«ميثاق الإقلاع الصناعي» والمخططان الأخضر والأزرق.. مبادرات ملكية غيرت وجه الاقتصاد المغربي

سياسة العهد الجديد الاجتماعية والإصلاحات الكبرى هيأت أرضية خصبة لإنجاح البرامج التنموية

الملك محمد السادس لدى اعطائه انطلاقة أحد مشاريع التنمية في بلاده («الشرق الأوسط»)
TT

أعاد الملك محمد السادس منذ توليه الحكم توجيه دفة الاقتصاد المغربي عبر إطلاق ترسانة من الإصلاحات الهيكلية والقطاعية الواسعة المدى والعميقة، التي أحدثت طفرة نوعية في بنية النسيج الاقتصادي المغربي، مع الرفع من وتيرة نموه وقدرته على التشغيل وخلق الثروات.

فبتوجيه مباشر وإشراف شخصي منه جرى اعتماد مقاربة مبتكرة في صياغة وتنفيذ السياسات التنموية ترتكز على التعاقد بين الحكومة والقطاع الخاص حول برامج قطاعية محددة المعالم والأهداف، وتتضمن التزامات كل طرف وفق جدول زمني واضح.

وتقوم هذه المقاربة المجددة على تحديد واختيار القطاعات الإنتاجية التي يتوفر فيها المغرب على أفضل الفرص والمزايا في سياق التنافسية العالمية، بناء على دراسات دقيقة وعميقة بمساهمة مكاتب خبرة عالمية. وعلى أساسها تجري صياغة برامج تنموية خاصة بهذه القطاعات وفق مقاربة تشاركية منفتحة يساهم فيها كافة الفاعلين والمتدخلين في القطاع المعني، سواء من الحكومة والقطاع الخاص. وبعد التوصل إلى خطة استراتيجية توافقية، تحظى برضا جميع الأطراف وانخراطهم، يجري التوقيع عليها من طرف الجميع أمام الملك، وبذلك تصبح هذه البرامج التعاقدية، والأهداف والالتزامات التي تتضمنها، شأنا وطنيا رفيع المستوى، يتجاوز نطاق البرامج الحكومية الخاصة، ويستمد استمراريته من استمرارية الدولة والتزاماتها، وبالتالي لا يتغير بتغير الحكومات.

الميزة الأخرى لهذه المقاربة التنموية المجددة تتجلى في تصريف هذه الاستراتيجيات على كامل التراب الوطني بطريقة تضمن استفادة كل المناطق منها حسب قدراتها بشكل منصف ومن دون إقصاء، من خلال نهج مقاربة مماثلة لإعداد مخططات تنموية على المستوى الجهوي. فبعد اعتماد البرنامج الوطني لكل قطاع من القطاعات التي اختيرت تبدأ مرحلة جديدة تتمثل في فتح نقاش حول البرنامج التعاقدي على مستوى المناطق بمشاركة كافة الأطراف المعنية، من سلطات ترابية ومركزية، وقطاع خاص ومنتخبين، من أجل التوصل إلى برنامج تعاقدي خاص بالمنطقة يتضمن بدوره أهدافا مرقمة وتحديدا لوسائل وآجال الإنجاز وفق التزامات كل طرف.

ووجدت هذه الاستراتيجيات أرضية خصبة لتؤتي أكلها في مغرب محمد السادس، بفضل الإصلاحات السياسية والاجتماعية العميقة التي قادها بنفسه، والتي وفرت أرضية صلبة للاستقرار وترسيخ ثقة واحترام المستثمرين المحليين والدوليين، وإطلاق مشاريع ضخمة لإنشاء البنيات التحتية من توسيع شبكة الطرق البرية وبناء موانئ ذات أبعاد دولية، وتعزيز آليات تشجيع الاستثمار، وتكريس انفتاح المغرب من خلال إبرام اتفاقيات للتجارة الحرة مع أكثر من ثلاثين بلدا عبر العالم، الشيء الذي رشح المغرب ليكون منصة للاستثمار والتصدير في اتجاه سوق حرة مترامية الأطراف.

