استراحة الملك عبد العزيز قبل دخول جدة... تتحول إلى متحف

TT

عشر سنوات مرت على إنشاء متحف أبرق الرغامة في موقعه الأصلي في وادي الرغامة على بعد أربعة عشر كيلومترا إلى الشرق من مدينة جدة، وهذا الموقع هو الذي أقام فيه الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود مخيمه مع جيشه بجانب عين الماء الصافية الموجودة في تلك المنطقة ذات المناخ اللطيف والطبيعة الجميلة، تأهبا للدخول إلى جدة، وهو ما تحقق بصورة سلمية ودون قتال أو إراقة دماء عام 1923، إبان حملته لتوحيد أرض الجزيرة العربية وتأسيس المملكة العربية السعودية.

استغرق بناء المتحف وملحقاته قرابة سنتين في بقايا مجرى عين ماء قديمة تدعى «عين الرغامة»، كانت قبل سنوات بعيدة مصدرا من مصادر مياه الشرب لسكان جدة، اذ لم تكن قد أنشأت الكنداسة لتحلية مياه البحر، ولأن مياه العين العذبة كانت بديلا لمياه الآبار التي تخالطها الملوحة لقربها من البحر، كما كانت العين موقعا تستريح فيه القوافل القادمة إلى جدة بعد عناء الرحلة، وتلك المغادرة منها.

وساعد وجود المتحف في هذه المنطقة الصخرية والرملية الجرداء على نشوء نوع من العمران فيها مثل بعض البيوت والمستودعات والورش والمجمعات السكنية، ازداد هذا العمران سنة بعد أخرى حتى تشكلت مناطق حضرية واسعة حول المتحف، فيها طرق معبدة وشوارع مشجرة وخدمات، وما زال المتحف معلما بارزا بإطلالته من فوق التل الذي بني فوقه، اذ يمكن رؤيته من مختلف الجهات.

تولى أحد المكاتب الهندسية السعودية وضع التصاميم الخاصة بالمتحف بحيث يكون في موقعه لافتا للنظر وخاصة للعابرين على الخط السريع إلى مكة المكرمة، وقد نفذت هذه التصاميم على مساحة تبلغ 60300 متر مربع، وتشمل التكوين الرئيسي وهو العلم المعدني الضخم، ثم المباني والتشكيلات الجمالية والأدراج والساحات والحدائق والمواقف، وقد أضفى التشجير وزراعة الازهار الملونة والنجيلة الخضراء رونقا وبهجة على المنطقة كلها.

العلم لونه فضي، وهو مصنوع من الصفائح المعدنية الفضية اللماعة على شكل راية خفاقة تحمل شعار المملكة العربية السعودية بطول أفقي يبلغ 17 مترا يتجه من الشمال إلى الجنوب، وسماكة تصل إلى أربعة أمتار، ويحمل على وجهيه عبارة التوحيد «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وتحتها السيف العربي، تحمله سارية دائرية من المعدن الفضي يبلغ قطرها حوالي اربعة أمتار، يعلوها رأس رمح متدرج ينتهي بقبة صغيرة، ويبلغ ارتفاع العلم عن سطح الأرض 45 مترا، وعن مستوى سطوح الأبنية من حوله حوالي 11 مترا.

ويقع المبنى الرئيسي تحت العلم، وهو موقع المتحف، وتبلغ مساحته 1680 مترا مربعا وقد غطي بصفائح معدنية فضية على شكل خيام تشكل نوعاً من التناسق الجمالي مع العلم الذي يعلوها.

في واجهة المبنى جدار دائري اخضر اللون يمكن رؤيته من مختلف الزوايا، كتب عليه بخط جميل مذهب اسم الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، ومعلومات عن إنجازاته وتوحيده لأرض الجزيرة العربية، مع تعريف بالموقع وأهميته التاريخية، وتأتي بعده صالة العرض الكبيرة المزينة بالنقوش والزخارف الإسلامية الجميلة، إلى جانب خريطة كبيرة للمملكة العربية السعودية يظهر عليها الحرمان الشريفان والمشاعر المقدسة والإنجازات التي تحققت فيها حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، والمعالم الحضارية والتراثية. كما تحوي الصالة نموذجاً لمكتب الملك عبد العزيز وبعض الأدوات التي كان يستخدمها فيه، والأسلحة القديمة والمعدات العسكرية التي استخدمها الملك عبد العزيز وجيشه في توحيد أجزاء السعودية، وبعض المعدات المتوسطة والثقيلة أيضا، ونماذج للمجالس تمثل الحياة السعودية. وتتوزع في أنحاء الصالة بعض النوافير الملونة، وأماكن عرض تقدم معلومات وصورا وعروضا سينمائية عن التاريخ السعودي في الحاضر والماضي، وفي نهاية الصالة يوجد مصعد كهربائي يوصل إلى المطل الواقع في أعلاها والذي يمكن منه رؤية مدينة جدة بالكامل. والمسجد هو المبنى الثاني في الموقع من حيث القيمة المعمارية، وتبلغ مساحته 240 مترا مربعا، وهو مبني على الطراز المعماري الإسلامي، ومحاط بجدار من الحجارة السوداء المشذبة من حجارة المنطقة من جميع الجهات، ويعتمد على الأقواس والأعمدة التي تحملها، منارته البيضاء مربعة الشكل لها فتحات طولية على جدرانها الأربعة مغطاة بنقوش هندسية إسلامية مصنوعة من الخشب الملون، وقد زينت من الأعلى بزخارف إسلامية جميلة.

وفي المساحات المشجرة والمزروعة بالأعشاب الخضراء التي تحيط بالمباني وتبلغ مساحتها 12000 متر مربع، يتوزع عدد من الشلالات الصناعية والنوافير ذات الأشكال الجميلة بين الحدائق التي تنتشر في أنحائها المقاعد المخصصة لجلوس الزوار والتمتع بالمشاهد المحيطة بهم والتي تظللها الأشجار المنوعة، ومنها أعداد كبيرة من أشجار النخيل تحيط بالمسجد، كذلك أنشئت محلات صغيرة للبيع تقدم للزوار الهدايا التذكارية والبضائع المرغوبة والألعاب، وأقيمت دورات للمياه في أماكن متعددة.

والهيكل الخارجي للمبنى الرئيسي الذي يبدو على شكل هرمي من الجهة الشرقية، جرى تقسيمه إلى تشكيلات صخرية جميلة تفصل بينها أدراج حجرية تصل إلى أعلى المبنى، وكل واحد من هذه التشكيلات يجسد منطقة من مناطق السعودية، مثل: نجد، المنطقة الشرقية، وعسير او المنطقة الشمالية او مدائن صالح، وقد أخذت ملامح الطبيعة والتضاريس التي تميز كل منطقة عن غيرها، بينما أقيمت على الجانب الجنوبي من الهيكل العام أدراج كهربائية متحركة تصل ما بين الساحة العامة وسطح المبنى.