إيران عام 2013: صعود روحاني للرئاسة والبحث عن مخرج من العزلة

المرشد الأعلى: هذا عام الحماسة السياسية والاقتصادية

وزراء خارجية القوى الست الكبرى مع وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف بعد الإعلان عن الاتفاق النووي في 24 نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

مثل صعود الإصلاحيين للحكم في إيران منعرجا، عده المتابعون للوضع خطة إيرانية للخروج من عزلتها الدولية والعقوبات المفروضة عليها، وكذلك أزمتها الداخلية التي أعلن عنها الرئيس الجديد حسن روحاني مباشرة بعد صعوده للحكم.. فبعد مرور شهرين على تسلمه الرئاسة من أحمدي نجاد، صرح روحاني بأن «الحكومة تعاني من وضع مالي واقتصادي هش، وعجز في الميزانية». وزاد قائلا: «في حين وصل حجم الديون المتراكمة على الحكومة لصالح المصارف ومؤسسات التأمين والتقاعد إلى 54 مليار دولار، بلغ معدل التضخم نسبة 40 في المائة. هذا ناهيك عن التزايد المستمر لأسعار السلع، والمواد الغذائية، والشرخ السياسي البالغ ذروته في البلاد».

وتمحورت سياسة روحاني الاستراتيجية للخروج من الأزمة الداخلية، والعقوبات الدولية بالسعي لحل الملف النووي، مما يؤدي إلى تخفيف العقوبات النفطية والمصرفية على إيران، وارتفاع حجم الصادرات النفطية، والإيرادات النفطية، وتحسين الوضع الاقتصادي. وشكل قطاعا السياسة الخارجية والاقتصاد مصدر اهتمام الرئيس الإيراني الذي حاول عدم الخوض في القطاعات السياسية والثقافية الداخلية المثيرة للتوتر. كما أنه سعى جاهدا لكسب دعم المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في تطبيق سياساته.

تمثلت الخطوة الأولى لتطبيق هذه السياسات في زيارة حسن روحاني إلى نيويورك للمشاركة في جلسة الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وكان الخطاب الذي أدلى به الرئيس الإيراني خلال الجلسة باهتا نوعا ما، غير أن المكالمة الهاتفية بينه وبين الرئيس الأميركي باراك أوباما، ولقاء وزير الخارجية محمد جواد ظريف بنظيره الأميركي جون كيري، ونظرائه الغربيين على هامش جلسة الجمعية العمومية للأمم المتحدة، شكلت خطوة جادة ومهمة للحد من التوتر بين إيران والدول الغربية.

وتمكنت حكومة حسن روحاني من تسجيل إنجازات على المستوى المحلي والدولي، منها سعيها لرأب الصدع السياسي بين السلطة والتيارات السياسية، وارتفاع نسبة الأمل الشعبي بتحسن الوضع الاقتصادي الذي يشمل احتواء التضخم، وانخفاض الأسعار، والنمو الاقتصادي، وذلك رغم النمو الاقتصادي السلبي للبلاد. كما أن السياسات الحكومية الجديدة في القطاع السياسي والاقتصادي حظيت بدعم وترحيب حذر من قبل المثقفين والمنتقدين.

وفي حين تتعرض حكومة روحاني إلى انتقادات حادة من المتشددين، فإنها لا تسعى لخوض صراع سياسي وإعلامي مع التيار المتشدد. كما أنها تحاول أن تجلب دعم التيار الإصلاحي، والرأي العام، والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في سياساتها الخارجية. وأما الاستمرار في العديد من هذه السياسات فهو مرهون إلى حد كبير بالاتفاق الشامل بين إيران ومجموعة «5+1» خلال الأشهر الستة المقبلة.

