الثورات العربية تربك السياسة الخارجية للجزائر

الجزائريون لا يريدون التغيير عن طريق العنف

سعيد ساعدي، زعيم «تحالف الثقافة والديمقراطية» المعارض، أثناء ملاسنة مع أحد عناصر الشرطة في الجزائر خلال مظاهرة يوم 26/2/2011 (رويترز)
TT

يرى كثير من الجزائريين أن دبلوماسية بلادهم أثبتت عجزا كبيرا عن استيعاب الرهانات التي جرت بالمنطقة العربية، بعضها عند حدود الجزائر. والسبب في رأي قطاع من المحللين أن طاقم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مزيج من أناس آيديولوجياتهم متناقضة وغالبيتهم لا يعرف شيئا عن شؤون العالم. هذه الحقيقة تركت انطباعا قويا في الخارج بأن الجزائر تجاوزتها الأحداث، بل ظهرت في بعض الأحيان تسير عكس تيار التاريخ بوقوفها ضد إرادة الشعوب في التغيير، من خلال مساندة الأنظمة المستبدة. وظلت هذه الصورة لصيقة بها طيلة عام كامل تقريبا، برغم تصريحات المسؤولين التي حاولت التأكيد بأن ما استقر في أذهان الناس في الخارج، ليس هو الحقيقة، وإنما الحقيقة حسبهم، أن الدبلوماسية الجزائرية تسير وفق مبدأ رفض التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان.

وقد حاولت «الشرق الأوسط» فهم الارتباك الذي أصاب السلطات الجزائرية، بخصوص التعاطي مع الثورات العربية، بطرح أسئلة على أكاديميين ومحليين تابعوا أداء الدبلوماسية عن كثب.

يقول الخبير الجزائري في القانون الدستوري، الدكتور فوزي أوصديق المقيم بقطر، إن المنطقة العربية بما فيها الجزائر، «شهدت ثورات دموية وأخرى حدثت بطرق أقل عنفا، وذلك عبر صناديق الانتخاب، فكان من المتوقع انتظار مثل هذه الردود الشعبية المنتفضة ورسم ملامح لتغييرات جذرية وعميقة على الخارطة السياسية، وكما تفاجأ الجميع، فإن الجزائر بدورها لا تخرج عن هذا الاستثناء حتى وإن كانت تختلف في بعض النواحي عن الآخرين. ثم إن تعاطي الجزائر مع قضايا الحراك الشعبي الذي كان وما زال يعصف بالمنطقة العربية، لم يختلف في أكثر من دولة وبقي يسير في ذات الاتجاه الذي اعتبره الجميع موقفا متحفظا، لا يرضي أي طرف على حساب الآخر، فموقفها الرسمي ودبلوماسيتها لم يتطورا مع شريط الأحداث، أضف إلى ذلك، أن (التخوف) المفرط والتعامل بحساسية مع كل ما هو إسلامي على خلفية ما عرفته الجزائر خلال عشرية الأزمة طبع بشكل واضح الموقف الرسمي حيال الثورات، وهذه النظرة غير الإيجابية غذتها الكثير من الأطراف داخليا وخارجيا بالتهويل، والتخوين مما سبب إرباكا على المستوى الرسمي وتخبطا في التصريحات وتناقضا في المواقف».

ويقول أوصديق وهو حاليا مسؤول العلاقات الدولية والقانون الإنساني بالهلال الأحمر القطري، إن رموز بعض الثورات التي صنفت «صقورا»، «أفرز انطباعا عاما مفاده أن الوضع الداخلي بالبلاد سيتأثر بها سلبا. كما أن تسويق الدبلوماسية الجزائرية للموقف الرسمي لم يكن موفقا، وطغى عليه حوار طرشان مع الأطراف الداخلية والخارجية، واستعمل في تبليغ الموقف الرسمي آليات قديمة في التواصل أصبحت غير مجدية مما أعطى نتيجة عكسية».

