اكتشاف شبكة من أقنية الطين المشوي في مدينة أفاميا الأثرية السورية

TT

تعتبر مدينة افاميا الاثرية السورية من اهم المواقع الاثرية، ولعل اهميتها توازي اهمية تدمر من حيث ابنيتها المتبقية الجاري ترميمها بصورة متواصلة. وقد عملت مجموعة من البعثات الاثرية الاجنبية والوطنية منذ عشرات السنين على التنقيب في افاميا لاكتشاف اوابدها الاثرية المدفونة تحت الارض.

وحول آخر المكتشفات في افاميا، ذكرت مديرية الآثار العامة السورية ان نتائج اعمال البعثة الاثرية البلجيكية في الموسم السادس والثلاثين الذي انتهى قبل فترة وقد تركزت اعماله في مركز مدينة افاميا والبوابة الشمالية لها، اسفرت عن نتائج اثرية مهمة تتعلق بعمران المدينة.

وقد شملت اعمال البعثة البلجيكية ازالة الكتل التي تحجب المعبد المفتوح على صف الاعمدة وقد سمحت باعداد دراسة معمارية اولية للبناء الذي مر بثلاث مراحل متتابعة في العصر الامبراطوري، كما ان الدراسات الاثرية التي اجرتها البعثة بينت ان حجارة الرواق الشرقي الشمالي «الآغورا» (الساحة العامة)، قد فكت حتى اساساته في زمن لم تتمكن البعثة من تحديده بعد، كما ان ازالة الردم الموجود في الرواق المفتوح على السوق بطول 40 مترا وارتفاع يزيد عن خمسة امتار بين ايضا اهمية الطابق الارضي والمداخل العديدة للبناء وكذلك لابواب المحلات الملاصقة له.

واضافت مصادر مديرية الآثار السورية ان نتائج اعمال البعثة البلجيكية اسفرت ايضا عن الكشف عن شبكة مدهشة من الاقنية المصنوعة من الطين المشوي تتجه نحو ما يشبه النفق المقبب تمر تحت الحصن الشرقي البارز للباب وتصل الى خزان ماء. وستجري البعثة المذكورة استكشافات منهجية لهذه الشبكة خلال موسم التنقيب القادم لها في العام الحالي. وللعلم سبق للبعثة المذكورة ان اكتشفت في الجهة الشمالية للساحة العامة على اساسات وارضيات غرفة من الفسيفساء مخربة كثيرا يعود تاريخها للعصر البيزنطي، كما عثرت على تمثال من الرخام الابيض لرجل وامرأة عاريين.

جدير بالذكر هنا، ان افاميا التي تقع في وسط سورية الغربي الى الغرب من مدينة حماه بحوالي 60 كلم وتعلو هضبة تشرف على سهل الغاب الفسيح تعد احدى المنشآت السورية القديمة التي ترقى للقرن الثالث قبل الميلاد (اي العصر السلوقي) وقد سماها افاميا القائد وحاكم سورية سلوقس نيكاتور حبا بالاميرة الفارسية «اباميا» التي تزوجها لاحقا. وكانت افاميا تسمى «فارناكه» ثم سماها الاسكندر المقدوني «بيلا» تخليدا لذكرى البلدة التي ولد فيها ابوه «فيليبس». وبعد موت الاسكندر عام 323م اصبحت المملكة السورية من نصيب القائد سلوقس نيكاتور. وقد زارت هذه المدينة كليوباترا وماركو انتوني «انطونيو»، كما اتى ذكرها لدى عدد كبير من الرحالة والمؤرخين من لاتين واغريق ثم خبا ذكرها وغيبتها الزلازل في باطن الارض منذ ثمانية قرون الى ان اتيح لها من رفع عنها التراب واعاد لها غابر عزها ومجدها.

وتضم افاميا، كما يقول عبد الرزاق زقزوق، مدير اثار حماه، كل الميزات التي تؤهلها لأن تكون في عداد المدن المهمة والمتقدمة في مجال البناء والفن، فشارعها الرئيسي يعد واحداً من اطول الشوارع وعرضه البالغ 37.5 متر، مع رواقين من اعرض الشوارع في المدن القديمة والحديثة، فضلا عن انتظام اعمدة متنوعة الاشكال على جانبي هذا الشارع بتيجانها الكورنثية الرائعة الجمال.

ويوجد في افاميا ايضا العديد من المعابد والمحلات والشوارع الفرعية والبيوت والقصور والحمامات العامة وغيرها. ويقول زقزوق «لعلي لا ابالغ اذا قلت بأن كل عنصر من عناصر افاميا، بل ان كل قطعة حجر من حجارتها لها جمالها وقيمتها الفنية والجمالية، ويحس الزائر من خلالها ان يدا فنية صاغتها وروحا شفافة قد ابدعتها».

هذا وكانت بعثة اثرية بلجيكية قد تشكلت هي اولى البعثات التي عملت في افاميا بين عامي 1930 و1938 الا ان هذه البعثة فقدت جميع الوثائق والدراسات التي حصلت عليها وذلك بحريق جامعة لوفان البلجيكية الشهيرة، بعد ذلك تشكلت بعثة اثرية وطنية في عام 1965 عملت في افاميا، بالاضافة لبعثة بلجيكية. وقد كشف عن العديد من المواقع المهمة في المنطقة منها كشف ستة كيلومترات من سورها وترميم ابراجه المنهارة وكذلك كشفت جزءا كبيرا من الشارع الرئيسي البالغ طوله 1850 مترا وعرضه 37.5 متر، كما رفعت حوالي 400 عمود من اعمدته التي اناختها الزلازال التي حلت بأمافيا. واجريت حفريات في الحمام العام الذي بني على الطرف الشرقي للشارع الرئيسي، وجرى ترميم الجامع والطاحون الاثريين اللذين يرقيان للعصر العثماني، كذلك الخان العثماني الذي حول الى متحف خاص بالفسيفساء المكتشف في افاميا.

=