التدخل الدولي لـ«الناتو» عامل الحسم في الثورة الليبية

أنقذ بني غازي في اللحظات الأخيرة.. وأسهم في إسقاط طرابلس وسرت

TT

ظلت الثورة الليبية لشهر تواجه طواحين الهواء، حتى كاد نظام القذافي يقضي عليها.. فالثورة التي اندلعت في 17 فبراير (شباط) الماضي، واقتصر تسليحها على بعض فرق الجيش في بني غازي وبعض مدن شرق ليبيا التي انضمت للثوار، واجهت الجيش الليبي شديد التسليح الموالي للقذافي برفقة آلاف من المرتزقة الذين جلبهم الأخير للقضاء على ثوار الشرق الجامحين. وهو ما كان سيفضي إلى تحقيق القذافي نصرا ساحقا ليلة التاسع عشر من مارس (آذار)، لولا أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) تدخل في اللحظات الأخيرة في ساعة متأخرة ذاك اليوم في عملية عسكرية سميت «فجر الأوديسة» لإنقاذ بني غازي من السقوط في أيدي جنود كتائب القذافي.

وعبر 6 أشهر، ظلت ضربات حلف الناتو هي عامل الحسم في معظم المعارك التي خاضها الثوار بطول ليبيا وعرضها، كما لعبت دورا حاسما في قطع خطوط الإمداد والاتصال بين خطوط كتائب القذافي، لكن الأهم أن «الناتو» أسهم بشكل كبير في تدمير المقرات الرئيسية للأجهزة الأمنية لقوات القذافي في طرابلس وكافة المدن التي كانت تحت إمرته خلال المعركة.

وبعد شهر من بداية الثورة، بدأت كتائب القذافي تتقدم بسرعة باتجاه الشرق إلى بنغازي معقل الثوار الرئيسي، ومع مرور الوقت استطاعت الاستيلاء على عدة مدن حتى وصلت في منتصف مارس إلى مشارف المدينة التي كانت بمثابة عاصمة للثورة، وبعد ذلك بدأت قوات القذافي بهجوم وقصف عنيفين على بنغازي أوديا بحياة ما يقرب من 100 شخص من أهالي المدينة خلال يومين فقط. ومع هذا التصاعد في الأحداث، عقد مجلس الأمن الدولي عدة جلسات لمناقشة الأوضاع المحتدمة في ليبيا لإنهاء الصراع.

وفي الثاني عشر من شهر مارس، صوتت الجامعة العربية لصالح تأييد اقتراح فرض الحظر الجوي وتقديمه إلى مجلس الأمن، الذي أصدر بدوره في 17 مارس قرارا دوليا رقم 1973، الذي يقضي بفرض عدة عقوبات على حكومة القذافي تتضمن حظر الطيران فوق ليبيا وتنظيم هجمات مسلحة ضد قوات القذافي الجوية لمنعها من التحليق في الأجواء الليبية وإعاقة حركتها.

وبدأت قوات الدول الأجنبية الهجوم على كتائب القذافي في 19 مارس، وتولت القوات الأميركية، التي لديها خبرة أكبر من حلف شمال الأطلسي في إدارة العمليات الكبيرة، مهمة التنسيق.. لكنها سلمت القيادة إلى حلف شمال الأطلسي في 31 مارس الماضي.

وخلال 7 أشهر من الهجوم، دمرت قوات التحالف أكثر من 5900 هدف عسكري خلال 9700 هجوم جوي، بحسب المعلومات التي أصدرها التحالف، وهو ما ساعد على تقويض القوات والجماعات المسلحة الموالية للقذافي. وألقت الطائرات الحربية من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وإيطاليا والنرويج والدنمارك وبلجيكا وكندا قذائف، وشاركت دولتان من خارج حلف شمال الأطلسي، هما قطر والإمارات العربية المتحدة، في العمليات على نطاق محدود.. لكن النرويج وإيطاليا انسحبتا من المعركة بنهاية يوليو (تموز).

وكان لفرنسا النصيب في القيام بثلث الهجمات الجوية، بينما كان نصيب بريطانيا 21 في المائة، والولايات المتحدة 19 في المائة بحسب البيانات المقدمة من كل دولة.