ويقول سعد الحمومي، رئيس لجنة المقاولات الصغرى لدى الاتحاد العام لمقاولات المغرب: «عندما تولى الملك محمد السادس الحكم عمل على توسيع وتسريع الإصلاحات السياسية الكبرى التي بدأها والده الملك الحسن الثاني. وأعطى الملك محمد السادس لهذه الإصلاحات، خاصة في مجال توسيع الحريات وحقوق الإنسان والنهوض بأوضاع النساء ورد الاعتبار للمعتقلين السياسيين، أبعادا عززت صورة المغرب كنموذج للانفتاح والحريات، وجعلته يحظى بثقة المجتمع الدولي والمحلي للأعمال والاستثمار».

وأضاف الحمومي أن السياسات الاجتماعية الجديدة التي أطلقها العاهل المغربي، خاصة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتعميم التغطية الاجتماعية وتعدد المبادرات الهادفة إلى التخفيف من الفقر، كلها ساهمت في خلق المناخ الاجتماعي الهادئ والمطمئن الضروري لدعم الاستقرار وتعزيز الثقة.

وفتح التوجه الجديد في سلوك الحكومة التي أصبحت تتعامل كشريك للقطاع الخاص، وهو السلوك الذي طبع كل الحكومات المتعاقبة منذ تولي الملك محمد السادس، آفاقا جديدة أمام التنمية الاقتصادية والاستثمار، والتي عززها وضوح الرؤية التي وفرتها المخططات التنموية القطاعية بالنسبة للمستثمرين. ويضيف الحمومي أن إحداث الوكالة المغربية للاستثمار والمراكز الجهوية للاستثمار، التي تلعب دور الشباك الوحيد بالنسبة للمستثمر، وتساعده على حل المشاكل، وتخطي العقبات التي تواجهه، لعبت دورا رئيسيا في الرفع من جاذبية المغرب، وتحسين درجته في الترتيب الدولي لمناخ ممارسة الأعمال.

في غضون ذلك, تضاعف حجم الاستثمارات المنجزة سنويا في المغرب خلال هذه الفترة بأكثر من ثلاث مرات، إذ انتقل من 82 مليار درهم (9.6 مليار دولار) عام 1999 إلى 260 مليار درهم (30.6 مليار دولار) في 2012. وخلال الفترة نفسها تضاعف حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب أربع مرات ليصل إلى نحو 400 مليار درهم (47 مليار دولار) عام 2012.

وارتفع حجم الناتج الداخلي الإجمالي بنسبة 140 في المائة خلال هذه الفترة، منتقلا من مستوى 345 مليار درهم (40.6 مليار دولار) عام 1999 إلى 828 مليار درهم (97.4 مليار دولار) عام 2012. وترافق هذا النمو مع تحول نوعي في بنية النسيج الاقتصادي المغربي، في اتجاه تراجع مكانة الزراعة في تكوين الناتج الداخلي الإجمالي لفائدة القطاعات الخدماتية، ما يؤشر إلى توجه نحو عصرنة النسيج الإنتاجي وتنويع مصادر النمو الاقتصادي. كما عرفت هذه الفترة انتقالا لوزن النمو الاقتصادي نحو القطاعات غير الزراعية، التي عرفت نموا قارا أعلى من 4.5 في السنة خلال هذه الفترة، والذي خفف من ارتباط وتيرة نمو الاقتصاد المغربي بمتغيرات الإنتاج الزراعي نتيجة تقلبات الظروف المناخية من سنة إلى أخرى، وحساسية المداخيل السياحية للأزمات والصدمات الدولية.

