عيد العرش محطة لبلورة تفكيرمعمق حول حاضر ومستقبل المجتمع المغربي

محمد نبيل بنعبد الله

TT

يكتسي الاحتفال بعيد العرش في المغرب دلالة كبيرة، ويمثل لحظة قوية في حياة البلاد، ليس فحسب باعتباره مناسبة لتجديد الروابط المتينة القائمة بين المؤسسة الملكية والشعب، ومحطة لبلورة تفكير معمق حول حاضر ومستقبل المجتمع المغربي، ولكن أيضا لكونه فرصة لوضع حصيلة الإنجازات والإصلاحات والأوراش التنموية المحققة، ومناسبة سانحة لإطلاق مشاريع جديدة في إطار انخراط إرادي في سلسلة من الإصلاحات الهيكلية، التي انضافت إلى إصلاحات مهمة بوشرت من قبل، لتسهم، بشكل جلي، في جعل المغرب يتبوأ مكانة متقدمة في مجال الدمقرطة، والتحديث والتنمية.

وباستحضار حصيلة المنجزات، منذ اعتلاء الملك محمد السادس عرش أسلافه المنعمين، قبل 14 سنة، نجدها وافرة على مختلف المستويات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والثقافية، من قبيل تكريس الخيار الديمقراطي وتوسيع فضاء الحريات وحقوق الإنسان، بعد إنجاح تجربة «الإنصاف والمصالحة»، وفتح أوراش ومشاريع مهيكلة كبرى، ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية مهمة، رغم الظرفية الدولية والجهوية غير المشجعة، خاصة في سياق الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وتطوير فكرة الحل السياسي القائم على الجهوية الموسعة لتسوية النزاع المفتعل حول قضية الصحراء المغربية، من خلال تقديم مشروع الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية للمملكة، تحت السيادة المغربية، وإقرار «مدونة الأسرة» في ظل توجه واضح نحو الإنصاف الكامل للمرأة، ورد الاعتبار للغة والثقافة الأمازيغيتين كمكونين أساسيين من مكونات الهوية المغربية، وجعل التجاوب مع الانتظارات الاجتماعية انشغالا حقيقيا ودائما (إنجاح برنامج «راميد» المتعلق بالتغطية الصحية، نموذجا)، وغير ذلك من المكتسبات الديمقراطية المهمة التي جرى تثبيتها في الدستور الجديد، الذي حظي بموافقة شعبية لامست الإجماع، وشكل اعتماده قفزة نوعية في مسار البناء الديمقراطي في المغرب، بفضل التفاعل الخلاق مع ما عرفته البلاد من حراك شعبي واسع في سياق ما بات يتعارف عليه بالربيع العربي، أو بالأحرى الربيع الديمقراطي، بما له وبما عليه.

لقد خطا المغرب، منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش، خطوات جبارة على طريق إرساء أسس الدولة الديمقراطية العصرية وبناء صرح المجتمع الديمقراطي الحداثي. واستعراض المنجزات المحققة، في هذا المجال، ليس هدفا في حد ذاته، ولا هو لمجرد التباهي، وإنما للتمعن والتفكر والتدبر، أي لقياس ما جرى قطعه من أشواط، وما لا يزال ينتظرنا من مشوار، وذلك في ظل استحضار المتغيرات والتطورات الحاصلة محليا وجهويا ودوليا، وبالتالي ضرورة إدراك مدى الكم الهائل من التحديات الكبرى التي تواجه المغرب، وما يستتبعه ذلك من تعبئة شاملة وجهود جهيدة.

ومما لا شك فيه أن مناسبة تخليد عيد العرش، التي تكتسي هذه السنة طابعا مميزا، فرصة مواتية لإعطاء دفعة جديدة لمسار الإصلاح في اتجاه مواصلة مباشرة أوراش التفعيل السليم لمضامين الدستور الجديد المتقدمة في مختلف أبعادها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واستثمار كل فرص التقدم المتاحة، وذلك من خلال الارتكاز على مؤسسات قوية، متجددة وقادرة على صنع التغيير المنشود، في ظل الاستقرار المحمود، وفي الأفق الاستراتيجي المتمثل في بناء مغرب الكرامة والتقدم والعدالة الاجتماعية.

* الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة