دمعة الحاج يوسف عمرها 73 عاما بعد تحقيق حلمه بأداء النسك

حجاج حالت عقود من العمر دون تأديتهم النسك.. والسبب شواغل الحياة

الحاج يوسف مع زوجته أمام الحرم المكي (تصوير: أحمد حشاد)
TT

«أتمنى أن أحج على قدميَّ، وألا أكون أسيرا لكرسي متحرك يحد من تحركي». بهذه الكلمات تحدث يوسف الأسود، الحاج الذي قدم من مصر يجلس وتتكئ معه سنواته الـ73عاما على كرسي متحرك.

يحمل الأسود في مخيلته ثمانية عقود من القصص والصور والآيات والأحاديث التي تتحدث عن الحج، ليحقق حلمه، بعدما أسال بحرا من عرق الكد والعمل، وطوى فصلا واسعا من حياته انقضى في تربية عشرة أبناء، أصغرهم أكمل دراسته الجامعية السنة الماضية، ما رفع عن كاهله الأعباء التي حالت دون تحقيقه حلمه في أن ينادى بـ«الحاج» وهو اللقب الذي لا يمنح إلا لمن أدى الفريضة. وتدفع الظروف الاجتماعية والاقتصادية عددا من المسلمين حول العالم إلى تأخير أداء مناسك الحج لسنوات طويلة، وهم بين الرجاء والأمل في تخطي عثرات الحياة وإشكالياتها ليتسنى لهم تأدية الركن الخامس من أركان الإسلام، إلى جانب الوقوف على جبل الرحمة، والصلاة في مسجد نمرة الذي تجاوز عمره 1200 عام، ورمي الجمرات، وتحقيق كل الطقوس الدينية التي يشاهدها ويسمع عنها ويتعلمها في المدرسة.

وبنبرة يكسوها الحزن يتحدث يوسف الأسود عما سماه «خطأ تأخير تأدية مناسك الحج»، قائلا: «أشعر بأنني أخطأت، وأطلب المغفرة على تقصيري وأن يمن عليَّ بالشفاء من علتي.. كنت أتمنى أن أسير على قدميَّ لتأدية بأداء الفريضة وليس أسيرا لكرسي متحرك يحد من تحركي ويتطلب وجود من يساعدني في أداء واجبي، والحمد لله أن مكنني من الوجود في البقاع الطاهرة لإتمام الفريضة قبل أن أرحل عن هذه الدنيا».

وأضاف الأسود، رغم تعرضي للإصابة وأصبحت مقعدا على الكرسي المتحرك، مع ما كنت أعانية من تربية الأبناء، إلا أن الشوق والمشاعر كانت في كل عام خلال السنوات الأخيرة تدفعني لتقديم طلب للحصول على التأشيرة لأداء المناسك، ولم تفلح محاولاتي بالفوز في القرعة، لكنها أصابت الآن، وها أنا هنا.

ولا يختلف الحاج محمد عثمان القادم من جبال اليمن محملا بالكثير من الحكايات التي أعاقته عن أداء فريضة الحج، إذ يقول عثمان (85 عاما)، إن الأسباب وراء تأخير أداء مناسك الحج تتمحور «حول الظروف الاقتصادية التي كانت تحيط بنا، الأمر الذي دفعني إلى التوفير وتجميع ما تيسر من مال طيلة السنوات الماضية حتى أتمكن من أتام الفريضة».

وعد عثمان الذي يرافقه نجله الأكبر ليساعده على التحرك وتأدية النسك، طبيعة عمله كمزارع، إلى جانب ارتباطاته الاجتماعية، سببين في تأخير تأدية الحج، وقال: «إن الحياة في اليمن كانت صعبة، وتزداد صعوبة مع تزايد عدد أفراد الأسرة إلى سبعة أشخاص، وتحتاج إلى مضاعفة الجهد والعمل لكسب المال، وهما عاملان رئيسان في صعوبة الحصول على هذه اللحظات الروحانية التي أعيشها اليوم بمشعر منى».

وقال عثمان: «عندما وطئت قدماي المسجد الحرام أجهشت بالبكاء، فما يشاهد لمثل هذه الصور عبر القنوات التلفزيونية أو الصحف، لا يمثل جزءا مما تعيشه على أرض الواقع، ورفضت كل المحاولات التي يقوم بها ابني من أعمال تتمثل في حملي أو دفعي على عربة، فهذه اللحظات يجب أن تمارس بشتى الوسائل المتاحة ومنها المشي على الأقدام متكئا على عصاي».