* ميثاق الإقلاع الصناعي لفك ارتباط النمو بالتقلبات المناخية

* في هذا السياق، ومن دون إغفال قطاعات السياحة والزراعة، التي حظيت لمدة طويلة بطابع الأولوية في السياسات الإنمائية لاعتبارات سياسية واجتماعية واقتصادية، قرر المغرب في منتصف العقد الماضي رد الاعتبار للصناعة كرافعة للنمو والتشغيل. وبعد دراسات ومشاورات عميقة مع كل الفاعلين جرى في فبراير (شباط) 2009 التوقيع أمام الملك محمد السادس على «ميثاق الإقلاع الصناعي» من طرف الحكومة وممثلي القطاع الخاص. ويقول عبد القادر عمارة، وزير الصناعة والتجارة والتقنيات، لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الميثاق شكل إطارا تعاقديا لتعبئة كل الفعاليات الحكومية والخاصة وتنسيق مبادراتها وتكثيف جهودها من أجل بناء قطاع صناعي قوي، من خلال تقديم رؤية مستقبلية واضحة للمستثمرين حول ما سيكون عليه القطاع الصناعي المغربي». وأضاف عمارة: «من خلال هذا المخطط أصبحنا نتوفر على خارطة طريق تروم الرفع من القدرات التصنيعية للمغرب في عدد من المهن التي اصطلحنا على تسميتها (المهن العالمية)، وهي أساسا: صناعة السيارات، وصناعة الطيران، وصناعة الإلكترونيات، وترحيل الخدمات، وصناعة النسيج والجلد، والصناعات الغذائية، والتي أضفنا لها مطلع العام الحالي الصناعات الكيماوية وشبه الكيماوية وصناعة الأدوية».

ووضع ميثاق الإقلاع الصناعي إطارا تحفيزيا لتشجيع الاستثمار في القطاعات الصناعية التي اختيرت كمهن عالمية مستقبلية للمغرب. والتزمت الحكومة في هذا الإطار بتقديم مساعدات تحفيزية للاستثمار بنسبة 15 في المائة من قيمة الاستثمار عن طريق صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإنشاء مناطق نشاط وفضاءات صناعية من الجيل الجديد تحترم أجود المعايير الدولية، مع اعتماد وتيرة سريعة في إعداد وإنجاز هذه الفضاءات؛ إذ أصبح المغرب يهيئ سنويا 200 هكتار من العقار الصناعي المجهز مقابل 40 هكتارا سنويا قبل تنفيذ الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي.

وأوضح عمارة أن ثماني مناطق صناعية مندمجة جرى إنجازها، من بين 16 منطقة مبرمجة في إطار الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي في أفق 2015.

وتضمنت الاستراتيجية أيضا برنامجا لتأهيل الموارد البشرية عبر خلق مراكز للتكوين بكل من الدار البيضاء والقنيطرة وطنجة قصد تسريع وتيرة التكوين وتأهيل العنصر البشري وملاءمته لمسايرة حاجيات المستثمرين من اليد العاملة المؤهلة. وجرى وضع إطار تحفيزي يتم بموجبه تقديم دعم مهم للشركات العاملة في القطاع عن طريق منح مساهمات مالية لتغطية تكاليف تكوين المستخدمين الجدد التي قد تصل إلى 66 ألف درهم (7.8 ألف دولار) للفرد على مدى السنوات الثلاث الأولى.

وقال عمارة إن تطبيق مخطط الإقلاع الصناعي حقق نتائج جيدة رغم الصعوبة المرتبطة بتداعيات الأزمة العالمية. وأضاف: «حتى نهاية سنة 2012 جرى إحداث أكثر من 110 مناصب شغل إضافي في مجال هذه المهن، وتحقيق 34 مليار درهم (4 مليارات دولار) كقيمة مضافة صناعية، واستقطاب نحو 24 مليار درهم (2.8 مليار دولار) كاستثمارات أجنبية مباشرة، وتصدير إضافي في حدود 21 مليار درهم (2.5 مليار دولار). وبذلك نكون قد حققنا نسبة 50 في المائة من الهدف المحدد فيما يخص خلق فرص الشغل، و68 في المائة من حجم المساهمة المستهدفة لهذه المهن في الناتج الداخلي الإجمالي، و22 في المائة من الصادرات الإضافية».

بالنسبة لقطاع ترحيل الخدمات، أنشأت مناطق نشاط متخصصة في الدار البيضاء (كازانيرشور) وفي الرباط (تيكنوبوليس)، وجرى تسليم 250 ألف متر مربع من المكاتب لنحو 90 شركة مستثمرة في هذا القطاع. كما شرع في تسليم مكاتب أخرى في مناطق النشاط التي أنشئت في مدينتي فاس وتطوان. وبلغ عدد العاملين في قطاع ترحيل الخدمات 57 ألف شخص في نهاية 2012. وللحفاظ على جاذبية ومكانة المغرب بالنسبة لقطاع ترحيل الخدمات، أطلقت أخيرا دراسة جديدة لتقييم العرض المغربي بالنسبة للمستثمرين في هذا القطاع.

