صفقة شاليط.. الانعطاف والانتقام!

الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط مع والده ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك بعد إطلاق سراحه (إ.ب.أ)
TT

ستسجل سنة 2011، في التاريخ الإسرائيلي، على أنها سنة حافلة بأحداث لها طابع مؤسس في الكثير من القضايا. فأثناء هذه السنة، ضاعت فرصة أخرى لتغيير علاقاتها مع العالم العربي، حيث إن الزلزال الشعبي الذي أسقط الأنظمة الحاكمة في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن ويهدد بسقوط النظام في سوريا، ولد فرصة لتحقيق السلام الإسرائيلي الفلسطيني. وشهدت إسرائيل هذه السنة أيضا حملة احتجاجات جماهيرية ضخمة، مطالبة بالعدالة اجتماعية وبتغيير جذري في السياسة الاقتصادية والاجتماعية. ومع أن هذه الحملة تبدو حاليا نائمة، فإنها أسست لشيء سيسفر عن نتائج ملموسة في هذه السياسة، علما بأن قادتها يسعون حاليا لاستئناف هبتهم. لكن الحدث الذي كان مسيطرا على الحياة السياسية يتعلق بـ«صفقة شاليط»، التي وقعتها حكومة بنيامين نتنياهو مع حركة حماس الفلسطينية بالوساطة المصرية.

فهذه الصفقة التي اكتملت في الثامن عشر من الشهر الماضي، لها ما قبلها وسيكون لها ما بعدها. والحكومة الإسرائيلية والأجهزة الأمنية والقضائية والمؤسسات الأكاديمية وأصحاب الدراسات الاستراتيجية ومعاهد الأمن القومي والدراسات الأمنية بشكل خاص، كلها منكبة على دراسة هذه الصفقة وكيفية تغيير السياسة الإسرائيلية بشكل جوهري لتفادي مثلها. والأفكار التي تطرح في هذا السياق لافتة جدا للنظر، وتستحق قراءة عربية، كونها موجهة بالأساس نحو الفلسطينيين واللبنانيين وربما غيرهم.

لقد قيل الكثير عن هذه الصفقة وأسبابها وظروفها، نجاحاتها وإخفاقاتها، مكاسبها ومثالبها، وأسمعت فيها مدائح كثيرة وانتقادات شديدة، سواء كان ذلك في الساحة الفلسطينية والعربية أو الساحة الإسرائيلية. لكن تبقى حقيقة أساسية لا جدال حولها، هي أن حماس من جهة والحكومة الإسرائيلية من جهة أخرى، على الرغم من المدائح التي يغدقها كل طرف منهما على نفسه، خرجتا من هذه الصفقة مجروحتين. ويفترض أن نرى آثار هذه الجروح في السياسة المستقبلية لكل منهما في هذا المجال.

حماس من جهتها، وفي تصريح لأبي عبيدة، الناطق بلسان كتائب الشهيد عز الدين القسام، رأت أن «هذه الصفقة حققت ما نسبته 90 - 95 في المائة من مطالب المقاومة، وهو نصر سيسجل في صفحات العز بتاريخ الشعب الفلسطيني بأكمله» (صحيفة «رسالة الإسلام»، العدد المؤرخ في 2011/12/19). وهذا ليس صحيحا، وإن كان صحيحا، فإن القول بأن ما نتج عن المفاوضات هو 90 - 95 في المائة من مطالب حماس، يعني أن هذه المطالب كانت في الأصل قليلة. فهناك كما هو معروف انتقادات فلسطينية شديدة اللهجة لشروط الصفقة، إذ إن حماس اضطرت للتخلي عن عدد من كبار الأسرى، مثل مروان البرغوثي القائد الفتحاوي الأول في الأسر، وأحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وعدد من الأسرى الكبار من حماس نفسها مثل عبد الله البرغوثي وعباس السيد وإبراهيم حماد حسن سلامة وجمال أبو الهيجاء وغيرهم. ووافقت على إبعاد 203 أسرى إلى الخارج، و131 أسيرا من أبناء الضفة الغربية إلى قطاع غزة. وبعد أن كانت وعدت بإطلاق سراح جميع الأسيرات، نسيت 9 أسيرات في الجزء الأول من الصفقة، وافقت إسرائيل على إطلاق ست منهن في الجزء الثاني وأبقت على الثلاث الباقيات في الأسر. وفي الجزء الثاني من الصفقة حررت إسرائيل 550 أسيرا، ثلثاهم كانوا سيتحررون، من دون صفقة، في السنة القادمة.