ويوجد اعتقاد شائع بالجزائر، أن أهلها يفضلون الاستقرار والهدوء حتى لو كانت أسباب الانتفاضة ضد النظام قائمة. ويجد ذلك تفسيرا له، في كون الجزائريين ما زالوا تحت صدمة تسعينات القرن الماضي، أو ما يسمى في لغة الخطاب الرسمي «المأساة الوطنية»، لهذا هم يتخوفون من شبح العودة إلى سنين الفوضى والاضطراب إن فتحوا على أنفسهم باب التغيير. عن ذلك يقول فوزي أوصديق: «الشعب الجزائري عانى خلال سنوات الأزمة مما جعل المواطن العادي يتخوف من تكرار الصدمة والتجربة رغم انشغالاته الكثيرة في المجال الاقتصادي والاجتماعي، فهو يفضل الهدوء الاجتماعي والسلم والاستقرار للبلاد على مسايرة الثورات. كما أنه لا يغيب عن أذهاننا أن الجزائر شهدت ربيعها العربي في سنة 1988، فالأحداث العربية الحالية هي قياس مع الفارق باختلاف الزمان والمكان، فسنين الجمر والتقتيل لا يمكن أن تمحى بمرور سنين معدودات، لذلك فالجزائري مدرك ومسؤول وذلك لا يعني أن المهمة أصبحت سهلة بل من إفرازات ما وقع في بلدان عربية، أن عهد التزوير ومصادرة الصناديق والتحايل على الإرادة الشعبية أصبح من المصطلحات القديمة، وهي اليوم كالديناصورات محل انقراض واندثار. ولكن هذا لا يعني أن الشعب لا يريد التغيير وإن كان شبح الماضي ما زال يحوم».

وفيما ترى الحكومة أن الموقف الذي يرفض التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان، خاصة إن كان من قوة غربية، هو الأنسب في الحالة التي شهدتها ليبيا مثلا، فإن انتقادات كثيرة وجهت لها بسبب ما اعتبر موقفا سلبيا معاديا لإرادة الشعوب في التغيير. أما الدكتور أوصديق فيقول: «قطعا، الموقف المتحفظ لا يفسر بالسلب ولا الإيجاب بل هو موقف يعبر عن الحياد التام وإن كان ذلك نتيجة (تخبط) الدبلوماسية الجزائرية مما قد يفسر بالغموض والإبهام. أما التغيير فهو قادم لا محالة من الداخل، بحكم أن الثورات أنتجت منطقا جديدا وتفكيرا مغايرا ليس في الجزائر فحسب بل في العالم كله فأحداث روسيا ليست ببعيدة كما أن التحولات التي شهدتها المنطقة كانت داخلية وليس بإملاءات خارجية لذلك أطلقت السلطة بالجزائر إصلاحات سياسية بقدر ما خلقت انطباعا متميزا وأرست الأمل، بقدر ما هي الآن تجهض من خلال برلمان فاقد لمصداقيته. لذلك نرى أنه من الضروري إعادتها إلى المسار الصحيح المبني على التغيير الجذري والقطيعة مع الماضي، وهي بوادر للإصلاح لا تكفي إن لم تقرن بالتفعيل والتطبيق والممارسة الميدانية».

واللافت أن في كل الأحداث التي اصطلح على تسميتها بـ«الربيع العربي»، حرصت الدبلوماسية الجزائرية على الاختباء وراء هيئات ومؤسسات إقليمية في إبداء المواقف والقيام بمساع، بدل أن تؤدي أدوارا فاعلة بواسطة مسؤوليها وفق نظرة تحفظ المصالح، وتقدر الرهانات التي جرت بعضها عند حدود البلاد. ففي حالة ليبيا، اختفت الدبلوماسية تحت عباءة الاتحاد الأفريقي وهي تعلم أن خيوط الأزمة كانت بين أيدي الفرنسيين والبريطانيين أساسا، وحلف شمال الأطلسي عموما. وثبت منذ البداية أن الاتحاد الأفريقي أعجز ما يكون عن إقناع طرفي الصراع بوقف إطلاق النار. أما دعوتها إلى إبعاد التدخل الأجنبي ووقوفها ضد عمل عسكري لحسم الموقف في ليبيا، فكانت بمثابة صرخة في واد، فالجزائر التي تعتبر أكبر بلد بالمنطقة، مساحة وقدرات، ظهرت في أزمة ليبيا شبحا لا أحد أعار لها وزنا. أخطر من ذلك، هي تتحمل حاليا تداعيات الحرب بأن كلفت نفسها قيادة حملة التخويف من الانتشار العشوائي للسلاح.

