من فرص التشغيل، مما يفاقم هذه المشكلة ضعف معدلات النموالاقتصادي والخلل الذي يعانيه المناخ العام للاستثمار بالمنطقة العربية. ولكن ما هو السر في تجنب دول منطقة الخليج العربي لتلك الثورات، وما هي مواقف تلك الدول من تلك الثورات العربية التي اجتاحت المنطقة العربية منذ مطلع عام 2011.

بحسب عدد من الدراسات التي تناولت «الربيع العربي» وظروفه وأسبابه، كان هناك تطرق حول أسباب عدم هبوب رياح «الربيع العربي» على منطقة الخليج العربي، مرجعة ذلك الأمر لأسباب كثيرة من أهمها أن الأنظمة الحاكمة في الخليج قامت منذ البدء على إجماع الشعوب الخليجية على أسرة الحكم في قيادة دفة الدولة وإدارة شؤونها الداخلية والخارجية بالتراضي والتزكية.

كما كان لتكاتف وتكامل دول الخليج مع بعضها البعض على المستوى السياسي والاقتصادي أثره البارز في إخماد العديد من الأيادي الخارجية للتدخل في شؤونها المحلية.

وتتسم الأنظمة الخليجية مع بعضها البعض بالتكامل على المستوى الاجتماعي أيضا، وهذا يوفر لها بيئة آمنة تجعلها بعيدة عن «الربيع العربي» لأن ما يجمع بين الأنظمة الحاكمة في الخليج شبكة علاقات اجتماعية متشعبة. إضافة إلى قدرة الأنظمة الحاكمة في الخليج على مواجهة التحديات الإقليمية والمحلية التي شهدتها المنطقة كحرب الخليج الأولى وما تلاها من حروب والغزوالعراقي لدولة الكويت.

فيما تتمتع الأنظمة الحاكمة الخليجية بقدر عال من الشرعية الدولية، عطفا على أدوارها الإيجابية التي قامت بها في منطقة الشرق الأوسط، خلال الأحداث المهمة التي مرت بها المنطقة العربية منذ الستينات وحتى اليوم.

بينما شكل إحلال العديد من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية وتعزيز الحريات، في العديد من دول منطقة الخليج، إحدى الركائز المؤدية إلى تمسك المجتمعات الخليجية بأنظمتها الحاكمة. ولا يخفى لما للعادات والتقاليد العربية في منطقة الخليج من دور مهم في تشكيل الوعي السياسي لدى الفرد الخليجي، لتجعله ملتفا حول قيادته ونظامه لأنهما يحملان نفس العادات والتقاليد وربما نفس اسم القبيلة. لهذه الأسباب ولأسباب أخرى كثيرة لم يستطع «الربيع العربي» الوصول إلى منطقة الخليج العربي، إلا أن ذلك لم يمنع من تأثر منطقة الخليج ببوادر أولية لرياح «الربيع العربي»، مما جعل العديد من قيادات دول الخليج تسارع في تقديم جملة من الإصلاحات على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كإجراء وقائي واستباقي لتلك الرياح.

وذلك هوما جرى في قطر، التي من المقرر أن تشهد بعد عام ونصف العام انتخابات برلمانية، كما أن بعض المراقبين يشيرون إلى أن السعودية استجابت لرياح التغيير، حيث حصلت المرأة السعودية لأول مرة، وفي خطوة وصفت بالتاريخية، على أحد أهم حقوقها السياسية، وهوالحق في التصويت والترشح للانتخابات البلدية وعضوية مجلس الشورى في دورته المقبلة.

وفي ذات الإطار تحققت بعض الخطوات الإصلاحية، التي اتخذتها السعودية في مارس (آذار) 2011، لتنفيذ حزمة من البرامج التشغيلية والتطويرية في شتى المجالات الخدمية والاجتماعية، حيث تصدرتها مراسيم ملكية قضت في حينها بتخصيص 130 مليار دولار، بالإضافة إلى حزمة من الإجراءات تشمل مكافحة الفساد، وتوفير آلاف الوظائف، وبناء نصف مليون وحدة سكنية للعاطلين والموظفين والطلاب.

