ملك يغار على بلده ويحب شعبه

د. سعد الدين العثماني

TT

قاد جلالة الملك محمد السادس في المغرب ثورة هادئة منذ توليه العرش، ويشهد الجميع أن حكمته وتبصره جنبا المغرب الدخول فيما آلت إليه الكثير من دول المنطقة. وانكب بشكل مكثف على معالجة المشاكل الداخلية لبلده، وقام بالكثير من المبادرات التي غيرت مجرى المغرب حتى أصبح ينعم بمؤهلات اقتصادية جعلته دولة تكتسي اهتماما خاصا لدى المستثمرين الدوليين، وتقديرا من لدن المسؤولين والمراقبين عبر العالم.

إن المغرب، في الـ14 سنة التي مرت، تغير بشكل إيجابي على الكثير من المستويات. ففي الجانب السياسي، عرف المزيد من الانفتاح، وتحققت الكثير من المكتسبات التي نفخر بها جميعا كمغاربة، مثل إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة لطي صفحة التجاوزات التي عرفتها مراحل سابقة، وإخراج مدونة للأسرة حاولت المزاوجة بين الحفاظ على الثوابت الإسلامية وضمان مزيد من الحريات والحقوق للنساء والأطفال. هناك كذلك الاهتمام بتفعيل المجتمع المدني، حيث أصبح عند المغرب اليوم ما يفوق 90 ألف جمعية تعمل في ميادين مختلفة. ولا ننسى بطبيعة الحال الخطاب التاريخي لجلالة الملك يوم 9 مارس (آذار) 2011 الذي أعطى انطلاقة للشروع في تأسيس دستور جديد للمملكة، ساهم فيه الجميع ليكون دستورا يوافق المرحلة الجديدة للمسار الديمقراطي للمغرب، وحرص جلالته على أن تمر الانتخابات الأخيرة بشكل شفاف ونزيه حتى يكون المغرب مؤهلا بدستور ملائم وحكومة جديدة منبثقة من صناديق الاقتراع لمواجهة تحديات القرن الـ21.

على المستوى الاقتصادي، كان لجلالة الملك بعد نظر في كيفية تحريك العجلة الاقتصادية، حيث اهتم أولا بتجهيز البنية التحتية للمملكة، فالمغرب اليوم مقارنة مع أغلب دول الجوار يعرف بنية تحتية متقدمة قادرة على تلبية حاجات الاستثمار. كما أن جلالة الملك اختار لهذا البلد أن تكون له أنشطة اقتصادية متنوعة، لا تساهم فقط في الحد من البطالة، ولكن كذلك في خلق الثروات. أضف إلى ذلك، الاهتمام بتكوين الشباب وتأهيلهم إلى سوق العمل من خلال برامج مختلفة.

كل هذه الجوانب هي أساسية لأي دولة تريد أن تكون مساهما فاعلا في نظام العولمة، وجلالة الملك كان سباقا في فهم ذلك، وبدأ هذه الإصلاحات منذ توليه العرش.

السياسة الاقتصادية الخارجية للمغرب تجاه أفريقيا، هي من دون شك أهم وأذكى خطوة قام بها المغرب، والفضل هنا يرجع مباشرة إلى نظرة الملك محمد السادس، حيث إنه ارتأى منذ بداية حكمه أن يتوجه إلى أفريقيا لفتح شراكات متينة مع دول أفريقية كثيرة. يجب أن نذكر اليوم بأن الوزن السياسي للمغرب في أفريقيا ازداد، وإسهام المغرب في أمنها واستقرارها وتنميتها تضاعف، كما أن بعض الشركات المغربية المهمة حققت هذه السنة أزيد من 40% من مداخليها من السوق الأفريقية، والمغرب اليوم ينظر إليه كمقر آمن لشركات دولية كثيرة تريد الولوج إلى الأسواق الأفريقية.

كل هذا لم يكن ليتحقق لولا الرغبة القوية لدى الملك محمد السادس في الدفع بهذا البلد نحو انفتاح سياسي واقتصادي مهم يؤهله لأن يصبح بلدا آمنا مستقرا يتمتع بسمعة جيدة ويحترم ويقدر في كل المحافل الدولية.

على المستوى الإنساني لجلالة الملك، يمكنني أن أقول بحكم سفري مع جلالته وحضوري معه في الكثير من المناسبات، إنه ذو خصال إنسانية راقية، يهتم بمرافقيه، بصحتهم وراحتهم، ويسأل عن أدق الجزئيات في ذلك. وهو إنسان ذو طبع هادئ تحس فيه الطيبوبة وحب التخفيف عن المنكوبين والمحتاجين ويغار على بلده ويحب شعبه.

* رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية ووزير الخارجية والتعاون