في حالة سوريا.. الموقف الرسمي متخوف من معاقبة المواطن السوري بدل النظام وفي حالة سوريا المتفجرة، تكرس لدى الرأي العام الدولي بأن الجزائر مهتمة بإنقاذ نظام الأسد بدل إدانة المذابح التي يرتكبها.. ويحاول المتحدث باسم وزارة الخارجية عمار بلاني، تفسير الموقف الرسمي من الأزمة السورية، فيقول: «إن الجزائر حريصة على إبعاد أي أثر سلبي قد يلحق بالشعب السوري في حال تطبيق عقوبات ضد نظام الرئيس بشار الأسد. ففي النقطة ذات الصلة بتعليق الرحلات الجوية إلى سوريا، قلنا بأن إجراء كهذا يمس بالأساس السكان المدنيين السوريين والعرب».

وينفي بلاني التهم الموجهة للجزائر بخصوص «معاداة الثورات»، إذ يقول: «بلدي لم يدعم أي نظام قمعي ولن يقف ضد إرادة أي شعب في التغيير، ولكننا حريصون على أمرين لم نتوقف عن ترديدهما خلال الشهور الماضية، الأول إبعاد التدخل الأجنبي أثناء معالجة الأزمات في منطقتنا العربية، والثاني إبعاد التداعيات السلبية للعقوبات ضد السكان المدنيين».

ويعطي الدكتور أحمد شنة، الأمين العام لـ«أكاديمية المجتمع المدني الجزائري»، وهي منظمة غير حكومية، نظرته لما عرف بـ«التعاطي السلبي» للجزائر مع الثورات العربية، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «لقد تمثلت نظرة الجزائر لما حدث في بلدان الجوار، في تلك البيانات والتصريحات الإعلامية التي كانت تصدر من حين لآخر عن وزارة الخارجية، إذ كانت تحرص تمام الحرص على التزام أقصى حدود الحياد، وعدم الميل لتأييد أي طرف من أطراف الخصومة، تماشيا مع تقاليد الدبلوماسية الجزائرية، القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان، وهو نهج طالما اعتمدته الجزائر في تعاملها مع مختلف الملفات والقضايا الدولية المماثلة، وأيا كانت نجاعة أو فشل هذا النهج، فإننا نقدر كجزائريين، أن بلادنا لم تتورط في هذه الخصومات، بأي شكل من الأشكال، وقد ثبت مع مرور الأيام، أن تلك النظرة كانت صائبة، وإنما كان الهدف منها، تجنب الدخول في متاهة تجربة محفوفة بالمخاطر، وغير واضحة المعالم، حيث كانت بالنسبة لجميع المراقبين، بمثابة مغامرة غير مأمونة العواقب، بكل ما تحمل هذه المغامرة، من غموض وفجائية وتسارع للأحداث، بصورة تجعل التريث في مثل هذه المواقف، هو المنفذ الوحيد، للإمساك بخيوط القضية، ومحاولة فهم ما يدور، وفك الرموز والألغاز التي صاحبت تلك التحولات الكبرى التي شهدتها بلدان الجوار والمنطقة العربية بوجه عام».

وعلى عكس غالبية المراقبين، يرى أحمد شنة أن موقف الجزائر «لم يكن سلبيا أو قاصرا تماما، مثلما ذهبت إليه الكثير من الأطراف في الداخل والخارج، إذ لم يكن أمام الجزائر من بد، وهي تعيش زخم تلك الأحداث الجسام، إلا اتخاذ مثل تلك المواقف التي بدت للكثير من الملاحظين متذبذبة وغير مسؤولة، بل وغير منتظرة من بلد عربي كبير مثل الجزائر». وأضاف: «لست هنا في معرض الدفاع عن السياسة الخارجية للحكومة الجزائرية، ولا ناطقا باسم النظام الجزائري، ولكنني أحاول أن أقدم قراءة علمية للموقف الرسمي الجزائري من تلك التحولات، بعيدا عن أي اعتبارات سياسية أو انطباعات شخصية عابرة، فالرأي في هذه المسألة لا يستقيم، إذا لم يتم إخضاعه لمنطق الموضوعية، والتناول العلمي الرزين، في سياق الجو العام لتلك التحولات.. فما الذي كان مطلوبا من الجزائر، أمام هذه التحولات والأحداث الفجائية التي انفجرت في معظم أقطار الوطن العربي؟ هل كان مطلوبا منها، أن تقف مع طرف على حساب طرف آخر؟ وهي البلد الذي عرف عنه منذ الاستقلال، ترفعه عن الخوض في المسائل والشؤون الداخلية للدول، احتراما للمواثيق والاتفاقيات والعهود المبرمة في هذا المجال؟».

وتابع شنة: «لقد كانت الجزائر مطالبة بأن تنسجم مع نفسها أولا، ثم مع التزاماتها الدولية، وسياستها الخارجية التي أصبحت مثارا للاهتمام والمتابعة، من قبل فقهاء العلوم السياسية، على مدار عقود من التراكم والزخم.. وكان لزاما عليها، وهي تجتهد لتتعافى من ويلات مأساة وطنية رهيبة، عاشت فيها على امتداد أكثر من 10 أعوام، كل ألوان الحصار والاقتتال والتخريب والفوضى، أن تتلمس طريقا ثالثا بين التأييد والمعارضة، إزاء تلك الأحداث الكبرى التي عاشتها وما زالت تعيشها المنطقة العربية برمتها. بحيث لا تلزم نفسها بأي مواقف استعجالية، قد تؤدي في النهاية إلى نتائج وخيمة، وخاصة أن الأمر في ذلك الوقت كان يخص دول الجوار، بما لهذا الجوار من حساسية وخصوصية، تتطلب التحلي بالحكمة والرزانة، وحساب كل شيء بموازين العقل والمصالح العليا للبلاد، فلا ضرر ولا ضرار، إذا جاز استعارة هذه القاعدة الفقهية، في سياق حديثنا عن الموقف الجزائري، مما كان يحدث في دول الجوار».

ويقول أحمد شنة: إن تعامل الجزائر مع ما حدث في ليبيا خاصة، لم يكن سلبيا «بل كانت في رأيي نظرة استشرافية، أخذت في حسابها كل التبعات والنتائج التي قد تترتب عن تلك الأحداث، بما يضمن للجزائر موقفا سياديا متميزا، ويحفظ لها أمنها واستقرارها، ويحمي حدودها من أي خطر، ويرسخ للتقاليد الجزائرية في مثل هذه القضايا والشؤون الدولية.. لقد كان معظم المراقبين، ينتظر من الجزائر على وجه الخصوص، أن تتخذ موقفا مساندا للأنظمة المتهاوية، تحت معاول تلك التحولات، سواء في تونس أو ليبيا أو حتى مصر، وكانت القلة القليلة من أولئك المراقبين، يتوقعون أن تقف مع تلك (الثورات)، ولكنها خيبت ظن الجميع، وجاءت مواقفها عكس كل التوقعات، فرغم فداحة التهم التي حاول بعض أعضاء المجلس الانتقالي الليبي، أن يلصقها بالجزائر، على أنها ساندت نظام معمر القذافي، وسهلت دخول ما سموه المرتزقة إلى الأراضي الليبية، فإن تلك التهم والمزاعم، سرعان ما اندثرت أمام ثبات وعقلانية الرؤية الجزائرية، فلم يستطع أولئك أن يأتوا بدليل واحد، يؤكد ادعاءاتهم على امتداد عدة أشهر من المراوحة. وبهذا نؤكد، أن نظرة الجزائر كان لها مبرراتها وأسبابها التي ينبغي أن تفهم في إطارها العام، وليس في إطار خاص، يفصل التاريخ عن الجغرافيا، ويحيل إلى جدل سياسي فارغ، لا يؤدي إلى أي نتيجة مؤكدة».