وإسرائيل من جهتها اعترفت بأن الصفقة «مؤلمة» لها، لكنها ليست مؤلمة فحسب. فرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، داس بهذه الصفقة على ما قاله وكتبه عبر السنوات الطويلة، وبفضله أصبح «صاحب نظرية في مكافحة الإرهاب»، كما وصفه وزير الخارجية الأميركي، جورج شولتز. فهو الذي أصدر كتابين روج فيهما لضرورة الامتناع عن ما وصفه بـ «مفاوضة إرهابيين يحتجزون رهائن». وكتب «يجب أن نقف صامدين في وجه مطالب تحرير الأسرى. فتحريرهم يبدو في ظاهره مخففا للتوتر، لأن الحديث يدور عن رهائن أبرياء تريد وقف معاناتهم. لكن هذه الفائدة تكون في أحسن الأحوال مؤقتة. إن إطلاق سراح الأسرى يؤدي فقط لزيادة صلابة الإرهابيين. ويمنحهم الشعور بأنه في حال اعتقالهم سيكون عقابهم في السجن قصيرا» (كتابه: «الحرب على الإرهاب - كيف تهزم الدول الديمقراطية إرهاب المحلي والدولي» - سنة 1996 – ص 144). ويضيف «السياسة الوحيدة الحكيمة هي رفض الخضوع والاستعداد لاستخدام القوة في تحرير الرهائن» (المصدر نفسه - ص 233).

وكان نتنياهو يذكر باستمرار أنه يحمل هذا الموقف، مع أنه بشكل شخصي دفع ثمنا باهظا له، إذ إن شقيقه يونتان نتنياهو، قتل خلال عملية تحرير الرهائن عند خطف طائرة مدنية ملأى بالمسافرين الفرنسيين إلى مطار عنتيبي في أوغندا. وهذا منح كلماته المصداقية. فتحول فعلا إلى أحد المحاضرين المطلوبين في الغرب عموما وفي الولايات المتحدة خصوصا في مكافحة الإرهاب، وجنى ثروة بفضل هذه المحاضرات، وحظي بمكانة دولية مهدت لتقدمه القيادي محليا.

ويذكر نتنياهو نفسه أنه عندما كان مندوبا دائما لإسرائيل في الأمم المتحدة (سنة 1985)، تم خطف طائرة «TWA» الأميركية في بيروت «فقلت لوزير الخارجية جورج شولتز: لا ترضخوا لمطالب الإرهابيين بأي شكل من الأشكال». فعاد إليه مساعد شولتز، تشارلز جيلت، يخبره بأن «الخاطفين قاموا بتوزيع الرهائن على عدة مواقع مشتتة في بيروت». فأجابه «ردوا عليهم بتهديد مقابل. أوضحوا لهم أنه في حال سقوط شعرة واحدة من رأس أي رهينة نتعهد بالقضاء تماما عليكم فردا فردا» (المصدر السابق نفسه). وفي حينه لم يعمل الأميركيون بنصيحته، بل اضطروا إسرائيل إلى إطلاق سراح أسرى لبنانيين ضمن الثمن المدفوع لإطلاق سراح الرهائن.

والآن أصبح نتنياهو رئيس حكومة. لقد حاول أن يتهرب من مسؤولية صفقة شاليط، وهو ما زال رئيسا للمعارضة (حتى أواسط 2009)، ولكن سلفه إيهود أولمرت كان يقظا لذلك فلم ينجز الصفقة. في حينه أبلغ نتنياهو أولمرت بأنه في حال التوصل إلى صفقة فإنه لن يهاجمه عليها. لكن أولمرت لم يقع في مطب نتنياهو. وترك وراءه هذا الملف بشكل متعمد. فقد كان يتوقع أن تتسلمه منافسته في قيادة حزب كديما، تسيبي ليفني، لكن ليفني فشلت في تشكيل حكومة وفاز نتنياهو بالحكم. وحاول التهرب وهو رئيس حكومة، فلم يستطع. فالضغوط الجماهيرية في إسرائيل بلغت حدا لم يتح له الصمود في موقفه. والضغوط الأوروبية لتنفيذ الصفقة أيضا لم تكن قليلة، خصوصا أنهم ربطوا بين الصفقة والأوضاع في مصر، حيث كانت القيادة المصرية الجديدة قد توسطت بين الطرفين وأظهرت إصرارا عنيدا على التوصل إلى اتفاق بشأنها. وهكذا فعل نتنياهو ما هو معاكس لكل ما آمن به وقاله ودرسه وأعد النظريات له.