في أواخر عام 2010 ومطلع 2011 اندلعت موجة عارمة من الثورات والاحتجاجات في مختلف أنحاء الوطن العربي بدأت بمحمد البوعزيزي والثورة التونسية التي أطلقت وتيرة الشرارة في كثير من الأقطار العربية، وعرفت تلك الفترة بـ«ربيع الثورات العربية».

وبحسب تقديرات لمتابعين ومحللين سياسيين كانت من أسباب هذه الاحتجاجات المفاجئة انتشار الفساد والركود الاقتصادي وسوء الأحوال المعيشية، إضافة إلى التضييق السياسي وسوء الأوضاع عموما في البلاد العربية.

وقد أدى إلى انتشار هذه الاحتجاجات بسرعة كبيرة في أغلب البلدان العربية، تشابه الأوضاع الداخلية في كثير منها، وقد أدت تلك الاحتجاجات والثورات الشعبية إلى نشوب معارك بين قوات الأمن والمتظاهرين ووصلت في بعض الأحيان إلى وقوع قتلى من المواطنين ورجال الأمن.

فيما تميزت هذه الثورات بظهور هتاف عربي أصبح شهيرا في كل الدول العربية وهو: «الشعب يريد إسقاط النظام».

من جانب آخر، كان موقف دول الخليج من مجمل الثورات العربية شبه موحد، حيث جاء على خلفية تماسك دول المجلس في مواجهة المؤثرات الخارجية، وإن كان لكل دولة من دول الخليج بعض المواقف الخاصة في قراءات المشهد السياسي بما يتفق ومصالحها الخارجية، وموازين القوى الدولية. حيث نجد أن قطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة لم تتأخر كثيرا في التفاعل مع ثورة ليبيا ضد نظام العقيد معمر القذافي، فقد بلورت هذه الدول موقفا واضحا. وقد صوتت هذه الدول في الجامعة العربية لصالح فرض حظر جوي فوق ليبيا، كما ساهمت بعضها بشكل أوبآخر في «عملية أوديسا» العسكرية ضد نظام القذافي.

لكن في المقابل وقفت هذه الدول ضد الحركة الاحتجاجية في البحرين، والتي اتهمت إيران بتحريكها، فيما اعتبرها عدد من المحللين والمتابعين السياسيين غباء سياسيا كبيرا من قبل الساسة الإيرانيين في تدخلهم في الشأن البحريني، فقد أساء هذا التدخل كثيرا لشيعة البحرين.

وتأتي مساهمة دول الخليج في أحداث البحرين، لكون دولة البحرين عضوا بالمجلس وهي كذلك من الدول المؤسسة له، يضاف إلى ذلك أن بين هذه الدول من الاتفاقيات ما يجعل لكل الدول حق التدخل في أي شأن يهدد أمن واستقرار تلك البلدان. وقبل البحرين، عندما حدث الغزوالعراقي للكويت، وقفت دول مجلس التعاون كلها إلى جانب الكويت في مواجهة هذا الغزو. موقف السعودية من أحداث البحرين أمر مبدئي وواضح، فأمن البحرين مرتبط ارتباطا مباشرا بأمن دول منطقة الخليج العربي.

أما بالنسبة للوضع في اليمن فيوصف موقف دول الخليج بأنه «يقف في المنتصف»، وإن كان العديد من أطراف النزاع اليمني يسعون لوصف ذلك الموقف بأنه يميل أكثر لصالح النظام اليمني.

