المخاوف من تفجر نزاع دولي مدمر انتقلت إلى آسيا في 2013

احتدام الصراع بين بكين وطوكيو وسيول على جزر استراتيجية.. وواشنطن تريد إعادة جنودها للفلبين

TT

انتقلت بوصلة الترقب والتخوف من حدوث نزاع دولي مدمر جديد على مدى العام المنصرم إلى منطقة بعيدة نسبيا عن بؤر الحروب التقليدية. فقد شهدت «آسيا - المحيط الهادي» في عام 2013 وقوع مناوشات بحرية، في منطقة بحر الصين الشرقي، بين الصين من جهة، واليابان وكوريا الجنوبية من جهة أخرى، وتهديدات بإسقاط طائرات في حال تحلقيها في «مناطق مراقبة جوية» تخص هذه الدولة أو تلك، وبروز نبرة حرب لدى اليابان المقيدة بدستور نهاية الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى تحذيرات النظام الكوري الشمالي المعتادة لخصومه.

وربما يكون تدهور العلاقات الصينية - اليابانية، خصوصا منذ شراء الدولة اليابانية أواخر العام الماضي ثلاثا من جزر تسميها سنكاكو من مالكها الياباني الخاص مما يعني تأميمها عمليا، المصدر الرئيس لأي توتر محتمل في المنطقة. وقد أغضب التأميم الياباني لتلك الجزر بكين بشدة على اعتبار أنها تدعي هي الأخرى أحقيتها فيها، وتطلق عليها اسما آخر هو دياويو. وعلى مدى العام الماضي، شهد كل من هذين العملاقين الآسيويين مظاهرات معادية، تخللتها عمليات حرق لعلم البلد الآخر، وحالات استدعاء للسفراء، وإرسال كل من البلدين سفنا وأحيانا طائرات إلى الأرخبيل المتنازع عليه بهدف التأكيد على السيادة. ويعتقد باحثون أن التوتر الصيني - الياباني في الأرخبيل المتنازع عليه وغير المأهول بالسكان يعود إلى موقعه الاستراتيجي من جهة واحتوائه على كميات معتبرة من المحروقات من جهة أخرى. لكن غالبية المحللين اعتبروا أنه لا الصين ولا اليابان، وهما على التوالي ثاني وثالث اقتصاد في العالم، ترغب في مواجهة مسلحة.

وفي خضم هذا التوتر المتصاعد، أصدرت وزارة الدفاع اليابانية في 9 يوليو (تموز) وثيقة هي الأولى منذ وصول رئيس الوزراء، القومي التوجه، شينزو آبي، إلى السلطة أواخر عام 2012، أكدت فيها عزمها إعادة النظر في الدستور السلمي للبلاد الذي فرضه الاحتلال الأميركي في 1947. وأشارت الوثيقة التي سميت «الكتاب الأبيض السنوي»، خصوصا إلى «التوغل في المياه الإقليمية لليابان، وانتهاك المجال الجوي الياباني، وتصرفات خطيرة يمكن أن تؤدي إلى أحداث غير متوقعة». ودعت الوثيقة إلى تقوية القوات المسلحة اليابانية والحصول على قدرات لمهاجمة قواعد العدو. كما أوصت بشراء طائرات من دون طيار للمراقبة، وتشكيل وحدة لمشاة البحرية لحماية الجزر النائية، وبصفة خاصة تلك المتنازع عليها مع الصين، وتقوية قدرة اليابان على إرسال قوات إلى الجزر المتناثرة على مسافات بعيدة. وصدرت هذه الوثيقة التي جاءت في 450 صفحة بعد أشهر قليلة من إقرار الحكومة اليابانية موازنة عسكرية تبلغ 52 مليار دولار للسنتين 2013 - 2014، مسجلة زيادة للمرة الأولى منذ أحد عشر عاما.

