نهاية 2011 تسدل الستار على الوجود العسكري الأميركي.. وتضع العراق على أعتاب المجهول

نصف الشعب العراقي يرى أن الأميركيين تركوا وراءهم بلدا ممزقا

رتل عسكري أميركي يعبر الحدود من العراق إلى الكويت استعدادا للرحيل (أ.ب)
TT

لم يعبر العراقيون عن أي مظاهر فرح بالانسحاب الأميركي من العراق الذي كان في صدارة التطورات التي شهدتها البلاد في عام 2011. الأسباب التي تقف وراء ذلك كثيرة. في المقدمة من هذه الأسباب أن الشارع العراقي بات على قناعة أن هذا الانسحاب لن يغير من حقيقة كون النفوذ الأميركي في البلاد بات يتعدى مسألة الوجود العسكري بما يقتضيه من نفقات باهظة بالإضافة إلى أن الأميركيين تركوا بلادا مخربة مما يستدعي محاسبتهم ومساءلتهم عما فعلوه وليس الفرح بمجرد انسحابهم وهو ما بات يميل إليه الأميركيون أصلا وكما عبروا عن فرحتهم بهذا الانسحاب الذي جاء مثلما يرى الكثيرون وكأنه «نصر» بطعم «الهزيمة».

والأهم من ذلك أن نحو نصف الشارع العراقي يرى أن الأميركيين تركوا وراءهم عراقا ممزقا وطبقة سياسية لم تستطع السيطرة بالكامل على مقاليد الأمور. فضلا عن وجود انطباع لدى قطاعات واسعة من الرأي العام العراقي بأن الأميركيين سلموا العراق لإيران. أميركيا بدا الأمر مختلفا تماما. فالرئيس الأميركي الديمقراطي باراك أوباما الرافض للحرب على العراق عند اندلاعها عام 2003 على عهد سلفه الجمهوري بوش الابن، قدر له أن يحتفل وسط جنوده العائدين إلى بلادهم بـ«نصر» يسعى لتسويقه من أجل استئناف بقائه في البيت الأبيض لأربع سنوات أخرى. بوش كان أكثر استعجالا بما لا يقاس من أوباما عندما أنهى الحرب على العراق من طرف واحد نهاية الشهر الخامس عام 2003 بينما لم تكن الحرب على مستويات أخرى ومن أبرز تجلياتها فيما بعد المقاومة المسلحة قد بدأت بعد. فالجيوش الأميركية التي دخلت العراق والعاصمة بغداد تحديدا يوم التاسع من أبريل (نيسان) عام 2003 لم تكن قد خسرت سوى أعداد قلائل من الجنود والمعدات ومن بينها الدبابات، ولم تواجه على امتداد الطريق من أم قصر إلى بغداد سوى مقاومة أقل من المتوقع كان أهمها في بلدة أم قصر ذاتها ومن قبل إحدى الفرق العسكرية. هذا النصر الذي بدا سهلا أول الأمر أصاب الرئيس بوش الابن بالغرور فكان أن أعلن ما سماه «نهاية الحرب» على العراق آنذاك.

بالنسبة للعراقيين كان الأمر أشبه بالصدمة منذ سنة الاحتلال الأولى وحتى السنة الأخيرة حيث الانسحاب. الصدمة بدأت بالإجراءات التي بدت حمقاء تلك التي اتخذها الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر ومنها حل الجيش والأجهزة الأمنية والمخابراتية والاستخبارية فضلا عن اجتثاث البعث. كان هذا الإجراء كفيلا ببدء الصفحة التي تحولت إلى أكثر صفحات الحرب إيلاما للأميركيين عندما اعترفوا وعلى لسان الرئيس الرافض للحرب أيام كان سيناتورا أوباما نحو 4500 جندي أميركي بالإضافة إلى عشرات آلاف المعاقين ناهيك عن الخسائر بالمعدات ويضاف إلى ذلك التكلفة المالية للحرب والتي تقول المصادر الأميركية إنها تزيد على التريليون دولار، بينما يرى كبار خبراء الاقتصاد الأميركي والغربي أنها تبلغ نحو 3 تريليونات دولار.

أوباما وأمام جنوده سعى إلى المزيد من إضافة ما اعتبره مكاسب جانبية من هذه الحرب إلى رصيده وذلك من قبيل تأكيده أن نهاية الحرب أصعب من بدايتها. ولأنه ينظر إلى الأمر كله من زاوية مصلحة بلاده أولا فإنه ينظر إلى ما قامت به الولايات المتحدة الأميركية في العراق باعتباره أمرا في غاية الأهمية ويتمثل تحديدا طبقا لما قال هو أن الولايات المتحدة تترك وراءها عراقا ذا سيادة ومستقلا يعتمد على نفسه مع حكومة انتخبها شعبها. لكن ما قاله أوباما عن العراق الجديد ذي السيادة بات هو جوهر الإشكالية السياسية في بلاد لا تزال تعاني وبعمق من التناحر السياسي العميق والذي كان قد تسبب خلال السنوات الماضية بواحد من أسوأ وأعنف الحروب الطائفية في العصر الحديث.

ليس هذا فقط فإن الانسحاب الأميركي جرى تسويقه في العراق بصيغ وأساليب مختلفة لا تخلو من الدعاية الإعلامية لهذا الطرف أو ذاك لا سيما على صعيد اللجوء إلى نفس استعارات صدام حسين وولعه بالأسماء إلى الحد الذي أطلق فيه على الانسحاب الأميركي من العراق تسمية «يوم الوفاء» في وقت تتناحر فيه الكتل السياسية فيما بينها بشان هذا الانسحاب مرة بالمزيد من إضفاء ألقاب الاحتلال ومقابله المقاومة ومرة بالخوف من المستقبل المجهول بعد الانسحاب وثالثة على صعيد كيفية التعامل مع قضية التدريب والمدربين وأعدادهم وهل يمكن أن يكونوا بحصانة أم من دونها. وإذا كان للنصر ألف أب بينما للهزيمة أب واحد مثلما يقال فإن الحرب الأميركية على العراق سوف تدخل كما قال أوباما في خطابه أمام جنوده «صفحات التاريخ بعد حين» بوصفها واحدة من أكثر الحروب التي ربما يشيب رأس التاريخ بسببها. فالأسئلة لا تزال معلقة في الهواء ليس على صعيد تبرير الانسحاب من قبل هذا الطرف أو الاحتفال به من قبل طرف آخر بل هذه المرة من قبيل هل فعلا بلغ السياسيون العراقيون سن الرشد السياسي دون أن يتدخل البيت الأبيض في واشنطن أو السفارة الأميركية في بغداد في تدارك الحرب بين.. عبس وذبيان؟