عام «الربيع».. عام الآلام لمسيحيي مصر

بدأ بمذبحة «القديسين».. وانتهى بمجازر ماسبيرو

TT

منذ اللحظة الأولى فيه، كشر عام 2011 عن أنيابه لمسيحيي مصر؛ فمع دقات منتصف أول ليلة في العام، وخلال أداء مئات المسيحيين الصلاة في كنيسة القديسين (مارجرجس والأنبا بطرس)، وقع انفجار عنيف خارج الكنيسة لم يُعرف منفذوه حتى الآن، مما أوقع 25 قتيلا و80 مصابا، وخلَّف، في الوقت نفسه، موجة من الاحتقان الطائفي لم تزل إلا بقيام ثورة «25 يناير» الماضي.

وعلى الرغم من أن حبيب العادلي، وزير الداخلية الأسبق، أعلن في الاحتفال بعيد الشرطة، الذي أقيم يوم 24 من الشهر الأول من عام 2011، وكان آخر مناسبة رسمية حضرها الرئيس السابق حسني مبارك، مسؤولية «تنظيم جيش الإسلام» الفلسطيني المرتبط بتنظيم القاعدة عن تفجير كنيسة القديسين، فإن التنظيم أصدر بيانا نفى فيه تورطه في الحادث.

ويوم 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، بدأ المصريون التظاهر في يوم عيد الشرطة، لتنتهي المظاهرات بعد 18 يوما وقد أطاحت بنظام الرئيس السابق مبارك، وزجت برموز نظامه في السجون، ومنهم حبيب العادلي، الذي تقدم المحامي المسيحي ممدوح رمزي ببلاغ ضده للنائب العام يتهمه بتدبير حادث كنيسة القديسين، بناء على مستندات قيل إنه تم تسريبها من جهاز مباحث أمن الدولة (المنحل) بعد اقتحام مقاره المختلفة من المتظاهرين الغاضبين.

وما إن اندلعت ثورة «25 يناير» وما رافقها من انفلات أمني نجم عن انسحاب الضباط والجنود من المواقف الشرطية والشوارع، حتى تجلت أبلغ مشاهد الوحدة الوطنية عندما شكل الشباب المسلمون والمسيحيون لجانا شعبية لحماية الكنائس من أي اعتداء محتمل. ولم تسجل أي كنيسة في البلاد حالة اعتداء واحدة منذ يوم 25 يناير الماضي، حتى تخلى مبارك عن منصبه في 11 فبراير (شباط) الماضي. وطوال أيام الثورة كان المسلمون والمسيحيون يتبادلون حراسة بعضهم أثناء الصلاة في ميدان التحرير.

وشهد شهر مارس (آذار) الماضي، أول حادث طائفي بعد ثورة 25 يناير عندما أشعل مسلمون النار في كنيسة أطفيح بقرية صول التابعة لمحافظة الجيزة، وهدموها على خلفية علاقة آثمة جمعت شابا مسيحيا بفتاة مسلمة، وحاول أقارب الفتاة إقناع والدها بالانتقام من الشاب المسيحي وقتل ابنته فحدثت مشاجرة بينهم تطورت إلى تبادل إطلاق النيران توفي إثره والد الفتاة وأحد أقاربه، فتجمع إثر ذلك عدد كبير من أقارب الفتاة وسكان القرية المسلمين وذهبوا إلى كنيسة أطفيح فأشعلوا فيها النار وهدموها.

وعلى الرغم من وجود عدد من تسجيلات الفيديو تصور المعتدين على الكنيسة فإن سلطات الأمن لم تقبض على أي منهم، بينما قامت القوات المسلحة بإعادة بناء الكنيسة المتهدمة، التي اتُّهم السلفيون بالتحريض على حرقها وهدمها. واستطاع الشيخ محمد حسان والدكتور عمرو خالد، اللذان يعدان من أشهر الدعاة الإسلاميين في مصر، وأد فتنة طائفية كادت تدمر كنيسة أطفيح عندما ذهبا إلى قرية صول وصليا الجمعة هناك، وأطفآ نار الفتنة الطائفية التي كادت تلتهم الأخضر واليابس.

وفي شهر أبريل (نيسان) الماضي شهدت محافظة المنيا بصعيد مصر اشتباكات طائفية بمركز أبو قرقاص بالمحافظة الواقعة بصعيد مصر على خلفية مشاجرة بين جارين أحدهما مسلم والآخر مسيحي بسبب خلافات الجيرة، فتدخل أهل كل طرف لتتحول المشاجرة إلى اشتباكات طائفية أوقعت 3 قتلى وعشرات المصابين، وساعدت في زيادة الاحتقان الطائفي بين المسلمين والمسيحيين.

وجاء شهر مايو (أيار) الماضي، لينقل الاشتباكات الطائفية إلى داخل نطاق القاهرة الكبرى (التي تضم القاهرة والجيزة والقليوبية)، عندما تسببت سيدة مسيحية أسلمت لتتزوج ممن تحبه، بعدما طلبت الطلاق من زوجها المسيحي في اندلاع اشتباكات عنيفة بين مسلمين ومسيحيين راح ضحيتها 12 قتيلا ونحو 300 مصاب.