فلماذا هذا الرضوخ؟ هل هي الضغوط الشعبية والأوروبية والمصرية فحسب؟

بالطبع لا. فقد أراد هذه الصفقة أيضا الجيش، الذي كان أرادها طيلة خمس سنوات، وأرادها جهازا المخابرات أيضا «الشاباك» و«الموساد»، اللذان كانا معارضين في زمن الرئيسين السابقين، يوفال ديسكين (وهو من أفشل الصفقة شخصيا في زمن أولمرت) ومئير دجان، وغيرا موقفهما مع تولي يورام كوهين وتامير فيدرو رئاسة الشاباك والموساد. فقد قال قادة هذه الأجهزة لنتنياهو إن الثمن باهظ لكنه أفضل ثمن يمكن أن توافق عليه حماس حاليا في ظل أزمتها في سوريا. وأضافوا أن الثمن الذي تدفعه حماس في هذه الصفقة لا يقتصر على إطلاق سراح شاليط، فقد دفعت ثمنا باهظا بأرواح 1600 فلسطيني قتلوا في الفترة منذ أسر شاليط وحتى تحريره، سقط 1400 منهم في الحرب على غزة (2008 - 2009).

وأغروه أيضا بما سيحصل في المستقبل أيضا، وليس في الماضي والحاضر، وهنا بيت القصيد. فبعد تنفيذ الصفقة، يأتي وقت الانتقام. هي عقلية الاحتلال، الذي اكتسب الكثير من عادات الشرق، وأبرزها عادة الثأر. وما يفتشون عنه هو الحجة التي يمكن أن يتذرعوا بها لهذا الثأر، حتى تبدو عملياتهم مفهومة في الغرب. وهم لا يعدمون الحجة، خصوصا أن هناك من يوفرها لهم كالعادة.

فقد أعلن رئيس أركان الجيش، بيني غانتس، أن «اجتياح غزة هو أمر حتمي، والمسألة مسألة وقت لا أكثر، ويجب أن يكون خطوة استباقية ومنظمة، لأنه لم يعد بإمكاننا الاستمرار في جولات تصعيد أخرى وما يترتب عليها من خسائر في أرواح وممتلكات مواطنينا» (خلال اجتماع لجنة الخارجية والأمن البرلمانية في يوم 14 نوفمبر/ تشرين الثاني)، ثم عاد ليكررها بكلمات شبيهة خلال إشرافه على تدريبات للجيش في منطقة الجنوب بعد ستة أيام، إذ قال «إذا نفدت لدينا جميع الخيارات في التعامل مع مطلقي الصواريخ، فسيتوجب علينا شن حملة عسكرية على قطاع غزة، وعندما تحصل هذه العملية ستكون منظمة ومؤلمة».

وفي الأسبوع نفسه، أعلن كل من اللواء في جيش الاحتياط، يؤاف غلانت، قائد المنطقة الجنوبية السابق، والعميد تشيكو تامير، قائد فيلق غزة الأسبق، خلال محاضرتين ألقيتا في مؤتمر الأمن القومي، أنه «يجب وقف تعاظم القوات الإرهابية في غزة بتوجيه ضربة عسكرية». وذهب غلانت نحو ضرورة وضع تصور لمحاربة غزة أشبه بتصور عملية السور الواقي (اجتياح الضفة الغربية سنة 2002 الذي انتهى بحصار الرئيس الراحل ياسر عرفات حتى الموت)، بحيث تقوم الجرافات الإسرائيلية بمسح بعض المناطق الغزية.

