المبادرات الملكية ميزها الحس الاستباقي في الطرح وقوة التصدي للملفات الشائكة

مصطفى باكوري

TT

مرور 14 سنة من حكم جلالة الملك محمد السادس ليست بالهينة، بدءا من مرحلة الانتقال السلس للحكم من ملك بصم بطابعه الخاص فترة حكمه وأضفى عليها الكثير من ملامح شخصيته استحق معها تسميته «باني المغرب الحديث»، إلى ملك شاب فرض أسلوبا ومضمونا جديدين في منهجية تدبير الحكم والتعاطي مع قضايا الوطن والمواطنين بعد إنهاء مرحلة الجدل حول شرعية المؤسسات.

لقد توخت المقاربة الملكية على مدار 14 سنة من حكم الملك محمد السادس الاعتماد على ثنائية القرب والمصالحة، حيث اتسمت المبادرات الملكية منذ البداية بالحس الاستباقي في الطرح والقوة في التصدي للملفات الشائكة بحنكة القائد الملهم في الفعل والإنجاز في العمل الميداني والمعاينة المباشرة والتواصل الشعبي، رغم ما يكتنف هذا الاختيار من جهد وطاقة زائدة ومن متابعة ومواكبة متعبة، وبذلك انتقلنا من مرحلة الصراع حول شرعية المؤسسات إلى مرحلة تثبيت شرعية الإنجازات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.

الملك محمد السادس، وإن ورث بلدا مستقرا ومؤسسات قائمة وجوارا متحكما فيه، لحد ما، فإنه لم يكتف بمقولة «ليس بالإمكان أفضل مما كان»، لا سيما أنه وجد في المقابل وضعا اجتماعيا صعبا لفئات واسعة من شرائح المجتمع المغربي يعيش أفرادها تحت عتبة الفقر، ويعانون الهشاشة. لذلك، آل الملك محمد السادس على نفسه مواجهة هذه المعضلة بكثير من العمل ونكران الذات، وذلك عبر إطلاق «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية» الحبلى بالأوراش الكبرى والرامية إلى التخفيف من حدة التفاوتات المجالية والبشرية ورفع الحيف عن سكان المغرب العميق.

14 سنة قد لا تعني شيئا في عمر الشعوب، لكنها في عهد الملك محمد السادس، كانت مكثفة وحافلة، بدأت بخطوات تحديثية وبنهج مستمر وثابت، حيث عكف الملك على فتح ورش إصلاح القضاء في إطار مهام الإمامة العظمى، وكذا الاعتناء بالأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأنسنة السجون، وإصلاح «مدونة الأسرة» على قاعدة عدم تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه، علاوة على إصلاح الشأن الديني في إطار صيانة المذهب السني المالكي المبني على الوسطية والاعتدال ونبذ العنف والتطرف، والحرص على ضمان التعايش الديني بين جميع المكونات في إطار مسؤوليته كأمير للمؤمنين. أما على المستوى الخارجي، فنسجل النجاح المستمر وتحصين مكاسب المملكة في محيطها الإقليمي والجهوي والدولي بفضل الدبلوماسية الملكية مع التوغل في العمق الأفريقي لتعزيز الوجود المغربي وتقوية جذوره في القارة السمراء، وقبل ذلك شكل عمل هيئة الإنصاف والمصالحة قطيعة كبرى مع ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

14 سنة أبت إلا أن تتوج بدستور جديد وانتخابات سابقة لأوانها، أفرزت حكومة منتخبة كانت نتاجا للتجاوب الملكي مع الحراك المغربي من خلال خطاب تاريخي يوم 9 مارس 2011، وهو الخطاب الذي جاء في سياق أجندة ومسار إصلاحي سابق.

أربع عشرة سنة من الحكم سجلنا فيها أن الملك محمد السادس ظل دائم المبادرة والمثابرة والفعل، وما فتئ يحث الفاعلين السياسيين على الاضطلاع بمهامهم، حيث ظل يشتغل بسرعة لم يقو بعض الفاعلين على مسايرته فيها، حتى أضحى جلالته عنوانا للفعالية والإنجاز، مسلحا بذلك بمشروع تنموي ديمقراطي حداثي مشفوع بمشروعية دينية وتاريخية ودستورية..

14 سنة من الانخراط الشخصي والتواصل الميداني والحرص المباشر على إطلاق المشاريع وتتبعها، حتى أضحى الملك محمد السادس أقرب إلى الفاعل الاجتماعي المشبع بالقيم الإنسانية منه إلى رئيس الدولة.

* الأمين العام لحزب «الأصالة والمعاصرة» المعارض