وأبدت بكين ملاحظات غاضبة على هذا التغير في السياسة الدفاعية لخصمها الإقليمي، وواصلت سياسة إرسال سفن، من حين لآخر، إلى الجزر المتنازع عليها، لكنها اختارت الانتظار بضعة أشهر حتى تطلق «مبادرتها الاستفزازية». ففي 23 نوفمبر (تشرين الثاني) أعلنت الصين من جانب واحد منطقة مراقبة جوية فوق بحر الصين الشرقي تشمل الجزر المتنازع عليها مع اليابان إضافة إلى جزء من المياه الإقليمية التي تطالب بها تايوان وكوريا الجنوبية، مما تسبب في ردود فعل إقليمية ودولية واسعة. وبموجب القواعد الجديدة التي حددتها الصين، بات مطلوبا من الطائرات أن تقدم مسار رحلتها، وأن تحدد بوضوح جنسيتها، وأن تبقى على اتصال اللاسلكي المشترك بشكل يتيح لها «الرد بدقة وفي الوقت اللازم» على مطالب تحديد هويتها من قبل السلطات الصينية. وعلى الفور، استدعت اليابان، متسلحة بالدعم الأميركي لها، الدبلوماسي الصيني للاحتجاج. ولم تنظر كوريا الجنوبية، الحليف الكبير أيضا لواشنطن، بعين الرضا إلى الخطوة الصينية وأعلنت عزمها إبقاء سيطرتها على منطقة يقع جزء منها ضمن منطقة الدفاع الجوي الصينية، واعتبرت القرار الصيني أمرا «مؤسفا». ولم تكتف طوكيو وسيول بالاحتجاج الدبلوماسي، وإنما أعلنتا عن إرسال طائرات إلى «منطقة المراقبة الجوي الصينية» من دون إبلاغ بكين. كما أرسل سلاح الجو الأميركي قاذفتين من طراز «بي - 52» للتحليق في المنطقة، لكن من دون أن تكونا مجهزتين بسلاح. وحرصت واشنطن على التأكيد أن القاذفتين أدتا مهمة من دون تبليغ مسبق للسلطات الصينية بمسار رحلتهما.

وبينما اعتقد المتابعون أن التوتر الذي نجم عن «منطقة المراقبة الجوية» هدأ نسبيا، تفجرت قضية أخرى يوم 25 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. فبينما كان العالم المسيحي يحتفل بعيد الميلاد، فاجأ رئيس الوزراء الياباني خصوم بلاده التاريخيين وأدى زيارة إلى ضريح «ياسوكوني» المثير للجدل بسبب تخليده قادة يابانيين أدانتهم محكمة للحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية بارتكاب جرائم حرب. وأغضبت الزيارة الصين وكوريا الجنوبية اللتين احتلتهما القوات اليابانية إلى أن انتهت الحرب العالمية الثانية، ودفعت حتى الولايات المتحدة، الحليف الحالي لطوكيو، إلى التعبير عن قلقها من توتر العلاقات بين دول الجوار في شمال آسيا. كما أصدر الاتحاد الأوروبي بيانا اعتبر فيه أن زيارة آبي للضريح «لن تؤدي إلى خفض التوتر في المنطقة أو تحسين العلاقات مع جيران اليابان». وأججت الزيارة غضبا في الصين كما في كوريا الجنوبية. وبلغ الغضب الصيني من هذه الزيارة إلى حد مطالبة صحيفة قريبة من السلطة باتخاذ «تدابير مناسبة» بحق آبي، ووضعه مع الوزراء والنواب الذين رافقوه في زيارة الضريح ضمن «قائمة سوداء للأشخاص غير المرغوب فيهم».

وبزيارته لضريح «ياسوكوني»، بدا أن آبي مصر على انتهاج سياسة جديدة تجاه النظر إلى الأحداث التاريخية التي عاشتها بلاده. وكان آبي امتنع في 15 أغسطس (آب)، وفي خروج عن التقاليد المتبعة، عن إبداء أي ندم تجاه آسيا لما تكبدته من معاناة بسبب اليابان خلال الحرب العالمية الثانية. وفي خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى الـ68 لاستسلام اليابان، وحضره الإمبراطور أكيهيتو، اكتفى آبي بتكريم ضحايا النزاع والدعوة إلى السلام، وقال «لن أنسى أبدا أن السلام والازدهار اللذين ننعم بهما حاليا هما نتيجة تضحيتكم بحياتكم»، في إشارة إلى اليابانيين الذين سقطوا في حرب المحيط الهادي، وخلص إلى القول ببساطة «سنبذل كل ما بوسعنا من أجل المساهمة في السلام في العالم».

ووسط هذه التطورات، واصلت الولايات المتحدة خلال العام الحالي المضي قدما في استراتيجيتها العسكرية الجديدة التي أعلنتها في يونيو (حزيران) 2012، والمركزة على منطقة آسيا. وأدى نائب الرئيس الأميركي جو بايدن مطلع الشهر الحالي جولة آسيوية قادته إلى بكين التي أبلغ قيادتها السياسية عن «قلق» بلاده إزاء منطقة الدفاع الجوي الصينية الجديدة. كما توجه إلى اليابان وكوريا الجنوبية وأكد لهما دعم واشنطن لهما إزاء التطورات الأخيرة. وفي أغسطس، توجه وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل إلى الفلبين وبحث مع الرئيس بنينيو أكينو تعزيز الوجود العسكري الأميركي في هذا البلد الحليف لواشنطن. وناقش الجانبان إيجاد قاعدة عسكرية أميركية في الفلبين يمكن أن تستخدم «مؤقتا» لتوقف السفن والطائرات. وحرص هيغل على طمأنة الرأي العام الفلبيني، المتوجس من الوجود العسكري الأجنبي، بأن بلاده لا ترغب في العودة إلى سياستها الماضية بإرسال قوات إلى الفلبين تبقى هناك بشكل دائم.