أما بالنسبة لقطاع صناعة السيارات، فعرف بدوره نقلة نوعية مع تدشين مصنع «رونو» الضخم في طنجة في فبراير 2012، الذي تبلغ طلقته الإنتاجية 340 ألف سيارة في السنة. وبفضل هذا المشروع شكل المجمع الصناعي للسيارات في طنجة قطب جاذبية للشركات المتخصصة في تصنيع أجزاء وقطع غيار السيارات من أوروبا وأميركا، إذ فتحت نحو 20 شركة صناعية عالمية فروعا لها حول مشروع «رونو» الضخم. وأشار عمارة إلى أن مجموع الاتفاقيات التي وقعتها الحكومة حتى الآن مع هذه الشركات مكنت من خلق ما يفوق 3200 منصب شغل مباشر وإنجاز استثمارات تناهز 1.6 مليار درهم (188 مليون دولار). كما شكل مشروع «رونو» قاطرة للرقي بالصناعات المحلية لمكونات وأجزاء السيارات. وعرفت قيمة الصادرات السنوية لصناعة السيارات زيادة بنسبة 125 في المائة ما بين 2009 و2012.

أما صناعة الأجزاء والمكونات التي تدخل في صناعة الطيران، فعرفت بدورها توسعا قويا في سياق التحفيزات التي يوفرها مخطط الإقلاع الصناعي. ويقول حميد بن إبراهيم الأندلسي، المندوب العام لـ«مجموعة سافران للصناعات الفضائية والطيران» ورئيس الجمعية المغربية لصناعات الطيران والفضاء، لـ«الشرق الأوسط»: «أصبح قطاع صناعة الطيران في المغرب يضم 106 شركات، تشغل أكثر من 10 آلاف شخص ذوي كفاءات عالية، وبلغت قيمة صادراته 6.5 مليار درهم (765 مليون دولار) عام 2012، بزيادة 56 في المائة مقارنة مع 2009».

وأضاف الأندلسي أن القطاع أصبح يغطي سلسلة واسعة من المنتجات والخدمات، إنتاج معدات وأجزاء ومكونات إلكترونية، خدمات الصيانة والتركيب والاستشارة، ويضم فروعا لمجموعات دولية كبرى مثل «بوينغ» و«سافران» و«بومبارديي»، بالإضافة إلى العديد من المتعهدين الأوروبيين. وقال: «اليوم نحن بصدد ولوج مرحلة أكثر تقدما واستقبال شركات جديدة ومنتجات وخدمات عالية المستوى. لذلك نحن بصدد مضاعفة القدرات الاستيعابية لمركز التكوين المتخصص في مجال صناعة الطيران، والذي أنشئ في إطار شراكة بين الحكومة والشركات المستثمرة في القطاع من أجل مواكبة حاجيات القطاع من اليد العاملة المؤهلة».

وفي سياق تطوير صناعات مكونات السيارات والطائرات يبرز قطاع الصناعات الإلكترونية كمورد أساسي لهذه الصناعات، إضافة إلى قدراته التصديرية. لذلك وضعته استراتيجية الإقلاع الصناعي ضمن أولوياتها.

* المخطط الأخضر للنهوض بالزراعة

* في سنة 2008 أعطى العاهل المغربي انطلاقة مخطط المغرب الأخضر للنهوض بالزراعة وبأوضاع السكان القرويين بشكل عام. ويقول عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري، لـ«الشرق الأوسط»: «يهدف مخطط المغرب الأخضر إلى تحقيق الأمن الغذائي للمغرب من خلال تنمية مستدامة ومتوازنة للقطاع الفلاحي باعتباره محركا أساسيا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، إضافة إلى وزنه الاجتماعي والسياسي؛ إذ يعيش 45 في المائة من سكان المغرب في الوسط القروي».

ويضيف أخنوش أن هذا المخطط يرتكز على مبدأ المسؤولية المشتركة من خلال الإشراك الدائم لمختلف الفاعلين في مسلسل اتخاذ القرار وتقاسم المسؤولية بينهم في إطار تعاقدي تحت الإشراف المباشر للملك محمد السادس، الذي يشكل حافزا على انخراط الجميع وتعبئة وتكثيف كل الجهود.