ويعتبر الوضع في اليمن بطبيعته حساسا بالنسبة لدل المنطقة وبالأخص للسعودية، نظرا لوجود مشاكل تاريخية بين البلدين، حدودية وغيرها، لذلك فإن السعودية حرصت على دور سياسي في أحداث اليمن يكون في إطار دور الوسيط، لا سيما أن للرياض علاقات جيدة مع القبائل اليمنية، وتلك العلاقة هي ما كانت تصب في مصلحة اليمن من خلال محاولة إنقاذه من الحرب الأهلية. وتلك ما سعت إليه المبادرة الخليجية، فهي مشروع اتفاقية سياسية أعلنتها دول الخليج لإخراج اليمن من مغبة الوصول إلى انفجار الوضع هناك وحدوث حرب أهلية داخل البلد نتيجة تمسك الرئيس اليمني على عبد الله صالح بالسلطة ورفضه التنحي عن الحكم بعد خروج أعداد كبيرة من اليمنيين من مختلف الشرائح الاجتماعية إلى الشوارع للمطالبة بتنحيه عن الحكم في ثورة عرفت منذ البداية بالثورة الشبابية، ثم أضيفت إليها الشعبية بعد انضمام القبائل والشرائح الاجتماعية والمهنية والعمالية والعسكرية إليها.

وقامت دول الخليج في الثالث من أبريل (نيسان) 2011 بمبادرة خليجية تتضمن تنحي على صالح وفقا لآلية معينة وضعتها دول الخليج، ويرجع المتابعون للشأن السياسي في المنطقة أن تخوف دول الخليج من انفجار الوضع في اليمن يعود إلى تخوفها من حدوث حرب أهلية ستجدها «القاعدة» هناك كما وجدتها في السابق في أفغانستان، فرصة مناسبة.

من جانب آخر، كان للثورة التونسية الشعبية التي أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن على أثر كبير في إطلاق شرارة الغضب الشعبي في مصر، في يوم 25 يناير (كانون الثاني) 2011، وهواليوم الذي يوافق عيد الشرطة في مصر، وقد حدد تاريخ الثورة المصرية من قبل حركة شباب 6 أبريل، وذلك احتجاجا على الأوضاع المعيشية والسياسية والاقتصادية السيئة، وكذلك على ما اعتبر فسادا في حكم الرئيس محمد حسني مبارك. وأدت هذه الثورة إلى تنحي الرئيس محمد حسني مبارك عن الحكم في 11 فبراير (شباط) 2011. وينظر للعلاقة المصرية مع دول الخليج على أنها علاقة هوية، تتعدى الاعتبارات والمعايير التقليدية في العلاقات بين الدول، وذلك ما يفسر الموقف الخليجي من الثورة المصرية، والدعم الذي لقيته الحكومة المصرية المشكلة من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية من قبل دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، التي ضخت مبالغ مالية قدرت بـ10 مليارات ريال في شرايين الاقتصاد المصري، لتتمكن جمهورية مصر من استعادة استقرارها الاقتصادي.

أما بالنسبة للأوضاع في سوريا وما تشهده الساحة هناك من صراع، فقد كانت الكلمة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى الشعب السوري، تلخيصا للموقف السعودي من الثورة السورية، حيث أوضح العاهل السعودي فيها رفض السعودية لأعمال العنف والقمع التي تشهدها البلاد، معلنا استدعاء السفير السعودي من دمشق للتشاور. وكان لتداعيات الأحداث التي تمر بها سوريا، والتي نتج عنها تساقط أعداد كبيرة من القتلى دافع للسعودية لاتخاذ موقف سياسي واضح المعالم يعتمد على المناشدة للقيادة السياسية السورية بضرورة وقف آلة القتل وإراقة الدماء قبل فوات الأوان.

وأكد الملك عبد الله بن عبد العزيز في كلمته تلك، أن ما يحدث في سوريا لا تقبل به المملكة، وأن بإمكان القيادة السورية تفعيل إصلاحات شاملة وسريعة، وأن أمام سوريا خيارين لا ثالث لهما، إما الحكمة وإما أن تنجرف للفوضى والضياع.