كما أن التحركات الدبلوماسية التي قام بها روحاني وظريف قد لاقت ترحيب المرشد الأعلى الذي عد بعضا منها غير سليم. وشهدت الفترة الأخيرة تحولات إيجابية في مسار المفاوضات النووية بين محمد جواد ظريف، ومفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، وعقد وزراء الخارجية في مجموعة «5+1» اجتماعا في مدينة جنيف للوصول إلى صيغة تفاهم مع إيران، ولكن معارضة فرنسا حالت دون الوصول إليها.

لكن بعدها توصل الطرفان إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني، وبموجبه تعهدت إيران بتقليص الأنشطة النووية، وفرض قيود على منشآتها النووية في مقابل تخفيف العقوبات عنها، مما يمهد لإبرام اتفاق شامل بين الطرفين بعد ستة أشهر. وكانت السياسة الخارجية شأنها شأن الوضع الداخلي تشهد تدهورا ملحوظا، إذ فرضت العقوبات الدولية، والأميركية، والأوروبية خاصة على قطاعات النفط، وشركات التأمين، والسفن، قيودا كبيرة على الواردات النفطية التي جمدت وزارة الخزانة الأميركية جزءا منها في البنوك خارج البلاد. وفي حين بلغت المفاوضات بين إيران ومجموعة «5+1» بشأن الملف النووي طريقا مسدودا، شهدت العلاقات بين إيران وغالبية الدول العربية والإقليمية مثل مصر، والمملكة العربية السعودية، وتركيا، تقريبا، تدهورا بسبب الأزمة السورية، والاتهامات الموجهة لإيران بدعم نظام بشار الأسد الذي يعد المتهم الرئيس بقتل عشرات الآلاف من المدنيين في سوريا. كما أن العلاقات الإيرانية - المصرية اتسمت بالفتور في فترة حكم محمد مرسي، وحتى بعد عزله من السلطة، لكن هذا لا يمنع من بوادر رآها البعض إيجابية أتت في تصريحات رددها روحاني وظريف حول رغبة إيران في الانفتاح على دول الجوار. وكانت الانتخابات الرئاسية أهم حدث شهدته إيران سنة 2013، وشكل الخطاب الذي أدلى به المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي بمناسبة رأس السنة الجديدة في إيران في مارس (آذار) 2013، نقطة انطلاق للتطورات السياسية التي شهدتها البلاد خلال العام الماضي. ويزور المرشد الأعلى للثورة الإسلامية سنويا بحلول السنة الإيرانية الجديدة في 21 مارس، مدينة مشهد الدينية وهي مسقط رأسه، حيث أطلق خلال تصريحات أدلى بها بهذه المناسبة على العام الإيراني الجديد عام الحماسة السياسية والاقتصادية. ودعا آية الله خامنئي كافة التوجهات السياسية إلى المشاركة في الانتخابات الرئاسية في 14 يونيو (حزيران)، وبذلك منح الضوء الأخضر إلى المرشحين المحسوبين على التيار الإصلاحي لخوض الاستحقاق الرئاسي.

جاءت هذه التصريحات في الوقت الذي كان العديد من قيادات التيار الإصلاحي يتعرضون للمحاكمات، والاعتقال في السجون الإيرانية بسبب الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت إثر الانتخابات الرئاسية عام 2009، حيث شهدت فوز محمود أحمدي نجاد بولاية رئاسية ثانية على حساب المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي. وعلى أثرها، وضعت السلطات الإيرانية المرشحين الخاسرين المحسوبين على الإصلاحيين مهدي كروبي، ومير حسين موسوي، قيد الإقامة الجبرية، ومارست ضغوطا وقيودا أمنية مشددة على الرئيس الإيراني الأسبق، زعيم الحركة الإصلاحية، محمد خاتمي، مما أدى إلى منعه من مغادرة البلاد.