وفي 15 ديسمبر (كانون الأول) 2011، صرح قائد لواء المظليين، العقيد أمير برعام، بعد إنهاء تدريب قامت به قواته في قاعدة في النقب (جنوب إسرائيل)، أن «هذا التدريب يأتي قبل الحرب»، مشيرا إلى تعقيدات الوضع في المنطقة وتعاظم الخطر من حول «إسرائيل».

وقد فسرت هذه التهديدات على أنها «تقليدية» وأن «هدفها بالأساس إثارة أجواء رعب في صفوف المواطنين الإسرائيليين عشية الأبحاث حول الميزانية العسكرية، وذلك في إطار تجنيد الضغط الجماهيري ضد وزارة المالية». ويوجد شيء من هذا فعلا. فقد اعتاد الجيش على إطلاق مثل هذه التهديدات الحربية عشية كل بحث للموازنة. ولكن ما فتئ أن رأينا وزراء الحكومة الإسرائيلية يرددون هذه التهديدات، وفي مقدمتهم وزير المالية، يوفال شتاينتس، الذي يحارب لكي يقلص الزيادات الكبيرة في ميزانية الجيش. فقال بعد جلسة الحكومة (11 ديسمبر 2011)، ردا على إطلاق صواريخ من تنظيمات فلسطينية تنصلت منها حركة حماس «سوف نضطر عاجلا أم آجلا لشن هجوم عسكري على غزة، حيث لا يمكننا التسليم بوجود قاعدة صواريخ إيرانية وحمساوية في القطاع».

وقال وزير الداخلية، إيلي يشاي، زعيم حزب شاس لليهود الشرقيين المتدينين، في الموقف نفسه «إسرائيل ستكون مضطرة للقيام بعملية عسكرية في قطاع غزة إذا استمرت الاعتداءات الصاروخية الفلسطينية، ذلك أن للصبر حدودا». وقال نائب رئيس الحكومة ووزير الشؤون الاستراتيجية، موشيه يعلون، وهو من الليكود «ما من دولة بإمكانها القبول بمثل هذه الحالة، وإن المسؤولية عن إطلاق الصواريخ تقع على عاتق حماس على الرغم من أنها لا تقوم بذلك ميدانيا».

والانتقام لا يقتصر على الحرب، كما يتضح من تصريحات وأبحاث القادة الإسرائيليين. فقد حرص مسؤولون كثيرون على التأكيد أن إسرائيل رفضت قبول طلب حماس بأن تعطي حصانة للأسرى المحررين، وهدد نتنياهو بنفسه باغتيال الأسرى المحررين من دون محاكمة أخرى «من يعد لممارسة الإرهاب، سيكون دمه فوق رأسه»، قال أمام جلسة الكنيست (البرلمان الإسرائيلي). واقترح وزير المواصلات، يسرائيل كاتس، وهو مقرب من نتنياهو، مشروع قانون يلزم المحاكم الإسرائيلية بإصدار أحكام بإعدام من ينفذ عملية أو يرسل آخرين لتنفيذ عملية يقتل فيها إسرائيليون، وذلك بهدف ردع الفلسطينيين عن خطف جنود إسرائيليين.

وتوجه المحاضر الجامعي من مجلس المستوطنات في الضفة الغربية، حين بن إلياهو، برسالة مفتوحة إلى رئيس المخابرات العامة (الشاباك)، يورام كوهين، يدعوه فيها إلى «العمل»، مؤكدا أن المخابرات هي التي يجب أن تكون «بطلة المرحلة المقبلة». وقال «لقد فرحنا بعودة شاليط بعد 1941 يوما من الأسر في خنادق حماس الشريرة، لكن هذه الصفقة هي الأسوأ والأخطر في تاريخنا. ولكن، من أجل ألا تذهب هدرا دماء 599 من ضحايا عمليات الإرهاب التي نفذها المحررون، ومن أجل تحقيق العدل للعائلات الثكلى، ومن أجل إعادة الكرامة لحكومة إسرائيل وجهازها القضائي، يجب على كوهين، أن يكف عن تكريس جهوده لملاحقة الشباب المستوطنين الذين يبنون الوطن اليهودي، وأن يبدأ فورا بـ(معالجة) الأسرى الستين الذين تم إبعادهم للخارج والأسرى الـ110 الذين تحرروا إلى الضفة الغربية والقدس». ولا يتردد بن إلياهو في وصف هذه «المعالجة» قائلا «عبوة ناسفة تنفجر بالهاتف الجوال، رش السم عليهم في الشارع بواسطة مستعربين (رجال مخابرات متخفين باللباس العربي) أو تفجير سيارة». ويضيف «بعد ذلك، يجب معالجة أولئك القتلة الثقيلين الذين أرسلوا إلى قطاع غزة، بعزم وتصميم وبلا رحمة، فبالإضافة إلى الأساليب المعروفة، بالهاتف أو السم أو السيارة المفخخة، يمكننا هنا استخدام طائرات سلاح الجو». ويختتم مقاله في الموقع الإلكتروني التابع لإذاعة المستوطنين «القناة السابعة» (18 أكتوبر/ تشرين الأول 2011) «هكذا يمكننا أن نضمن أن يعاقب هؤلاء وألا يعودوا إلى ممارسة الإرهاب».

