سوريا.. جمهورية «العائلة»

حافظ أسسها.. وبشار يدافع عنها

حافظ الاسد و بشار الاسد
TT

رسمت عائلة «الأسد» تاريخ سوريا الحديث، منذ تولي ابنها وصاحب الفضل عليها، حافظ الأسد السلطة منذ 40 عاما، ليخلفه ابنه بشار. غير أن هذين الشخصين، لا يختصران العائلة، التي تمددت في مفاصل الدولة السورية، كما في مفاصل الحزب الحاكم وفي القطاعات الاقتصادية. فقد أسس الأسد جمهورية للعائلة، هي «الجمهورية العربية السورية» ليخلفه فيها ابنه بشار الذي يدافع عن هذه «الجمهورية» بعد أن تفجرت في وجهه واحدة من أقوى الثورات على حكم العائلة.

لم يكن اسم عائلة الأسد على ما هو عليه، قبل وصول الرئيس حافظ السد إلى السلطة، فعائلة «الوحش» التي كانت تنتسب إلى حافظ ابن علي بن سليمان الأسد، الملقب بـ«الوحش» بن أحمد بن إبراهيم زعيم جبال الكلبية، وقيل إن الرئيس المصري الراحل عبد الناصر هو من أعطاه كنية الأسد.

وصل الأسد الأب إلى السلطة عام 1970 عبر انقلاب داخلي على زملائه في الانقلاب البعثي على النظام السابق سمي بـ«الحركة التصحيحية» التي يحتفل بذكراها حتى اليوم في سوريا كمؤشر إلى استلام عائلة الأسد السلطة في البلاد.

تولى الأسد منصب رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الدفاع في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 1970 ثم ما لبث أن حصل على صلاحيات رئيس الجمهورية في 22 فبراير (شباط)1971 ليثبت في 12 مارس (آذار) 1971 كرئيس للجمهورية العربية السورية لمدة سبع سنوات بعد إجراء استفتاء شعبي. بعدها أعيد انتخابه في استفتاءات متتابعة أعوام 1978 و1985 و1992 و1999 حيث توفي وهو في السلطة بمرض سرطان الدم.

منذ بدايته في السلطة، أدرك الأسد الأب أهمية إحاطة نفسه بأفراد من العائلتين، الصغرى (آل الأسد) والكبرى (الطائفة العلوية)، فسلم القيادات العلوية مناصب حساسة في الحزب والدولة والجيش، بحيث باتت قوة حقيقية مؤثرة، كما قرب أفراد عائلته من مفاصل السلطة، وبينهم شقيقه رفعت. غير أن حافظ الأسد، رأى في قوة أخيه المتصاعدة داخل الجيش مؤشرا سلبيا، فأطاح به خارج الجيش والبلاد عام 1984، بعد أن كان ذراعه العسكرية التي فتكت بتمرد الإخوان المسلمين عام 1980، أما شقيقه الآخر جميل الذي تورط بتأييد رفعت، لكن من دون تدخل فعلي، فقد بقي إلى جانب شقيقه، مفضلا الاهتمام بشؤون غير سياسية، فيما يتولى أبناؤه مهام متعددة في الدولة والجيش والحزب.

كان أول المناصب التي تولاها جميل بعد وصول شقيقه إلى الحكم هو رئاسة بلدية القرداحة، مسقط رأسه، ثم تحول إلى رجل أعمال ارتبط اسمه بمخالفات و«ضرائب غير رسمية» فرضت على المنافذ البحرية والبرية لتسهيل الأمور، ثم حصل فجأة عام 1992 على شهادة الدكتوراه في المحاماة من موسكو، وافتتح مكتبا للمحاماة في محافظة اللاذقية وأصبح هذا المكتب بمثابة محكمة تحلّ فيها أمور المواطنين. ولكن جميل لقب «قائد المسار» على غرار لقب حافظ: «قائد المسيرة» ارتكب خطأه الكبير، عندما تظاهر عدد كبير من أتباعه في قصر الضيافة بدمشق تأييدا لرفعت. وقد أسس عام 1981 «جمعية المرتضى»، وهي جمعية تصبو إلى تنصير أبناء السنة (أي دعوتهم لاعتناق النصيرية) في الجزيرة وبادية حمص وحماه بحجة أن فلاحي هذه المناطق كانوا نصيريين وأجبرتهم السلطات العثمانية على اعتناق المذهب السني، لكن حافظ الأسد أصدر قرارا عام 1984 بحل هذه الجمعية لوقف الطموحات السياسية لشقيقه..

يذكر أن حماة رفعت الأسد سلمى نجيب عينت عضوا في مجلس الشعب عام 1973، وفي نفس العام انتخب جميل أيضا عضوا في المجلس الشعب كما تم اختياره عضوا في المؤتمر القومي الثاني عشر لمنظمة الحزب الحاكم عام 1975.

