مِنى تنهي استعداداتها لاستقبال الحجاج

نجاح حكومي في توفير كافة الخدمات والمرافق

جانب من مشعر منى وهو خاو أول من أمس ويستعد لاستقبال ما يربو على مليون حاج (تصوير: عبد الله بازهير)
TT

شد أكثر من 1.5 مليون شخص من مختلف الجنسيات، رحالهم في اتجاه «مشعر منى»، الذي يبعد قرابة 6 كيلومترات شرق المسجد الحرام، مكتسين الأردية والأُزُر البيضاء يسبق وصولهم صدى التلبية في قعر الوادي «لبيك اللهم لبيك».

منى، التي اختلفت الروايات على تسميتها، فمنهم من ذهب على ما يراق فيها من دماء «الأضاحي»، وآخرون يعتقدون أن ذلك يعود «لتمني آدم فيها الجنة»، فهي مع هذا وذاك لا تزيد مساحتها الشرعية على 7 كيلومترات مربعة، وتحيط بها الجبال من الاتجاهات الأربعة، تستيقظ بعد أن أسدلت ستارها على مدار 11 شهرا لتستقبل التائبين العابدين.

وبلغة الأرقام، فإن المساحة والفترة المستفادة من عوائد مشاريع تنموية تشكل عائقا في جميع دول العالم، والتي لا تفضل أن تنفق ملايين الدولارات لمشاريع حيوية على هذه المساحة، إلا أن هذه اللغة في «منى» تختلف كثيرا وتسقط فيها الحسابات والأرقام التي تصل إلى مئات المليارات من الدولارات لتنفيذ مشاريع خدمية لا تجري الاستفادة منها إلا في أيام معدودة.

هذه الأيام المعدودة لم تشكل هاجسا لدى الحكومة السعودية، التي أخذت على عاتقها خدمة ورعاية الحجاج، من خلال توفير جميع الخدمات التي نجحت في تنفيذها كل القطاعات الحكومية بالتنسيق على إتمام الكثير من المشاريع الكبرى، ومن ذلك مشروع قطار المشاعر المقدسة، والذي بلغت تكلفته نحو 6.7 مليار ريال، في حين أنهت وزارة الشؤون البلدية والقروية أخيرا مشروع حماية مسار القطار ومناطق نزول الحجاج في محطات منى، ومزدلفة وعرفات، بما يحول دون وجود الحجاج المخالفين أسفل هذه المحطات ويحد من المخاطر الناجمة عن الافتراش في المناطق المحيطة بها. ويتلمس الحاج في كل عام تغيرا ملحوظا عن العام الذي سبق، وتنوعا جذريا في المشاريع المقامة في بطن الوادي بمشعر منى، ومن ذلك إكمال وزارة الشؤون البلدية عددا من المشاريع منها مشروع إنشاء 36 ألف دورة مياه إضافية في مشاعر منى ومزدلفة وعرفات، للمرحلة الثانية بإنشاء 22 ألف دورة مياه يجري تشغيل 15 ألفا منها في حج هذا العام، وتبلغ التكلفة الإجمالية للمشروع 582 مليون ريال، مع نشر عدد كبير من العمالة لصيانتها وتنظيفها طوال موسم الحج.

وأنهت الوزارة اللمسات الأخيرة في مشروع ربط منطقة الشعيبين والمعيصم، بالدور الثالث لمنشأة الجمرات والذي تكلف 570 مليون ريال، شملت تكاليف إنشاء عدد من الطرق والجسور والساحات، بالإضافة إلى عدد من الأنفاق التي تعد الأكبر عرضا بين جميع أنفاق العاصمة المقدسة بعرض 16 مترا، والذي سيعمل بكامل طاقته في حج هذا العام باحتوائه على عدد من السيور المتحركة للتخفيف على الحجاج طريقهم من الشعيبين والمعيصم إلى منشأة الجمرات.

وحول إجراءات النظافة في مشعر منى، أكد المهندس عبد السلام بن سليمان مشاط وكيل أمين العاصمة المقدسة للخدمات، أن الأمانة قامت بتطوير أعمالها في مجال النظافة وجرى اتخاذ عدة خطوات جديدة لدعم الأعمال وبهدف الرفع من مستوى النظافة العامة وتهيئة الأجواء الصحية لسلامة ضيوف الرحمن في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة.

