2013.. سنة الإجماع على شح دور البرلمان المغربي

سبع قضايا هيمنت على عام تشريعي متواضع

عبد الاله ابن كيران يطلب الحديث في إطار «نقطة نظام» في مجلس المستشارين المغربي في إحدى جلساته (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

رغم وجود تفاوت في تقييم أداء المؤسسة التشريعية بين أحزاب المعارضة والأغلبية، فإن هناك إجماعا بين الطرفين على شح دور البرلمان في تنزيل الوثيقة الدستورية الجديدة.

وفسر النائب عبد العزيز أفتاتي من حزب العدالة والتنمية ذلك بالقول إن السنة الماضية تأثرت كثيرا بالمناورات المضرة بمسار البلد، التي قادتها المعارضة. وحمل أفتاتي حزب الاستقلال مسؤولية تعطيل سنة من الإصلاحات التي كان منتظرا أن يخرجها البرلمان على شكل قوانين.

ورفض المستشار محمد دعيديعة رئيس فريق نقابة الفيدرالية الديمقراطية للشغل ومنسق المعارضة في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان) اتهام المعارضة بإرباك الحياة التشريعية، محمّلا مسؤولية التسبب في الفتور والتراجع والانتظارية للحكومة، عادّا أن غياب الانسجام الحكومي أثر بشكل كبير على الوضع السياسي والدينامية التشريعة. وبغض النظر عن التفسيرات المتضاربة حول حقيقة تواضع السنة التشريعية، وباستقراء التطورات التي عرفها البرلمان في علاقته بالحكومة طيلة سنة 2013، يمكن الوقوف عند الآتي:

* المعارضة تسقط الموازنة

* أفلت سنة 2013 على وقع سابقة برلمانية شهدتها الحياة السياسية والنيابية المغربية لأول مرة منذ نصف قرن على انتخاب أول برلمان مغربي في سنة 1963، تمثلت في إسقاط المعارضة بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان) لموازنة 2014، وعلى الرغم من أن الحكومة تداركت الأمر بمجلس النواب (الغرفة الأولى) ونجحت في المصادقة النهائية على موازنة السنة المقبلة، فإن هذا الحدث خيّم على المشهد السياسي والإعلامي للسنة المنتهية. وبينما رأى منسق المعارضة المستشار دعيديعة في سلوك فرق المعارضة ممارسة لاختصاصات دستورية، عدت الحكومة، على لسان رئيسها عبد الإله ابن كيران، إسقاط الموازنة عبثا سياسيا، في حين وصفها عبد الله بوانو رئيس الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية متزعم الائتلاف الحكومي بـ«الكارثة السياسية»، مشككا في الشرعية الدستورية لمجلس المستشارين برمته.

* تواضع الإنتاج التشريعي

* تميزت السنة التي نودعها بتواضع الإنتاج التشريعي، إذ لم تتجاوز النصوص التشريعية التي صادق عليها البرلمان بمجلسيه 65 نصا قانونيا، وهو ما عدّ، بحسب العارفين بخبايا التشريع، بعيدا عن المعدلات المتوسطة التي تتراوح بين 80 و120 نصا خلال السنة التشريعية الواحدة. وفسر النائب محمد حنين، الرئيس السابق للجنة العدل والتشريع بمجلس النواب (الغرفة الأولى) ضعف السلة التشريعية بتصدع التحالف الأغلبي الذي كان يدعم حكومة ابن كيران الأولى، معلنا أنه «كان من الصعب الاتفاق على برمجة مشروع أو مقترح قانون واستكمال جميع المساطر التشريعية، في غياب انسجام أحزاب التحالف».

كما انتهت السنة التشريعية وسط شح كبير في إنتاج القوانين التي يكون مصدرها البرلمان على الرغم من الهوامش الكبيرة التي فتحها دستور 2011 أمام البرلمان، كسلطة حصرية في مجال التشريع. وعرفت سنة تشريعية كاملة المصادقة فقط على ستة قوانين من أصل 81 مقترح قانون تقدمت بها الفرق البرلمانية في الغرفتين. وأظهرت الإحصاءات الرسمية التي أصدرتها الوزارة المكلفة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني تفوق حزب العدالة والتنمية في اقتراح القوانين، حيث تقدم بـ23 مقترحا.

وعدّ محمد بوز أستاذ القانون الدستوري، محدودية الفرق البرلمانية في إنتاج القوانين، بأنه راجع لرقابة ذاتية للبرلمان جعله يتحول من منتج إلى مستهلك، مضيفا أن «العجز الذاتي وضعف الإمكانيات المتاحة أمام الكتل البرلمانية تساهم في جعل البرلمان على هامش وظيفة التشريع».

وحاولت الحكومة، على الرغم من تواضع مبادراتها التشريعية، حرمان البرلمان من بعض حقوقه المكرسة دستوريا، وحاولت تطويع مقتضيات من الدستور في الاتجاه الذي يجعل المبادرة في مجال القوانين التنظيمية اختصاصا حكوميا خالصا، كما حدث مع مقترح القانون التنظيمي للجان تقصي الحقائق، ولجأت الحكومة إلى تقديم مشاريع قوانين في قضايا كان البرلمان قد قطع أشواطا كبرى في مناقشة مقترحات قوانين تتناولها (قضية التفعيل التشريعي لمقتضيات الفصل 27 من الدستور المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات).