اتخذ الأسد الأب قرارا بتوريث نجله الأكبر باسل السلطة، فباتت صوره إلى جانب صور أبيه في كل زاوية من سوريا ولبنان. كان من الطبيعي أن يكون، باسل، هو الوريث لوالده. فقد مشى باسل على خطى الأب في الجيش والسياسة، فيما كان بشار يتخصص في طب العيون في لندن. لكن باسل الذي يحب ركوب الخيل والسيارات السريعة، قضى في حادث سيارة عام 1994، عندما تحطمت سيارته المرسيدس على طريق دمشق السريع ليتوفى وهو ابن 31 عاما. قيل إن الأم أنيسة مخلوف، كانت تفضل الابن الأصغر ماهر لكونه رجلا عسكريا صلبا. ولكن الأسد الأب فضل بشار الذي استدعي من لندن ليدخل القوات المسلحة سريعا، وترقى خلال 5 سنوات ليتبوأ مناصب كبيرة أهلته ليكون الرئيس الجديد للجمهورية يعد وفاة الأب. فاجتمع مجلس النواب سريعا، وعدل القوانين اللازمة لوصوله إلى الرئاسة وتم «انتخابه» فورا ليصبح الرئيس الجديد للبلاد وعمره 34 عاما فقط.

مع وفاة الأسد الأب، بدأت مرحلة جديدة في سوريا، عنوانها الظاهر هو «الحداثة» والرخاء الاقتصادي، ومضمونها تورط أفراد العائلة في الحياة الاقتصادية إلى حد كبير، مع تسجيل حالات نافرة من الفساد عنوانها رامي مخلوف، ابن خالة الرئيس الجديد الذي أصبح يسيطر على معظم المرافق الاقتصادية للبلاد.

رسمت صحيفة «الغارديان» البريطانية، مؤخرا صورة عن حياة العائلة «التي كانت متواضعة الشأن في يوم من الأيام، ثم صعدت لقمة السلطة السورية ليصاب أفرادها بمزيج من الغطرسة وجنون العظمة». وقالت الصحيفة إن «مؤسس العائلة الرئيس السابق حافظ الأسد الذي ولد عام 1930 لأسرة فقيرة من الأقلية العلوية في قرية القرداحة غرب البلاد (...) كان رجلا داهية وصل للسلطة بسبب سعيه لها، على العكس من ابنه بشار الذي ورثها، لذلك فإن الجيل الحالي من الأسرة قد نسي أصوله وأصبح أفراده ينتمون إلى ضواحي العاصمة دمشق الثرية بسياراتها الفارهة، ناسين أصولهم الريفية الفقيرة التي يعيش غالبية الشعب السوري في ظروف مماثلة لها». وتشير الصحيفة، في تقريرها، إلى أن سنوات حكم الرئيس بشار الأسد الأولى شهدت وجودا وجيزا للمجتمع المدني جعلت السوريين يتفاءلون به كرئيس إصلاحي، وهي الصورة التي تلاشت تمامًا الآن مع بلوغه الـ46 من العمر. ونقلت عن الأكاديمي الأميركي وكاتب سيرة الأسد الذاتية ديفيد ليش «إنه قد تغير مع الوقت من شخص حسن النية إلى رجل يصدق عبارات الثناء والنفاق من المتملقين المحيطين به، والذين يتحدثون دائما عن تواضعه لدرجة قيامه في مرات كثيرة بفتح باب منزله في حي المالكي في العاصمة دمشق بنفسه للطارق». وفي الوقت نفسه وصفه ضيف حضر أحد الاجتماعات بأنه «يفتقد للصفات القيادية والكاريزما، ولا يشعر بالرغبة للنظر عبر الطاولة لسماع ما يقوله».

عمل الأسد في السنوات الخمس الأولى من ولايته على تثبيت حكمه وإبعاد جميع الأشخاص من «الجيل القديم» من رفاق أبيه الراحل. اختفى جميع نواب الرئيس ورؤوس الأجهزة الحساسة. أحس الأسد الابن بالحاجة إلى ضم المزيد من أفراد العائلة إلى دائرة القرار، ومن المعروف أن أفراد العائلة المصغرة كانوا يحرصون على عشاء عائلي مساء كل يوم جمعة كان بمثابة «مجلس القيادة» الذي تناقش فيه أمور البلاد والعباد، وتتخذ فيه قرارات هامة في بعض الأحيان، تترجم في اليوم التالي.