ومن المنتظر أن تصدر لجنة شمغار، التي كان قد شكلها وزير الدفاع، إيهود باراك، خصيصا توصياتها لتغيير معايير صفقات تبادل الأسرى في المستقبل، بحيث يصبح على أساس «واحد مقابل واحد أو واحد مقابل عشرة، ولكن ليس مئات الأسرى». وبرز بين المطالبين اللحوحين بهذا التغيير، الجنرال عوزي ديان، الذي كان نائبا لرئيس أركان الجيش ورئيسا لمجلس الأمن القومي في الحكومة. وهو اليوم عضو في قيادة الليكود ومقرب من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو. فقد دعا إلى وضع السياسة الجديدة على أساس منع أي إمكانية للنجاح في خطف أسير إسرائيلي. وقال إنه لا يستطيع إعطاء تفاصيل حول اقتراحاته، وإن قسما منها على الأقل يجب أن يبقى سرا عسكريا، لكنه لمح إلى أن التغيير يجب أن يبدأ من ساحة المعركة الأولى. وقد فهم هذا القول على أنه عودة إلى الأسلوب القديم المعروف بـ«أسلوب هانيبال». وهو القائد الكنعاني المعروف بخوفه على الجيش من اعترافات الأسرى، فأمر بعدم السماح للعدو بأن يأسر جنودا له حتى لو على حساب تصفية هؤلاء الجنود مع آسريهم. وحسب الكاتب الصحافي أوري أفنيري فإن الجيش الإسرائيلي اتبع هذا الأسلوب في زمن الجنرال موشيه ديان وفي حرب لبنان الأولى سنة 1982 وبعدها.

وعلى الطريق نفسه، أعد د.بوعز غنور، مدير عام معهد سياسة مكافحة الإرهاب في هرتسليا، دراسة خرج فيها باقتراح أن تقدم إسرائيل على إقامة «بنك من الأسرى» لغرض مبادلتهم مع أسرى إسرائيليين في المستقبل. وحسب هذا الاقتراح، يتم أسر قادة فلسطينيين ممن لا يوجد أساس قانوني لمحاكمتهم ووضعهم في معسكر اعتقال خاص، بينما يوضع الأسرى الذين يمكن محاكمتهم في السجون العادية. وفي حال وقوع إسرائيليين في الأسر، يتم التفاوض معهم فقط على تبادل أسرى، وأما المحكومون فلا يدخلون بأي حال من الأحوال في المساومات (دراسة أعدها لمعهده ونشرت عشية خروج الصفقة إلى حيز التنفيذ في سبتمبر/ أيلول 2011).

ويقول غانور إن معسكر اعتقال ينبغي أن يظل مليئا، فهذا أمر سهل التنفيذ خصوصا في المناطق القريبة من الحدود الإسرائيلية (الضفة الغربية وقطاع غزة وجنوب لبنان). فكما هو معروف في الحرب، أخذ الأسرى هو تقليد متبع.

وهكذا، فإن الإسرائيليين يستعدون لمرحلة ما بعد الصفقة، أو بكلمات أخرى «استكمال الصفقة». فهم لا يكتفون بما حققوه فيها، وقبل تنفيذها. ولا يريدون لها أن تكون مجرد نموذج آخر من نماذج الصفقات السابقة، حتى يستعيد نتنياهو لنفسه شخصية «مكافح الإرهاب»، بدلا من شخصية «القائد الذي يرضخ لكل ضغط».