السودان دولتان

اندلاع الحرب في آبيي وجنوب النيل الأزرق ومقتل زعيم «العدل والمساواة» أبرز ملامح 2011

مقترعون من جنوب السودان ينتظرون للإدلاء بأصواتهم خلال الاستفتاء على استقلال جنوب السودان في يناير الماضي (إ.ب.أ)
TT

يعتبر عام 2011 في السودان عاما مهما في تاريخ السودان الحديث، إذ صوت الجنوبيون في استفتاء على حق تقرير المصير، في التاسع من يناير (كانون الثاني) لصالح انفصال إقليمهم، ليصبح دولة جديدة، اعتبارا من يوليو (تموز) الماضي، ويرفع علمها لاحقا فوق سماء الأمم المتحدة بنيويورك، واعترفت بها الخرطوم وكذا العديد من الدول.

وجاءت خطوة قيام دولة جديدة في جنوب السودان، نتيجة لتوقيع اتفاقية السلام الشامل بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في نيفاشا الكينية في التاسع من يناير من عام 2005 التي أنهت أكثر من 50 عاما من الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، على فترتين، منذ الخمسينات وحتى عام 1972 بتوقيع اتفاقية سلام في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري تعرف باتفاقية أديس أبابا التي وقعها مع متمردي حركة تحرير جنوب السودان بزعامة الجنرال جوزيف لاقو، واستمرت هدنة عملية السلام لعشر سنوات، لتندلع الحرب مرة أخرى عام 1983، وحتى 2005 تاريخ توقيع اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية التي كان يقودها الدكتور جون قرنق. لم يكن الطريق نحو استقلال الجنوب الذي احتفل شعبه في التاسع من يوليو الماضي بإعلان الدولة رقم (193) في الأمم المتحدة مفروشا بالورود. حيث شهدت منطقة آبيي المتنازع عليها بين الجانبين والتي تسكنها قبائل جنوبية (دينكا نقوك)، وشمالية (المسيرية) ذات الأصول العربية، اندلاع أعمال عنف شديدة أدت إلى تدخل الجيش السوداني ليفرض سيطرته على المنطقة. وكان يفترض أن يتم إجراء استفتاء في المنطقة متزامنا مع استفتاء جنوب السودان، لكن الطرفين في المؤتمر الوطني الحاكم في الشمال والحركة الشعبية في الجنوب فشلا في التوصل إلى اتفاق على إجراء الاستفتاء، مما أدى إلى حدوث توترات أدت إلى مواجهات عسكرية عدة مرات آخرها في مايو (أيار) الماضي. وهو ما دفع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي إلى التدخل لنشر قوات إثيوبية تحت قبعات الأمم المتحدة، وما زالت المنطقة مرشحة للتصعيد في أي وقت في حال عدم انسحاب الجيشين وتنفيذ الاتفاقية التي وقع عليها الطرفان في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في العشرين من يونيو (حزيران) الماضي، والتي تم تجديدها في أكتوبر (تشرين الأول) من هذا العام.

كان اندلاع الحرب في منطقتي جنوب كردفان في يونيو الماضي، وفي النيل الأزرق في سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى جانب التوترات والاتهامات المتبادلة بين الخرطوم وجوبا في دعم متمردي كل بلد ضد الآخر علامة فارقة قد تشعل حربا شاملة في المنطقة تمتد من دارفور في غرب السودان وحتى شرق البلاد ومن شماله حتى دولة الجنوب، وكانت من أسباب الحرب في المنطقتين رفض الحركة الشعبية في الشمال والتي انفصلت عن الحركة الأم بعد انفصال جنوب السودان، تجريد قوات الجيش الشعبي في جنوب كردفان والنيل الأزرق والتي كانت تقاتل إلى جانب الجنوبيين في الحرب الأهلية التي استمرت لأكثر من (22) عاما، كما أن الحركة في الشمال تطالب بوضع دستور جديد في شمال البلاد يستوعب المتغيرات بعد انفصال الجنوب.