هذا المجلس كان مكونا، من الرئيس بشار، ووالدته أنيسة مخلوف الملقبة بالمرأة الفولاذية، وابنها ماهر وابنتها بشرى وزوجها آصف شوكت وابن الخالة رامي. وعلاقة آصف شوكت بالأسرة هي الأخرى علاقة معقدة، فالأخ الراحل باسل قد منع زواجه بأخته بشرى أكثر من مرة بسبب كبر سنه وزواجه من قبل، مما جعل زواجه يتأجل إلى ما بعد وفاته، أما زوجته بشرى «فهي صيدلانية ذكية وقوية الشخصية، تمتلك تأثيرا كبيرا داخل العائلة تقوم به في الخفاء، وقد أطلقت على أبنائها الأربعة أسماء ماهر وباسل وبشرى وأنيسة» وهي أسماء الجيل القديم نفسه من العائلة، وبشرى المولودة في عام 1960 يصفها من يعرفها بأنها «امرأة قوية وعديمة الرحمة». ويشير الدبلوماسي السوري السابق محمد داود إلى العلاقات المتوترة بين بشرى وزوجة الرئيس أسماء الأسد ويقول «إن بشرى منعت أسماء من لقب السيدة الأولى بحجة الاحترام الواجب تجاه والدتها أنيسة». لكن آصف - القادم الحديث إلى الدائرة الضيقة - ورث عدوا جديدا في العائلة هو ماهر الذي قيل إنه أطلق عليه الرصاص في منزل العائلة لمنعه من التدخل في «شؤون العائلة» وإن ما أنقذه هو وقوف والدته بينهما لتحول دون إجهاز ماهر عليه. أبعد آصف عن الاستخبارات بعد الغارة الإسرائيلية على موقع قيل إنه مبنى تجرى في داخله أنشطة نووية وبعد اغتيال القائد العسكري لحزب الله اللبناني عماد مغنية في قلب دمشق. ولكن إبعاد شوكت لم يدم لفترة طويلة إذ عين مساعدا لرئيس الأركان في الجيش.

وماهر، هو الشقيق الأصغر للرئيس السوري ويبلغ من العمر 43 عاما. ويتولى ماهر قيادة الحرس الجمهوري الذي يضم نحو 12 ألف رجل وقيادة الفرقة الرابعة في الجيش التي يقال إنها مسؤولة عن كل القمع الدائر في سوريا الآن. ويتمتع ماهر الأسد بعلاقة مميزة مع إيران. ويقول عنه الصحافي السوري المعارض المقيم في لندن بسام جعارة إنه «صاحب الكلمة الأخيرة». وإنه «يمثل الجناح المتصلب في النظام والوجه الذي لا يعرف الرحمة» كما يتحكم ماهر بابني عمه، منذر وفواز الأسد اللذين يقودان «الشبيحة». وكان الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات ضد ماهر الأسد في 2011 بوصفه «مهندس حملة القمع ضد المتظاهرين» ويصفه الكثيرون بـ«عصبي المزاج، غريب الأطوار ودموي». علما أن أسمه ورد كمشتبه فيه باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في التقارير الأولية للجنة التحقيق الدولي.

أما رامي مخلوف المولود عام 1965 فيقال إنه يسيطر على نحو 60 في المائة من الحياة الاقتصادية في سوريا. وتشير مجلة «جون أفريك» إلى أن إمبراطورية رامي مخلوف تمتد من قطاع الاتصالات إلى تجارة التجزئة مرورا بالمحروقات والمصارف وصولا إلى حقل النقل الجوي. ويعتبر مخلوف المقرب من ماهر الأسد رجل الأعمال الأكثر ثراء في سوريا. ويخضع رامي مخلوف منذ عام 2008 إلى عقوبات الخزينة الأميركية وفي مايو (أيار) 2011 فرض الاتحاد الأوروبي عليه جملة من العقوبات واتهمه «بتمويل النظام مما يسمح بمواصلة القمع ضد المتظاهرين». كما نزعت عنه قبرص مؤخرا الجنسية القبرصية التي كان يحملها. وللأسد شقيق آخر، هو مجد المولود في عام 1970، يحمل إجازة في الاقتصاد من جامعة دمشق عام 1989م. تزوج، وليس له أولاد. كان غائبا عن النشاط السياسي والعسكري، والاقتصادي إلى حد ما بسبب ضعف صحته، وقد توفي في دمشق في 12 - 12 - 2009 إثر مرض عضال.

أما في خارج الدائرة الضيقة، فهناك نحو 30 اسما لأفراد من عائلة الأسد يحتلون مناصب رفيعة في النظام الحالي، بينهم شقيق رامي، حافظ مخلوف البالغ من العمر 36 سنة وهو قائد أجهزة الأمن في العاصمة دمشق. بالإضافة إلى الشقيقين منذر وفواز الأسد ابنا جميل الأسد وهما يتوليان إدارة «الشبيحة». أما أبناء عمة بشار الثلاثة، فيتولون مناصب أمنية رفيعة، كـ«ذو الهمّة شاليش» وهو ورئيس الحرس الخاص ببشار الأسد ومن أقرب المقربين إليه، رياض شاليش وهو مدير مؤسسة الإنشاءات العسكرية، بالإضافة إلى عيسى الشقيق الثالث الذي يتولى مناصب أمنية غير معروفة. أما عمار نجيب، ابن خالة بشار الأسد فاطمة فهو كان يشغل منصب رئيس مفرزة للأمن العسكري بقرية الدبوسية الحدودية مع لبنان.

أما الشق الاقتصادي من العائلة، فيهيمن عليه رامي مخلوف، يساعده شقيقه إيهاب مخلوف وهو رجل أعمال أيضا، فيما يتولى عرفان نجيب، ابن خالة بشار الأسد فاطمة نشاطه في محافظة اللاذقية حيث أنشأ عددا من الكسارات ومعملا للرخام.