مصر.. الإسلام السياسي يبحث عن «وريث» شرعي

التيارات الإسلامية خرجت من العمل في الظلام إلى النور.. فالإخوان قوة ضاربة.. والسلفيون حصان أسود.. والجهاديون قادمون

المرشح المصري محمد يسري (يسار) يتحدث لإحدى الناخبات خلال الانتخابات البرلمانية المصرية في أحد مراكز الاقتراع (إ.ب.أ)
TT

«من يمثل الإسلام السياسي في مصر؟»، «ومن يحل بديلا عن مبارك في الحكم؟».. سؤالان باتا يجولان في خواطر المصريين عقب الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك عن سدة الحكم في 11 فبراير (شباط) الماضي، إثر ثورة شعبية تفجرت من قلب ميدان التحرير بوسط العاصمة المصرية القاهرة يوم 25 يناير (كانون الثاني) الماضي. ومعها خرجت التيارات الإسلامية من العمل في الظلام إلى العمل في النور بكل ما لها وما عليها.

لكن قوة التيارات الإسلامية ومن منها يمكن أن يكون «الوريث الشرعي» لمجمل الحركة الإسلامية في البلاد، لم تتضح بعدُ على الرغم مما أفرزته الانتخابات البرلمانية الجارية؛ حيث تفاوتت القدرات بين جماعة الإخوان المسلمين كقوة، وبين السلفيين كحصان أسود يمكن الرهان عليه، وبين الجهاديين القادمين من بعيد.

وما زاد من ضرورة البحث عن إجابة للسؤالين هو ما حققته جماعة الإخوان المسلمين، التي تأسست عام 1928 وتعتبر أفضل فصيل إسلامي سياسي منظم، في انتخابات البرلمان المصري الجارية، وذلك من خلال حزبها (الحرية والعدالة)، وحصول التيار السلفي بحزبه (النور) على المركز الثاني، محققا نتائج غير متوقعة، بينما ما زال دور التيار الجهادي القديم محصورا في الظهور الإعلامي مع وجود محدود في الشارع الانتخابي.

كانت الانتخابات البرلمانية قد جرت في مصر، وما زالت مستمرة، وفقا لنظامي الفردي والقوائم النسبية المغلقة بنسبة الثلث إلى الثلثين على التوالي، وفقا لمرسوم بقانون أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يدير شؤون البلاد منذ تنحي مبارك عن الحكم. وحصر مراقبون ومحللون مسألة الوريث للإسلام السياسي بين الإخوان الأكثر هدوءا في خطابهم السياسي والديني، والتيار السلفي الأكثر تشددا، والجماعة الإسلامية التي تسير على خطى هادئة، والأزهر الشريف الذي تخلص من تركة 30 عاما في حضن النظام ويبحث عن دور وسطي لقيادة الأمة؛ حيث دخل الأزهر على خط الثورة وتخلص من «تركة» فرضت عليه التأقلم مع آيديولوجيات أنظمة مستبدة، جعلت منه مؤسسة مستأنسة، تصدعت مصداقيتها في المجتمع.

يقول الدكتور بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: الأزهر وجد في عباءة الثورة مناخا ملائما ليستعيد دوره الديني المستنير، مضيفا: «كانت شرارة الثورة ورحيل مبارك قد أعادا للأزهر ريادته وأصبح بيتا للمصريين، تلتقي فيه مختلف أطياف المجتمع من سياسيين وتيارات دينية ومسيحيين، وأن السياسة الجديدة للأزهر تحت شيخه الدكتور أحمد الطيب جعلته يعد وثيقة لمستقبل مصر السياسي تتكون من 11 نقطة تقر بالدولة المدنية».

كان الأزهر قد أصدر بيانا قبل تنحي مبارك، حث الثوار على ضبط النفس خوفا على المتظاهرين، على الرغم من أنه، بحسب خبراء، لم يكن مطالبا بالقيام بدور سياسي لأنه ليس مؤسسة سياسية؛ بل تعليمية دعوية، قائلين إنه يحسب له عدة أمور: «أولا: أنه أول من سمى ضحايا الثورة شهداء، ثانيا: أن الأزهر لم يؤيد الثورة كونها ثورة فحسب، إنما أيد مطالبها، ووجه رسالة شديدة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة (الحاكم) بألا يتورط في إراقة الدماء».

لكن المراقبين والمحللين أعربوا عن استمرار قلقهم من الإسلاميين، خاصة الإخوان والسلفيين، على الرغم من تغير لهجة خطابهم، وعلى الرغم مما ردده الإسلاميون من أنهم لن يسعوا لتطبيق أي شيء بالقوة بعيدا عن إرادة المصريين.