ومن أهم الخطوات التي جرى اتخاذها وفقا للمهندس مشاط، مشاركة أكثر من خمس أمانات تابعة لمدن الرئيسة في المملكة، وذلك لتقديم خدمة النظافة في بعض مناطق الخدمات بمشعر منى من خلال توفير قرابة 2500 عام ومراقب، ونحو 244 معدة متنوعة. وبالعودة للمشاريع المنفذة في مشعر منى، أتمت وزارة الشؤون البلدية مشروع ربط منطقة العزيزية بالدور الثاني لمنشأة الجمرات والذي يضاعف عدد الحجاج الذين يؤدون نسك رمي الجمرات في هذا الدور إلى أكثر من 25 في المائة من إجمالي الحجيج، مقارنة بما لا يزيد على 50 في المائة خلال العامين الماضيين، في حين جرى الانتهاء من أعمال توسعة الساحة الغربية للجمرات الذي أضاف نحو 40 ألف متر مربع للساحات المحيطة بمنشأة الجمرات من الجهة الشمالية، من خلال إزالة جزء من الكتلة الجبلية وإعادة تنظيم اتصال الموقع مع شارع الأمير ماجد، وإعادة تنظيم التقاطع مع شارع المسجد الحرام بما يتناسب مع هذه التوسعة والتي أسهمت في زيادة عرض المساحة إلى 70 مترا، وقرابة ألف متر طولا، مع إضافة مساحات كبيرة لمخيمات الحجاج في مشعر عرفة.

ولم تغفل الحكومة السعودية سلعتين رئيستين هما الماء والخبز، إذ قامت المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة بتوفير نحو 1.7 مليون متر مكعب من المياه لخدمة حجاج وزوار المسجد الحرام، بزيادة قدرت بنحو 10% عن موسم حج العام الماضي الذي بلغ إنتاجه 1.6 مليون متر مكعب من المياه المحلاة، في حين بلغ ما جرى توفيره لزائري المسجد النبوي في المدينة المنورة قرابة 370 ألف متر مكعب من المياه يوميا عبر محطات ينبع، بزيادة تقدر بنحو 20% عن العام الماضي، والتي بلغت 308 آلاف متر مكعب.

وإلى جانب الغذاء رفعت المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق في السعودية، بحسب، المهندس وليد الخريجي مدير عام المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق الكميات المخصصة من الدقيق لمنطقة مكة المكرمة إلى أكثر من 10 في المائة، ليصل إجمالي الكمية المخصصة للمنطقة إلى نحو 300 ألف كيس أسبوعيا، وذلك لتغطية احتياجات السوق، خاصة في مشعر منى.

وتعد منطقة مكة المكرمة، حسب المؤسسة العامة لصوامع الغلال، أكثر المناطق استهلاكا على المستوى المحلي؛ إذ يبلغ ما تستهلكه المنطقة أسبوعيا نحو 270 ألف كيس، ويرتفع هذا الاستهلاك في موسمي الحج والعمرة، في حين يبلغ حجم الاستهلاك السنوي من الدقيق لعموم المناطق السعودية نحو 2.4 مليون طن.

وعودة إلى ما يحمله الحجاج من مشاعر للمبيت في مشعر منى، جهزت النقابة العامة للسيارات مركباتها لإتمام عملية التصعيد التي ستقوم بها من خلال تأمين المقاعد لنقل كامل لحجاج الجو والبحر والبالغ عددهم 1.3 مليون حاج، من مكة المكرمة إلى مشعر منى لقضاء يوم التروية وسط جهود متواصلة وخطط تنسيقية مع لجنة التصعيد وشركات نقل الحجاج. وأوضح مروان رشاد زبيدي الأمين العام والمتحدث الرسمي للنقابة العامة للسيارات، أن لجنة التصعيد والنفرة المكونة من وزارة الحج، والأمن العام، بمشاركة اللجنة التنفيذية لمراقبة نقل الحجاج، والنقابة العامة للسيارات، وشركات نقل الحجاج، قامت بوضع اللمسات الأخيرة لتنفيذ خطة التصعيد من مكة المكرمة إلى المشاعر.

وأشار المتحدث الرسمي إلى أن خدمة نقل الحجاج الترددية تخدم 563 ألف حاج وتطبق على أربع مؤسسات، تشمل تركيا ومسلمي أوروبا، وجنوب شرقي آسيا، وأفريقيا غير العربية، وإيران، أما النقل الاعتيادي فيخدم حجاج مؤسستي جنوب آسيا، والدول العربية، ويستهدف 750 ألف حاج، في حين جهزت 500 حافلة للتمركز في مشعر عرفات لمساندة الحافلات المتأخرة في نقل الرد الثاني.

وأردف زبيدي، أن عملية التصعيد لمشعر منى تجري وفق آلية معدة تضمن وصول جميع الحجاج الذين يريدون المبيت بكل يسر وسهولة دون حدوث أي تأخير، إذ دعمت الحافلات بمرشدين لديهم الخبرة في الطرق والمواقع الخاصة بالحجاج في مشعري منى وعرفات، لافتا إلى أن أعمال النقابة العامة للسيارات وشركات نقل الحجاج تتابع ميدانيا للتأكد من تسليم الحافلات للمطوفين ومتابعة سير الحافلات حتى وصولها إلى المشاعر المقدسة.