ما سمي ثورات كان ترجمة ذكية لاستراتيجية أجنبية وبخصوص التفسيرات التي أعطيت لموقف الجزائر من الثورات، على أساس أنه يعكس حرص السلطة على منع انتقال عدوى المطالبة بالتغيير وإسقاط النظام بالجزائر، قال أحمد شنة: «الجزائر لا تعيش في جزيرة معزولة عن العالم، حتى تكون بمنأى عما يدور حولها من تحولات ورهانات كبرى، وليس في وسعها أن ترفض التغيير تحت أي ظرف من الظروف، لأنها لو فعلت ذلك ستكون خارج دائرة التاريخ، وبالتالي تحكم على نفسها بالموت، إذ أن التغيير سنة كونية من سنن الله سبحانه وتعالى، وليس لسنة الله تبديل. ولكن فلنتفق أولا عن مدلولات التحفظ الجزائري من تلك (الثورات)، هل كان تحفظا من التغيير والإصلاح في حد ذاته، أم تحفظا من خلفيات ذلك التغيير؟؟».

وأضاف رئيس «أكاديمية المجتمع المدني»: «لقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن تلك التحولات الفجائية التي حدثت في الكثير من البلدان العربية، لم تكن في معظمها، عملا شعبيا تلقائيا، ولا ثورات اجتماعية نابعة من إرادة الشعوب، ولكنها كانت ترجمة ذكية، لاستراتيجية أجنبية مدروسة بعناية فائقة، لإعادة احتلال الوطن العربي، بأساليب ومناهج جديدة، بعد أن ناءت الأزمة الاقتصادية بكلكلها على دول أوروبا وأميركا الشمالية، وبدأت البنوك والبورصات العالمية في الانهيار والتهاوي، تحت سنابك أزمة اقتصادية خانقة، تهدد هذا العالم الغربي بالانهيار التام، وتقوده إلى نهاية حتمية، إن لم يتدارك نفسه قبل فوات الأوان، وليس أمامه من حل إلا الاستيلاء على خيرات الشعوب العربية، وسرقة ثرواتها باسم الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، وكأن الذين يموتون يوميا في فلسطين ليسوا من بني البشر، ولا تشملهم هذه الحقوق بأي حال من الأحوال، حتى لو قامت إسرائيل بإبادة كل الشعب الفلسطيني، فإنه لن يطرف جفن لهذه الدول الكبرى التي سارعت إلى حماية المدنيين في بنغازي وطرابلس وبني وليد، من بطش القذافي وكتائبه».

وتابع شنة: «إن الموقف الشعبي العام في الجزائر، كما لا حظ كل العالم، ولا أتحدث عن الموقف الرسمي، لأن ذلك ليس من اختصاصي، رافض تماما لأي تدخل أجنبي في الشأن الداخلي للجزائر، وقد باءت كل المحاولات لزعزعة الاستقرار في الجزائر بالفشل الذريع، وخابت كل الظنون والأماني، في إعلان ثورة شعبية شاملة، تحت أسماء وعناوين مختلفة.. إن التغيير قدرنا منذ البداية في الجزائر، ولكن سيكون بأيدينا، لا بأيدي حلف الناتو وغيره من أدوات الاستعمار العالمي الجديد، والتحفظ الحقيقي في الجزائر، ليس من التغيير أو الإصلاح، ولكن التحفظ من تدخل الأجنبي في شؤوننا الداخلية، والرضوخ لإملاءات هذا الاستعمار الذي جربناه طويلا، ولنا معه ملاحم وحكايات، تشبه الأساطير والخرافات».