وهجرت السيدة عبير فخري منزل زوجها، بمحافظة أسيوط بصعيد مصر، بسبب علاقتها بسائق هربت معه إلى القاهرة؛ حيث أشهرت إسلامها واختبأت معه بعد زواجها عرفيا منه في محافظة المنوفية، وعندما علم أهلها بمكانها هربت، إلا أنهم أمسكوا بها واحتجزوها في كنيسة مارمينا بحي إمبابة الشعبي بمحافظة الجيزة، لكنها هاتفت السائق المسلم فجاء ومعه عدد من السلفيين الذين حرضوا على اقتحام الكنيسة وتبادل الطرفان إطلاق النار والرشق بالزجاجات الحارقة، كما ذهب عدد آخر من المسلمين إلى كنيسة العذراء في إمبابة وأحرقوها.

وألقت الشرطة القبض على عدد من المسلمين، على رأسهم الداعية السلفي أبو يحيى بتهمة التحريض على حرق الكنيسة، وما زال أبو يحيى قيد المحاكمة، بينما تولت القوات المسلحة إعادة ترميم الكنيسة المحترقة.

ويوم 14 مايو الماضي تعرض مسيحيون معتصمون أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون الحكومي بمنطقة ماسبيرو في القاهرة للمطالبة بإقرار قانون دور العبادة الموحد لاعتداء من مجموعة من البلطجية، لم يعرف هويتهم، استخدموا فيه الأعيرة النارية وقنابل المولوتوف، مما أدى إلى وقوع قتيلين مسيحيين وإصابة العشرات. وظل مئات المسيحيين معتصمين أمام مبنى ماسبيرو لفترة قبل أن يفضوا اعتصامهم بعد وعود حكومية بدراسة مطالبهم.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي انتقلت الاشتباكات الطائفية إلى أقصى جنوب البلاد، عندما اشتبك مسلمون ومسيحيون بسبب محاولة المسيحيين تحويل «مضيفة» إلى كنيسة بمدينة إدفو في محافظة أسوان (750 كيلومترا جنوب القاهرة). وتدخل المشير حسين طنطاوي، القائد العام للقوات المسلحة رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ووجه بإنهاء مشكلة المضيفة وإعادة بنائها بعد أن تهدمت جزئيا.

وعلى خلفية أحداث أسوان نظم آلاف المسيحيين مسيرة من حي شبرا بالقاهرة إلى مبنى ماسبيرو وسط العاصمة يوم الأحد 9 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لتتعرض المسيرة لاعتداء بالرصاص والمولوتوف من بلطجية عند نفق شبرا، قبل أن تتصدى لها قوات الجيش التي تتولى حراسة مبنى ماسبيرو، ووقعت اشتباكات بين الجانبين أسفرت عن مقتل 27 مسيحيا وإصابة نحو 350 شخصا، وسط اتهامات مسيحية لقوات الجيش بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين المسيحيين ودهسهم بالمركبات العسكرية، كما قال مسؤولون عسكريون إن جنودا من الجيش لقوا مصرعهم وأصيبوا، دون الكشف عن عددهم «حرصا على الروح المعنوية داخله القوات وحتى لا نثير في جموع القوات نوعا من القلق».

وفي محاولة لاحتواء آثار حادث ماسبيرو، زار وفد من أعضاء المجلس العسكري الكاتدرائية المرقسية (المقر البابوي) بالعباسية (شرق القاهرة) والتقوا البابا شنودة الثالث، بابا المسيحيين الأرثوذكس، الذي زار، بدوره، مقر المجلس العسكري والتقى المشير طنطاوي.

وفي آخر أيام شهر أكتوبر الماضي وافقت لجنة شؤون الأحزاب السياسية في مصر، برئاسة المستشار محمد ممتاز متولي، النائب الأول لرئيس محكمة النقض، على تأسيس حزب «الحياة» ورئيسه مايكل منير بوصفه حزبا ليبراليا مصريا. ويعد منير أحد قيادات مسيحيي المهجر، وهو رئيس منظمة «أقباط الولايات المتحدة الأميركية»، وكثيرا ما هاجم النظام السابق بمصر واتهمه بالتمييز ضد المسيحيين.

كان منير قد بدأ السعي لتأسيس الحزب في شهر أغسطس (آب) الماضي وتقدم بأوراق تأسيسه للجنة شؤون الأحزاب منتصف أكتوبر الماضي ليتم الاعتراف به رسميا في نهاية المطاف.

وفي 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي تعرضت مسيرة للمسيحيين خرجت من منطقة شبرا (شمال القاهرة) متجهة إلى محيط مبنى ماسبيرو في ذكرى مرور 40 يوما على ضحايا أحداث ماسبيرو، للرشق بالحجارة والزجاجات الحارقة (المولوتوف) عند خروجها من منطقة شبرا، في تكرار لما حدث يوم 9 أكتوبر الماضي، مما أسفر عن إصابة 20 شخصا.. وكأن عام الآلام الذي بدأ بمذبحة «القديسين» لم ينته بمجزرة ماسبيرو.