ويقول أخنوش: «حدد المخطط أهدافا واضحة. ووضع خريطة طريق للنهوض بالعالم الفلاحي المغربي تقوم على دعامتين. الدعامة الأولى تتعلق بتطوير الزراعة العصرية من خلال استثمار 150 مليار درهم (17.6 مليار دولار) على مدى العشرين عاما المقبلة، وإنجاز 900 مشروع محددة بدقة، وفتح الضيعات التي تملكها الدولة أمام الاستثمار الخاص عن طريق الإيجار. أما الدعامة الثانية فتتعلق بالفلاحة التضامنية وتهدف إلى تحسين دخل وظروف عيش نحو ثلاثة ملايين شخص عبر الرفع من مردودية الإنتاج وتشجيع المزارعين الصغار على التحول إلى منتجات ذات تنافسية وعائد أكبر وقيادة مشاريع تجمعهم لتشكيل قوة اقتصادية وتحسين ظروف تثمين الإنتاج ومسالك توزيعه وتسويقه. وجرى إيلاء اهتمام خاص بسكان المناطق الجبلية والواحات من خلال وضع برامج للتهيئة المجالية لهذه المناطق وفك العزلة عنها».

وأضاف أخنوش: «لتطبيق هذا المخطط، الذي يحظى باهتمام ومتابعة وإشراف مباشر من طرف الملك محمد السادس، قمنا بإحداث مجموعة من الهيئات وعلى رأسها وكالة التنمية الفلاحية، التي تتولى قيادة وتنسيق المخطط، وصندوق التنمية الفلاحية للمساهمة في تمويل المشاريع. كما قمنا بتصريف المخطط من خلال وضع 16 مخططا جهويا للتنمية الفلاحية، و10 مخططات قطاعية. إضافة إلى إنشاء أربع مناطق صناعية خاصة لتثمين المنتجات الزراعية».

وأشار أخنوش إلى أن المخطط بدأ يعطي نتائج ملموسة بعد خمسة أعوام من التطبيق. فبخصوص الفلاحة التضامنية التي تحظى برعاية خاصة من طرف العاهل المغربي، استفاد حتى الآن نحو 500 ألف مزارع صغير من برنامج استبدال الأنشطة التقليدية بمنتجات جديدة أكثر تنافسية وذات عائد مرتفع، وذلك من خلال إنجاز 427 مشروعا بقيمة 12 مليار درهم (1.4 مليار دولار)، ساهمت في تمويلها 11 مؤسسة مالية مغربية، 57 في المائة منها في شكل قروض والباقي في شكل هبات. كما استفاد 130 ألف مزارع صغير من برامج مماثلة من تمويل برنامج تحدي الألفية الأميركي بقيمة ثلاثة مليارات درهم (353 مليون دولار).

وعلى مستوى تمويل المشاريع الفلاحية الكبرى والبرامج المهيكلة للقطاع، أوضح أخنوش أن الإصلاحات التي عرفها القطاع مكنت من تقوية جاذبيته لدى مختلف الهيئات المالية، مشيرا إلى تمكن القطاع خلال السنة الحالية وحدها من الحصول على تمويلات بقيمة ستة مليارات درهم (706 ملايين دولار)، من البنك الأفريقي للتنمية والصندوق السعودي للتنمية والبنك الدولي والصندوق الكويتي للتنمية وصندوق التعاون البلجيكي، وذلك بعد أن تجاوزت الاستثمارات في المشاريع الزراعية الكبرى 50 مليار درهم (ستة مليارات دولار) خلال السنوات الماضية.