وكان فوز المرشحين المحسوبين على المحافظين في الانتخابات الرئاسية متوقعا، وذلك بسبب خطاب آية الله خامنئي في مدينة مشهد، والأجواء السياسية السائدة، والمشهد الانتخابي. وضم ائتلاف «2+1» الانتخابي محمد باقر قاليباف (عمدة طهران)، ومستشار المرشد الأعلى للثورة الإسلامية للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، وکبر مستشاري المرشد غلامعلي حداد عادل الذي تربطه علاقة مصاهرة بالمرشد، فنجل آية الله خامنئي متزوج من ابنة حداد عادل. وكان الاعتقاد السائد قبيل الانتخابات الرئاسية أن أحد هذه الوجوه الثلاثة سيفوز بكرسي الرئاسة الإيرانية.

وجرى تداول أخبار وإشاعات تفيد بأن مجلس صيانة الدستور المكلف بتأييد مرشحي الرئاسة، لن يؤيد أصفنديار رحيم مشائي المرشح المدعوم من محمود أحمدي نجاد، في الوقت الذي كانت الإحصاءات الصادرة من بعض وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية الإيرانية تشير إلى تقدم محمد باقر قاليباف على منافسيه.

وشهدت الأجواء الانتخابية والسياسية تغييرا وتحولات مفاجئة بعد أن قدم رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام آية الله أكبر هاشمي رفسنجاني أوراقه للتسجيل كمرشح للانتخابات الرئاسية. وبينما بلغ عدد المرشحين المحتملين للانتخابات 30، فإن المشهد الانتخابي شهد استقطابا سياسيا بين رفسنجاني وكبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي سعيد جليلي الذي سجل هو الآخر كمرشح للانتخابات الرئاسية. وصنفت التقديرات السياسية في المشهد الانتخابي رفسنجاني على أنه المرشح المدعوم من التيار الإصلاحي، وشريحة من المحافظين المعتدلين، في حين تحول سعيد جليلي إلى المرشح الرئيس المحسوب على السلطة الحاكمة.

ورفض مجلس صيانة الدستور ترشيح رفسنجاني ومشائي لخوض المعركة الرئاسية، في الوقت الذي تمكن فيه ثمانية مرشحين من المشاركة في الانتخابات الرئاسية، وهم حسن روحاني، ومحمد رضا عارف، وسعيد جليلي، وعلي أكبر ولايتي، وغلامعلي حداد عادل، ومحمد باقر قاليباف، ومحسن رضائي، ومحمد غرضي.

وأثار قرار مجلس صيانة الدستور برفض رفسنجاني استياء التيارات الإصلاحية والمعتدلة، غير أنها في النهاية قدمت دعمها لمرشحين اثنين هما محمد رضا عارف، وحسن روحاني، لخوض الاستحقاق الرئاسي. ولم ينسحب المرشحون المحسوبون على المحافظين من الانتخابات لصالح مرشح ثالث قد يتمتع بنسبة تصويت عالية بين الجماهير، وفي النهاية انسحب حداد عادل من المنافسة الانتخابية من دون أن يعلن تأييده لأي من المرشحين الاثنين.

وفي حين كانت التقديرات تصب في صالح قاليباف للفوز في الانتخابات الرئاسية، تحولت المناظرات التلفزيونية بين المرشحين للرئاسة إلى ساحة منافسة بين منتقدي أداء المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي، وهما روحاني وولايتي من جهة، ومؤيد الأداء النووي تحت عنوان «المقاومة النووية»، وهو جليلي، من جهة أخرى.

وقرر التيار الإصلاحي في الأسبوع الأخير المتبقي لموعد الانتخابات المشاركة بمرشح واحد، إذ انسحب محمد رضا عارف من المعركة الانتخابية وسط مطالبات من النخبة السياسية، ووساطات قام بها محمد خاتمي، وأكبر هاشمي رفسنجاني. وأعلن الإصلاحيون الدعم الكامل لمرشحهم الوحيد حسن روحاني، وشهدت الأجواء قبيل 48 ساعة من موعد الانتخابات تحسنا، وإقبال الرأي العام على روحاني حسب الإحصاءات. وبعد تأخير في الإعلان عن اسم الرئيس الإيراني المقبل، أعلن فوز حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية بنسبة تصويت تفوق 50 في المائة.