ومع توصل الطرفين إلى اتفاق إعلان مبادئ في أديس أبابا في يونيو إلا أن البشير رفض الاتفاقية، مما أشعل نيران الحرب في جنوب كردفان التي تشترك في حدود مع دولة الجنوب، وسرعان ما انضمت إليها منطقة النيل الأزرق التي لديها حدود مع دولتي جنوب السودان وإثيوبيا في سبتمبر الماضي، أدت إلى مقتل الآلاف من المواطنين، وفرار أكثر من 400 ألف إلى إثيوبيا في معسكرات اللاجئين.

وتتبادل الخرطوم وجوبا الاتهامات بينهما في دعم معارضي كل بلد ضد الآخر، إلى أن وصل الأمر بينهما بتقديم شكاوى إلى مجلس الأمن الدولي.

ورغم حث المجتمع الدولي البلدين على وقف حرب الوكالة، فإن الأوضاع تشهد تصاعدا على حدودهما التي لم يتم ترسيمها حتى بعد إعلان دولة الجنوب، إلى جانب عدم حسم قضايا عالقة أخرى مثل رسوم عبور نفط الجنوب إلى موانئ الشمال للتصدير، وحرب العملات، وأوضاع الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب، جميع هذه القضايا أصبحت متحركة، وقد تستمر إلى فترة أخرى، وكان تشكيل الجبهة الثورية السودانية وهو تحالف يضم الحركة الشعبية في الشمال، وحركات دارفور من العدل والمساواة، وفصيلي تحرير السودان في نوفمبر (تشرين الثاني) من هذا العام، يمثل منعطفا جديدا في الصراع السياسي في السودان.

في يوليو الماضي وبعد انفصال الجنوب بأيام، وقعت الخرطوم مع حركة التحرير والعدالة التي يقودها دكتور التجاني سيسي اتفاق سلام في دارفور يعرف باتفاق الدوحة التي رعت المفاوضات مع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، غير أن الاتفاقية فشلت في جلب أكبر فصائل التمرد لا سيما حركة العدل والمساواة وكذلك فصيلا تحرير السودان بقيادة مني اركو مناوي وعبد الواحد محمد نور.

تأخير إعلان تشكيل الحكومة في الخرطوم لأكثر من أربعة أشهر كان من أبرز قضايا هذا العام، خاصة أن التشكيل يأتي بعد انفصال جنوب السودان، وكان من أسباب التأخير فشل المؤتمر الوطني الحاكم من استقطاب أحزاب المعارضة، غير أن الحزب الحاكم نجح في ضم الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) بزعامة محمد عثمان الميرغني، للمشاركة في الحكومة بمنصبي مساعد ومستشار للرئيس وعدد من الوزارات، وقد نال نجل رئيس الحزب الصادق جعفر محمد عثمان الميرغني منصب مساعد الرئيس البشير، ورغم رفض حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي المشاركة في الحكومة فإن نجله الأكبر العقيد في القوات المسلحة عبد الرحمن قد شارك بمنصب مساعد للرئيس البشير أيضا، وبعد التشكيل مباشرة أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) الحالي أنه تقدم بطلب مذكرة اعتقال ضد وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين لاتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وشهد العام الحالي 2011 عودة الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق وهي مناطق كانت تقع ضمن نطاق الحرب السابقة بين الحركة الشعبية والحكومة المركزية في الخرطوم. كما شهدت قتلا مريرا في منطقة آبيي المتنازع عليها بين الشمال والجنوب.

كانت زيارة رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت إلى إسرائيل في العشرين من ديسمبر الحالي من المعالم البارزة هذا العام، وقد شكلت هاجسا إقليميا لبعض الدول بما فيها جارتها في الشمال، التي عبرت عن قلقها من أن تتخذ تل أبيب من جوبا مطية للتوغل واستهداف مياه النيل.

انتهى عام 2011 مثلما بدأ بتوترات في أقاليمه، حيث يتوقع أن تشهد دارفور بعد مقتل زعيم حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم في منطقة بشمال كردفان تصعيدا عسكريا في العام المقبل، وباعتراف وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين الذي حذر من أن العام المقبل سيشهد مخاطر اقتصادية واستراتيجية تهدد أمن البلاد.