في مقابل ذلك، رجَّح سياسيون أن يكون الإخوان الفصيل الأقوى المرشح لقيادة مصر بعد مبارك؛ نظرا لكونهم تنظيما قديما وقويا لديه تمويل غير محدود ويجيد استخدام الشعارات الدينية وله نفوذ كبير في المساجد والمناطق المختلفة، خاصة الشعبية منها، بالإضافة إلى لغة حواره الهادئ بحكم انغماسه في الحياة السياسية مبكرا.

وفي وسط خضم منافسة الإخوان والسلفيين تأتي الجماعة الإسلامية التي غيرت الكثير من أفكارها، لكن نشطاء يرون أن أداء الجماعة الإسلامية لم يكن مثل أداء الإخوان الهادئ والسلفيين المتشدد. وقال الشيخ إسماعيل الجن، أحد قادة الجماعة الإسلامية: «عدنا بلغة جديدة بعد مبارك، بعيدة تماما عن تكفير المسيحيين والليبراليين والعلمانيين»، لافتا إلى أن الأفكار القديمة للجماعة الإسلامية تغيرت، موضحا أنه «لا وجود لما يدور في عقول البعض من فزاعة الإسلاميين».

ويقول الدكتور عمار علي حسن، الباحث السياسي، الخبير في الشؤون الدينية: «إن الإخوان كان أداؤهم قبل الثورة المصرية لا يخلو من غرور، حين يقارنون بين وضعهم كجماعة ضاربة بجذورها في التربة المصرية ولديها قدرات مادية وتنظيمية وآيديولوجية كبيرة وظاهرة، وبين أحزاب سياسية ضعيفة ومتهالكة ومتهافتة علي السلطة وقانعة بالفتات المتاح الذي تقدمه لها».

وأضاف حسن: «في الوقت ذاته، عرف المصريون أن الإخوان بوسعهم أن يندمجوا تحت راية مشروع وطني سريعا؛ فقد تماثلوا مع الناس في الميادين المصرية كلها، التي شهدت الاحتجاجات، ولم يتمايزوا عن أحد، ولعبوا دورا ملموسا في نقل الثورة من مواقع التواصل الاجتماعي إلى الشارع».

وأوضح حسن: أدى دخول الإخوان إلى الحياة السياسية من بابها القانوني إلى تجدد أفكارهم السياسية بشكل لافت، ومثل هذا المدخل سينطبق على الجماعات السلفية، التي ستضطر للتخلي عن بعض مقولاتها الوثوقية المغلقة تدريجيا، حين تدرك أن الواقع المعيشي له متطلبات غير تلك التي يمكن أن تدون في الكتب أو تقال على المنابر أو داخل حلقات الدرس، من دون اختبار عملي لها.

في المقابل يرى علماء دين أن السلفيين انخرطوا في معترك السياسة دون أن يمتلكوا الخبرة؛ لذا ظهر التشدد في خطابهم الديني بتطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة الحدود وحظر بيع الخمور ومنع الاختلاط بين الرجل والمرأة في العمل وفرض الحجاب على النساء، مما أخاف الكثير من المسلمين قبل المسيحيين والليبراليين في صعودهم للحكم.

ويرى سياسيون أن التيار السلفي خسر كثيرا في الشارع وأصبح «بعبع» المصريين، بعد تصريحات قيادات الدعوة المتشددة.. وفي حين أكد الدكتور محمد البلتاجي، أمين حزب الحرية والعدالة، أن «مسؤوليتنا كبيرة تجاه الشعب»، فإن رئيس حزب النور السلفي، عماد الدين عبد الغفور، قال: «هناك محاولات لتهميش دورنا يقوم بها الإخوان، لتصدر المشهد السياسي».

وأضاف الدكتور بهي الدين حسن: «إن الإسلاميين استغلوا الشبكات الاجتماعية التي تقدم الخدمات للشرائح الأكثر فقرا في بعض المناطق لتصدر المشهد السياسي»، لافتا إلى أن الإخوان هم الأقرب ليكونوا ورثة النظام المصري بسبب خطابهم الهادئ الذي يقابله خطاب ديني سياسي متشدد من السلفيين، بقوله: «خطابهم جعل الكثير من الشرائح الاجتماعية يتخوفون حال صعودهم للحكم».

ودلل بهي على كلامه بأن الإخوان تنظيم قديم وقوي، ونجح في توظيف كل ما سبق للفوز بتمثيل الإسلام السياسي، على الرغم من أن إجراءاته لم تكن بالشفافية المطلوبة».

في السياق ذاته، أعرب نشطاء عن تخوفهم أيضا من صعود الإخوان بعد تصريحات الدكتور محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، التي قال فيها: «إن منصب المرشد العام للجماعة أعلى من مستويات رئيس جمهورية مصر، ليس في السلطات، لكن في المسؤولية والأمانة». وقال النشطاء إن بديع يريد أن يضع المصريين أمام نموذج ديكتاتوري جديد لا يختلف عن نظام مبارك السابق، لكن بصبغة إسلامية، بعد سيطرة حزب جماعة الإخوان على البرلمان المقبل، وتشكيل الحكومة.