باحثة سعودية تنفض الغبار عن تاريخ أهل مديَن

TT

اصدرت مكتبة الملك فهد الوطنية في العاصمة السعودية الرياض كتابا بعنوان «أهل مدّين: دراسة للخصائص والعلاقات 1350 ـ 1100 قبل الميلاد» من تأليف الدكتورة عواطف بنت اديب بن علي سلامة، كشفت فيه المؤلفة عن جوانب مهمة من تاريخ اهل مدين بواسطة تحليل المعلومات التاريخية التي توفرت لها، واستكملت الصورة التاريخية لدور هذا الشعب الذي استوطن منطقة شمال الحجاز، تلك المنطقة التي تشكل البوابة الغربية لشبه الجزيرة العربية وشريانها الاقتصادي.

المؤلفة توضح في مقدمة كتابها الذي يقع في اكثر من 700 صفحة اهمية تاريخ الجزيرة العربية القديم واحتلاله مكانة بارزة بين المؤرخين والدارسين عامة، ثم تضيف: «وقد تزايد الاهتمام به منذ منتصف القرن الماضي بتأثير المكتشفات في ارجاء الجزيرة العربية ومواقعها التي تزخر بتراث مادي وكتابي».

وتوصلت المؤلفة في كتابها المقسم الى ستة فصول عن تاريخ مدين واهلها الى عدد من النتائج يمكن ايجازها الى عدة نقاط وهي: ان ارض مدين كانت وما زالت موقعا جغرافيا مهما في شمال الحجاز في شمال غرب بلاد شبه الجزيرة العربية، لمزكرها الاقتصادي الكبير، ولمواردها الطبيعية ولدور مدين واهلها التاريخي في الناحية الروحية. فبروز اسم مدين في الجغرافيا التاريخية يرجع لكونها مركزا تجاريا وكيانا سياسيا منذ منتصف الألف الثانية (ق.م) خلال الفترة الممتدة من 1500 (ق.م) الى مطلع القرن السابع الميلادي تقريبا، وكونها كذلك محطة درب الحج الشامي والمصري منذ ظهور الاسلام وحتى اليوم، مما اكسب مدين اهميتها على مدى القرون الـ14 الهجرية.

وكان اهل مدين يدينون بدين جدهم النبي ابراهيم (عليه السلام) غير انهم لم يلبثوا ان انحرفوا عن العقيدة الصحيحة فخرجوا عن عبادة التوحيد وعن مبادئ الاخلاق القويمة، فارسل الله اليهم النبي شعيب (عليه السلام) النبي العربي، الذي تضمنت رسالته الدعوة الى التوحيد وتحقيق العدل والاصلاح الاجتماعي، فكان رد اهل مدين عنيفا وقاسيا على هذا النبي. ومن النقاط المنوه عنها حول اهل مدين في هذا البحث ان ارضهم كانت مركزا من مراكز استخراج المعادن وتصنيعها كما ذكرته الرواية التوراتية واستمرت عمليات التعدين على مدى الفي سنة، ومن اهم المعادن: النحاس والذهب ثم الاحجار الكريمة. كذلك مارس اهل مدين التجارة بكل انواعها وكان مالك بن وعر اقدم تاجر مديني (او مدياني). اما أهم التجارات بالنسبة لمدين فكانت تجارة البخور والعطور والرقيق، والذهب والفضة والمواد الغذائية، كما ادى اهل مدين دورا مهما في تجارة المرور «الترانزيت» وخاصة بين جنوب بلاد العرب وبلاد الشام ومصر وكانت الزراعة ايضا من ضمن نشاطات اهل مدين وحرفهم.

من ناحية ثانية، عقد اهل مدين علاقات صداقة وتحالف مع الشعوب والامم المجاورة لهم وصلات ومصاهرة، وصلات حربية مع امم اخرى مثل بني اسرائيل. فقد تزوج النبي موسى (عليه السلام) من صفورة المديانية (المدينية) وأقام في ارض مدين ثم خرج منها الى قومه في مصر، وعاد فخرج بهم من مصر والتقى مرة اخرى بأهل مدين. ووقعت بينهم بالمقابل حرب كبيرة في أواخر القرن 13 (ق.م) تقريبا، وكان جيش اهل مدين بقيادة خمسة ملوك قتلوا جميعا مع جيوشهم. ودمرت مدنهم وحصونهم نتيجة لاسباب ودوافع من اهمها الموقع الجغرافي لارضهم والثروات الطبيعية، وتجارة البخور التي كانت السلعة الرائجة والاولى في العالم القديم، ثم الطمع بثروات اهل مدين كونهم اهل ثراء وعز.

والتقى بنو اسرائيل في حرب ثانية مع اهل مدين ايضا وللأسباب نفسها وان كان قد فصل بين الحربين قرنان من الزمان وحدثت المواجهة في القرن 11 قبل الميلاد، مما أدى الى القضاء على اهل مدين قضاء تاما، كما زعم بنو اسرائيل، غير ان استمرار وجود قبيلة كبيرة من نسل مدين تزعمت ذويها وهي قبيلة «عيفة» المذكورة في نص التوراة، وفي نص الآشوري، يدحض ذلك الزعم.

=