تيارات متطرفة داخل النظام تستعمل الإسلاميين كفزاعة من جهته يعبر محمد حديبي، برلماني «حركة النهضة» الإسلامية المعارضة عن «أسفه لأننا كنا نتوقع أن تستفيد الجزائر من التغيرات الجارية في العالم العربي، وتكون هي من تقود القاطرة العربية في التغيير وإعطاء النموذج الناجح خدمة لمؤسسات الدولة وتقوية بنيتها وتكريس دولة القانون بدلا من الفوضى وتفويت الفرصة على أعداء الجزائر، الذين يتربصون بها ويستثمرون في أزمات جيرانها المشتركين معها في حدود طويلة». يقصد بالتحديد، تدخل فرنسا والولايات المتحدة الأميركية في رسم معالم السياسة الأمنية بدول مالي والنيجر وموريتانيا، على خلفية استفحال الإرهاب بهذه البلدان.

ويذكر حديبي أن «تيارات في السلطة ما زالت لم تتحرر من عقدة أحداث العشرية السوداء، وما زالت تتعامل بمنطق السلطة الأبوية على الشعب. وما زال بعض التيارات المتطرفة المتحالفة مع الفساد السياسي والمالي والإداري تستعمل فزاعة الإسلاميين كي تقطع الطريق أمام أي تغيير راشد وهادئ، ليس خوفا على البلاد وإنما خوفا على ضياع مصالحها ونفوذها السياسي والمالي والإعلامي، الذي تستعمله لتزوير إرادة الأمة للبقاء في السلطة. وليتها نجحت في مسعاها، فقد تسببت في فشل ذريع في كل مناحي الحياة التنموية وغياب العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة، وتولية المناصب واتساع رقعة الغضب بين شرائح المجتمع. وما قامت به من ضخ أموال في إطار تلبية احتياجات اجتماعية للتهرب من مواجهة الحقيقة التي من حولنا، لن يجدي نفعا لأنه يدخل في إطار إطالة عمر الأزمة ولا يحلها من جذورها عن طريق إرجاع الكلمة للشعب في اختيار البرامج والرجال، بدل تزوير إرادة الأمة التي تفننت السلطة فيها للحفاظ على اللوبيات المتحالفة مع السياسة والمال والإعلام والفساد بكل ألوانه». يشار إلى أن الحكومة، بادرت إلى رفع الأجور في كل قطاعات النشاط الاقتصادي في خطوة وصفت بأنها تعكس خوفا من تداعيات الثورات العربية على الوضع الداخلي. وفي نفس السياق، تعهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بإحداث إصلاحات سياسية، تمكن من تجذير الممارسة الديمقراطية.

ويرى البرلماني الإسلامي أن الجزائريين «لا يريدون التغيير عن طريق العنف، فقد خاضوا تجربة مرة ومحنة كبيرة، لم يذقها أي شعب آخر، إذ دفعوا أكثر من 200 ألف ضحية، ترتب عنها آثار نفسية ما زالت البلاد إلى اليوم تعاني من إفرازاتها». وأضاف: «ما حدث في بلادي كان بتخطيط جهنمي تمثل في إدخال الجزائر في دائرة التطرف والتطرف المضاد، ولا أشك في أن جهات خارجية كانت من وراء تخطيط ذلك بتنفيذ أياد جزائرية للأسف في إطار التجاذبات السياسية المتطرفة، وهدا للقضاء على التجربة الديمقراطية الفتية وإحداث شرخ اجتماعي في المجتمع، وتوسيع الهوة بين السلطة والشعب كي لا يكون هناك التحام وبناء جدار ثقة من أجل مستقبل الجزائر.. للأسف الشديد الذي حدث كان ضربة قاضية للتجربة الديمقراطية كرست العداوة بين أفراد الشعب وكرست منطق التسلط والقبضة الحديدية ومصادرة إرادة الأمة في كل استحقاق، واستعملت السلطة فزاعة العشرية السوداء لتفعل ما تشاء من تزوير وغلق سياسي وإعلامي وإطلاق اليد لأحزاب أنتجت الفساد ونخرت أجهزة الدولة، وضيعت سلطة الشعب في الحكم لصالح السلطة. واليوم تستعمل هذه الفزاعة لغلق الباب من جديد على أي تغيير هادئ يحفظ الجزائر من الانزلاقات ومن أطماع الخارج الذي يحوم على حدودنا بجيوشه ويستولي ويصنع الرأي داخل الشعب بترسانة إعلامية قوية».