بيد أن ضعف إنتاج القوانين قابله غزارة في استعمال البرلمانيين لاختصاصاتهم الرقابية اتجاه الحكومة، واضطرت الحكومة للإجابة خلال 61 جلسة أسبوعية على 2437 سؤالا شفهيا، بينما أجابت الحكومة عن 3868 سؤالا كتابيا.

وإذا كانت كثير من نقط الضعف تُسجّل على أداء البرلمان في السنة الثانية من الولاية التشريعية، فإن ذلك لا يمنع من الإشارة إلى نقط مضيئة في عمل المؤسسة التشريعية، من أبرزها التحول الجذري الذي حدث في مهام اللجان البرلمانية، إذ تمكنت خلال هذه الدورة من مساءلة عدد من مسؤولي المؤسسات العمومية وشبه العمومية، وإرغامهم على الحضور إلى البرلمان. وكان لافتا خلال ممارسة البرلمان لوظيفته الرقابية تزايد معدل اللجان الاستطلاعية لتشمل عددا من المؤسسات، في مقابل تجميد واضح لعمل لجان تقصي الحقائق المنصوص عليها في الفصل 67 من دستور 2011.

* أزمة الحكومة وتعطيل البرلمان

* عزا كثير من متتبعي العمل البرلماني ضعف السلة التشريعية لسنة 2013 لقرار حزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة في 11 مايو (أيار) 2013، وهو قرار أربك، في نظرهم، إلى حد كبير وتيرة التشريع خصوصا فيما يتعلق بالمشاريع الحكومية، حيث تراجع تدفق النصوص الصادرة عن الوزارات التي يشرف عليها خمسة وزراء استقلاليون.

ودامت الأزمة الحكومية عشرة أشهر، قبل أن يتوصل ابن كيران إلى ترميم تحالفه الأغلبي وتشكيل حكومته الثانية في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، جراء التحاق حزب التجمع الوطني للأحرار بها بعد خمسة أشهر من المفاوضات الشاقة. على الرغم من أن تيارا كبيرا في حزب العدالة والتنمية كان يرفض التحالف مع التجمع الوطني للأحرار، بيد أن ابن كيران استطاع امتصاص غضب قادة حزبه، وعقد صفقة سياسية مكلفة لضمان استمرار حكومته والخروج من حالة العطالة التشريعية والسياسية التي دخلتها البلاد طيلة السنة الماضية.

* مقاطعة المعارضة لرئيس الحكومة

* تميزت سنة 2013 باستدعاء البرلمان لرئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران، في إطار جلسات الاستماع الشهرية المخصصة لمناقشة السياسات العمومية. واضطر رئيس الحكومة إلى حضور ثلاث من الجلسات الشهرية أمام مقاعد فارغة من نواب فرق المعارضة التي رفضت حضور جلسات الاستماع الشهرية قبل الاستجابة لمطالبها، التي تدور حول إعمال المساواة بين الحكومة والمعارضة بشأن المدة الزمنية لمداخلاتهما. بيد أن الحكومة لم تستجب لشروط المعارضة وانتظرت قرار المجلس الدستوري الذي قضى بعدم دستورية كثير من مطالب المعارضة في الحصول على أي تمييز إيجابي. واتسمت جلسات الاستماع الشهرية لرئيس الحكومة بتحولها في غالب الأحيان إلى حرب كلامية مفتوحة بين ابن كيران ومعارضيه، خصوصا في مجلس المستشارين الذي تسيطر عليه المعارضة.

* مدونة سلوك البرلمانيين

* بعد مرور أكثر من سنة على إقرار النسخة الأولى من النظام الداخلي لمجلس النواب التي اقتصرت على الملاءمة الدستورية، نجح مجلس النواب خلال سنة 2013 في إخراج القانون المنظم له مرفوقا بمدونة السلوك البرلماني والأخلاقيات البرلمانية، التي طالب باعتمادها العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب افتتاح السنة التشريعية لسنة 2012.

ويراهن كثير من المتابعين على بنود المدونة الواردة في الجزء السادس من النظام الداخلي للغرفة الأولى للجم بعض السلوكات المسيئة للمؤسسة الدستورية الثانية في المغرب، بعد المؤسسة الملكية، وهي الاختلالات التي ساهمت في تشكيل صورة نمطية سلبية حول البرلمان والبرلمانيين. وتتضمن أربعة مبادئ أخلاقية تؤطر ممارسة البرلمانيين ومهامهم النيابية داخل الغرفة الأولى، أولها إيثار الصالح العام على كل مصلحة فئوية أو خاصة وتجنب تضارب المصالح مع المهام النيابية، وثانيهما الاستقلالية، التي تهدف إلى الابتعاد عن شبهة تبعية النائب البرلماني لأي شخص ذاتي أو اعتباري، أو أي التزام مالي لأفراد أو منظمات قد تؤثر على أداء واجباتهم النيابية، أما ثالث المبادئ فهي المسؤولية والالتزام، التي تعني تحمل البرلمانيين لمسؤولياتهم كاملة عن قراراتهم اتجاه المواطنات والمواطنين، وأخيرا الأمانة والاستقامة التي تدل وفق مدونة السلوك على صيانة ممثلي الأمة لثقة ممثليهم بما في ذلك تجنب النائبات والنواب استعمال ألفاظ أو عبارات تنطوي على التهديد أو الترهيب أو الاستفزاز أو الشتم.