ومن أبرز نتائج المخطط الأخضر ارتفاع المتوسط السنوي لمحاصيل الحبوب إلى 83 مليون قنطار ما بين 2008 و2013، وزيادة إنتاج الفواكه بنسبة 163 في المائة والمساحات المغروسة بالفواكه 40 في المائة. كما ارتفع إنتاج الزيتون بنسبة 84 في المائة ليبلغ 1.4 مليون طن خلال العام الحالي، وتوسعت المساحات المغروسة بالزيتون لتصل إلى مليون هكتار. وتضاعف استعمال البذور المعتمدة كما ارتفع استعمال الأسمدة والمخصبات بنسبة 36 في المائة. كما أنجز 68 في المائة من برنامج الاقتصاد في الماء من خلال إدخال أنظمة الري بالتقطير إلى 337 ألف هكتار. ويستهدف هذا البرنامج تحويل 550 ألف هكتار من الأراضي الزراعية من الري التقليدي إلى الري بالتقطير بكلفة 23 مليار درهم (2.7 مليار دولار) في أفق 2020.

* المخطط الأزرق.. رؤية جديدة لرفع الجاذبية السياحية

* بعد تجربة رؤية 2010 للنهوض بالسياحة، التي وضعت أسسا جديدة للاستثمار في القطاع السياحي وتنميته، اعتمد المغرب مخططا جديدا لمواصلة تنمية السياحة في أفق 2020، ويهدف المخطط الجديد إلى مضاعفة عدد السياح ليبلغ 20 مليون سائح في أفق 2020. وكانت الخطة السابقة تهدف إلى بلوغ 10 ملايين سائح في 2010. ورغم تداعيات الأزمة العالمية على القطاع السياحي فإن المغرب استطاع أن يحقق إنجازا قريبا جدا من هذا الهدف؛ إذ استقبل 9.3 مليون سائح في سنة 2010.

كما تهدف الخطة الجديدة إلى الرفع من القدرة الإيوائية للسياحة المغربية عبر إنشاء 200 ألف غرفة فندقية، ومضاعفة مساهمة القطاع السياحي في الناتج الداخلي الإجمالي ثلاث مرات، وتحسين مرتبة المغرب ضمن الوجهات السياحية العالمية من الرتبة 27 حاليا إلى الرتبة 20 في سنة 2020.

وتتكون الخطة الجديدة من ستة برامج كبرى، هي: برنامج «المخطط الأزرق 2020»، الذي يهدف إلى إنشاء ستة منتجعات سياحية شاطئية من الجيل الجديد، وبرنامج تطوير السياحة البيئية، وبرنامج تطوير سياحة الثقافة والتراث، وبرنامج تطوير سياحة الأعمال، وبرنامج تطوير السياحة الداخلية. وتقدر الكلفة الاستثمارية للخطة الجديدة بنحو 150 مليار درهم (17.7 مليار دولار) في أفق 2020. ولدعم هذه الخطة وتعبئة التمويلات اللازمة لتحقيق مشاريعها أحدث «الصندوق المغربي لتنمية السياحة» برأسمال أولي قدره 1.5 مليار درهم (177 مليون دولار). وسيجري رفع رأسمال الصندوق تباعا حسب تطور تنفيذ الخطة ليصل إلى 15 مليار درهم (1.8 مليار دولار)، أي 10 في المائة من الكلفة الاستثمارية لخطة 2020 لتنمية السياحة. ويتدخل الصندوق عبر أخذ مساهمات في المشاريع السياحية قيد الإنجاز. وفي هذا الصدد، بلغت التزامات الصندوق 3.4 مليار درهم (400 مليون دولار) خلال ما بين 2012 و2014.

* مشاريع الطاقات المتجددة

* تمشيا مع روح العصر حدد المغرب هدفا طموحا في مجال الطاقة، الوصول إلى استيفاء 42 في المائة من حاجياته من الكهرباء عبر استغلال الطاقات المتجددة (الشمس والرياح والماء) في أفق 2020. ولبلوغ هذا الهدف وضعت مخططات تضمنت مشاريع مفصلة ودقيقة ستنجز في إطار شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص.

ففي مجال الطاقة الشمسية يهدف المخطط المغربي للطاقة الشمسية، الذي أطلقه الملك محمد السادس سنة 2009، إلى تطوير محطات إنتاج الكهرباء الشمسية بقدرة إجمالية تصل إلى ألفي ميغاواط في أفق 2019 بكلفة 70 مليار درهم (8.2 مليار دولار). وحددت خمسة مواقع لاستقبال هذه المحطات بعد إنجاز الدراسات. كما أنشئت الوكالة المغربية للطاقة الشمسية في شكل شركة مساهمة لقيادة المخطط.