ويتم تصنيف الهجمات إلى نوعين؛ الأول وهو الهجمات المدروسة التي يتم توجيهها نحو أهداف ثابتة مثل المباني أو أنظمة الدفاع الجوي، ويتم اختيار هذه الأهداف وإسناد مهمة تدميرها إلى الطيارين قبل إقلاع الطائرة. وراجع المحللون في الاستخبارات والقوات الإيطالية ومتخصصو الاستهداف الأهداف المقترحة ووضعوا قوائم أرسلت إلى مركز عمليات بالقرب من بولونيا في إيطاليا، حيث تم تحديد الطائرات والأسلحة المناسبة لتدمير الأهداف. أما النوع الثاني من الهجمات، فهو الأهداف المتحركة، التي لا تكون مسبقة الإعداد.

وأوضحت قوات حلف شمال الأطلسي أنها كانت تقوم بمراقبة بعض الأهداف، مثل ملاجئ القيادة، لفترات طويلة. وكانت الطائرات من دون طيار والطائرات الأخرى ترصد التحركات اليومية في المواقع، في ما يعرف باسم «سير النشاط اليومي»، إلى أن يصبح القادة على ثقة من أن وقت إصابة الهدف قد حان.

وفي منتصف يوليو ومع استمرار المعركة لأكثر من 4 أشهر، واجه «الناتو» اتهامات بعدم مساندة الثوار في زحفهم غربا نحو طرابلس، لكن «الناتو» طور من هجماته وغطائه الجوي للثوار الزاحفين نحو الغرب، ليقترب الثوار أكثر فأكثر من طرابلس التي دخلوها في 21 أغسطس (آب) في عملية «فجر البحر المتوسط»، ليسقط نظام القذافي بعد 42 عاما من الحكم، ويهرب القذافي ويتوارى عن الأنظار عبر شهرين تواصل البحث فيهما عنه في أرجاء ليبيا.

وفي أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، أسهمت قوات «الناتو» في قصف مدينة سرت، مسقط رأس القذافي، لعدة أيام قبل أن تسقط في أيدي الثوار، ويعتقل القذافي ويقتل في العشرين من أكتوبر الماضي.

ووفقا لبيانات وتصريحات صدرت منذ انتهاء الهجوم في 31 أكتوبر، فإن الحرب كانت حربا جوية نموذجية استخدمت تكنولوجيا متقدمة وتخطيطا دقيقا، وكانت درعا واقية تحمي المدنيين من قوات القذافي، وذلك حسب رواية «الناتو» خلال الحرب.

وبينما يقول أندرس فوغ راسموسن، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، في نوفمبر (تشرين الثاني): «لقد قمنا بهذه العملية بحرص شديد، دون وقوع ضحايا مدنيين»، قالت تقارير دولية صادرة من منظمات حقوقية إن حملة «الناتو» الجوية في ليبيا تضمنت أخطاء جسيمة منها قتل مدنيين أبرياء عن طريق الخطأ. وتشير تلك التقارير إلى وجود عشرات المدنيين الذين قتلهم «الناتو» في الكثير من الهجمات المتفرقة، وغالبا ما كان هؤلاء الضحايا نائمين في بيوتهم وقت حدوث الهجوم، وكانت البداية قصف قافلة سرية من السيارات المدرعة التابعة للثوار التي كانت تسير في الصحراء وتتجه نحو الخطوط الأمامية للقوات الموالية للقذافي في الشرق.

وفي 28 من أكتوبر، أصدر مجلس الأمن الدولي، بالإجماع القرار رقم 2016 الذي يقضي بإنهاء تفويض حلف شمال الأطلسي (الناتو) للقيام بعمليات في ليبيا، ورفع الحظر الجوي الذي كان مفروضا عليها. وصوت جميع أعضاء مجلس الأمن على القرار لإنهاء التفويض، الذي منح من قبل للدول الأعضاء لاتخاذ جميع التدابير الضرورية لحماية المدنيين والمناطق المأهولة بالسكان في ليبيا.