ولم يفلح تنزيل المدونة من الحد من غياب البرلمانيين الذي تحول إلى ظاهرة مألوفة وشديدة التعقيد. ويقول محمد البوز، أستاذ القانون الدستوري، إن هذه الظاهرة لم تحل دون المزيد من تعميقها، لا خطابات الاستنكار والاستهجان التي تواجه بها، إن في وسائل الإعلام أو لدى شرائح مهمة من الرأي العام، ولا الإجراءات التحفيزية التي اتخذت من أجل تشجيع البرلمانيين على الحضور، ولا التهديدات المستمرة باللجوء إلى اتخاذ التدابير التأديبية التي ينص عليها القانون الداخلي لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين، ولا الإقدام على نشر أسماء المتغيبين في محاولة لإحراجهم.

* هشاشة الثقة البرلمانية في الحكومة

* عاش البرلمان على إيقاع معركة دستورية حاسمة بين الحكومة والمعارضة، بعد أن رفعت أربعة أحزاب معارضة فيتو ضرورة حصول الحكومة على الثقة البرلمانية قبل مواصلتها لأداء مهامها، واستندت المعارضة المغربية للفصل 88 من الدستور، الذي يقضي بضرورة توجه رئيس الحكومة الجديدة للبرلمان، لعرض الخطوط العريضة للبرنامج الحكومي الجديد، بعد التعديل الذي طرأ على الأغلبية، وهو ما عدّه حزب العدالة والتنمية مجانبا للصواب الدستوري، مشيرا إلى أن مفعول الثقة الذي حصل عليه البرنامج الحكومي يوم 26 يناير (كانون الثاني) 2012 ما زال قائما، ولم يحدث ما يفيد بأن هذه الحكومة لم تعد تحظى بالثقة البرلمانية. وأكد الحزب أن خروج حزب معين من الحكومة لا يفيد بشكل تلقائي خروجه من الأغلبية البرلمانية، ولا يعني أيضا بأن أعضاءه في مجلس النواب أصبحوا ضد البرنامج الحكومي بصفة تلقائية.

وقال «العدالة والتنمية» إن الآلية الوحيدة لإثبات ذلك هي طرح ملتمس الرقابة انطلاقا من الفصل 105 من الدستور، وهو الأمر الذي كان بإمكان المعارضة أن تجمع له النصاب القانوني المطلوب، وهو خمس أعضاء مجلس النواب.

* قانون ينظم أشغال الحكومة

* شهدت 2013 إفراج الحكومة المغربية على القانون المنظم لها كما ينص على ذلك الدستور، ويتضمن المشروع القواعد المتعلقة بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة، والوضع القانوني لأعضائها، وحالات التنافي مع الوظيفة الحكومية، وقواعد الحد من الجمع بين المناصب.

وأبرز ما جاء به هذا القانون هو أنه أجاز، للمرة الأولى، لرئيس الحكومة، حق رئاسة المجلس الوزاري، بتفويض من الملك، إذ ينص مشروع القانون على أنه «طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 48 من الدستور، للملك أن يفوض لرئيس الحكومة بموجب ظهير (مرسوم ملكي) رئاسة مجلس وزاري بناء على جدول أعمال محدد، وعند انتهاء أشغال المجلس يرفع رئيس الحكومة تقريرا إلى الملك يتضمن نتائج مداولات المجلس».

ومنح هذا القانون التنظيمي أيضا العاهل المغربي حق تعيين نائب لرئيس الحكومة، من بين الوزراء، باقتراح من هذا الأخير لمدة معينة ولممارسة مهام محددة، ويجري لجوء الملك لهذه الرخصة الاستثنائية في حالة تغيب رئيس الحكومة أو اقتضت الضرورة ذلك لأي سبب من الأسباب، على أن تنتهي النيابة تلقائيا فور استئناف رئيس الحكومة لمهامه. ونص القانون على إلزامية حضور الوزراء جلسات الاستماع البرلمانية، كما فرض على الوزراء الحضور مرة كل شهر على الأقل اجتماعا برلمانيا لدراسة مقترحات القوانين التي يتقدم بها نواب البرلمان. ولتفعيل مبدأ الحد من الجمع بين المناصب، حرم القانون الجمع بين منصب وزير والعضوية في أحد مجلسي البرلمان أو منصب مسؤول عن مؤسسة أو مقاولة عمومية. كما نص القانون على توقيف كل نشاط مهني أو تجاري في القطاع الخاص، وبصفة عامة كل نشاط قد يؤدي إلى تنازع المصالح طوال مدة مزاولة الوزراء لمهامهم.