وفي سنة 2011 طرحت الحكومة صفقة مشروع إنشاء المحطة الأولى ضمن هذا المخطط في ورزازات بقدرة 160 ميغاواط، والتي تعد أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في العالم. ورست الصفقة على شركة «أكوا باور» السعودية التي شرعت في إنشاء المحطة في أبريل (نيسن) 2013 بكلفة تناهز مليار دولار. وستدخل هذه المحطة حيز التشغيل في 2015.

وفي غضون ذلك، شرعت الحكومة في الإعداد لتفويت الشطر الثاني لمشروع ورزازات لاستغلال الطاقة الشمسية.

وفي مجال استغلال الرياح، يسعى المغرب إلى تثمين تجربته في هذا المجال، حيث تصل القدرة الإنتاجية للمشاريع الموجودة, وتلك التي توجد في طور الإنجاز إلى ألف ميغاواط. ووضع برنامج جديد لمضاعفة هذه القدرة في أفق 2020 بكلفة استثمارية تناهز 16 مليار درهم (1.9 مليار دولار).

وبالموازاة مع هذه المشاريع، وضعت الدولة نظاما تحفيزيا لتشجيع الاستثمار في الصناعات المرتبطة بالطاقات المتجددة في المغرب، يرمي إلى انبثاق نسيج صناعي وطني قادر على تموين المشاريع المغربية والتصدير إلى الخارج. ولتشجيع هذه الصناعات جعلت الحكومة من نسبة الإدماج الصناعي المحلي أحد الشروط الرئيسية لتفويت (تخصيص) صفقات إنشاء محطات إنتاج الطاقات المتجددة في المستقبل.

وجرى إنشاء الوكالة المغربية للطاقات المتجددة بهدف قيادة المخططات المغربية للطاقات المتجددة وتشجيع استعمالها في كل المجالات، من خلال وضع البرامج القطاعية والجهوية، وتعزيز معايير الأداء في مجال استعمال الطاقة في المجال الصناعي.

ويطمح المغرب من خلال مخططات الطاقات المتجددة إلى استغلال مؤهلاته من حيث وفرة الشمس والرياح وإمكانيات السدود لتعويض افتقاره لمصادر الطاقة الأحفورية، خاصة النفط، التي تثقل وارداتها ميزان تجارته الخارجية، وتجعله عرضة لتقلبات الأسعار العالمية.

* استراتيجية جديدة في مجال الفوسفات

* خلال سنة 2009 أطلق المغرب استراتيجية جديدة في مجال الفوسفات، الذي يعتبر الثروة المعدنية الأولى للبلاد. وتتوخى هذه الاستراتيجية دعم الدور الريادي للمغرب في السوق العالمية للفوسفات باعتباره أكبر منتج وأكبر مصدر لهذه المادة التي يرتبط الطلب العالمي عليها بالأمن الغذائي وارتفاع الحاجيات الغذائية، والمسؤوليات المترتبة على هذا الوضع. ويشمل العرض المغربي في السوق الدولية الفوسفات الخام والحامض الفوسفوري والأسمدة.

ووضعت الاستراتيجية الجديدة ضمن أهدافها الرئيسية مضاعفة الإنتاج من الفوسفات الخام ليبلغ 50 مليون طن في أفق 2020 من خلال فتح مناجم جديدة وتطوير وسائل الاستخراج والإنتاج، وخفض تكاليف النقل والإنتاج، خاصة عبر اعتماد مشروع للنقل الخام من المناجم إلى ميناء التصدير ومصانع التحويل عبر الأنابيب بدل القطارات، ومضاعفة القدرات الإنتاجية لتصنيع الأسمدة والمخصبات لتبلغ 10 ملايين طن من خلال بناء مصانع جديدة مع شركاء دوليين كبار. وتقدر الكلفة الاستثمارية الإجمالية للخطة بنحو 114 مليار درهم (13.5 مليار دولار) خلال الفترة من 2010 إلى 2020. وبلغت الاستثمارات المنجزة في إطار هذه الاستراتيجية نحو 36 مليار درهم (4.2 مليار دولار) خلال الأعوام الثلاثة الأولى من تطبيقها.