ولادة قيصرية لحكومة المالكي مطلع 2011.. وموت سريري للتوافقات في العام الجديد

الحكومة أتمت العام مثلما بدأته.. دون وزراء أمنيين بسبب الخلافات

نوري المالكي
TT

في مثل هذه الأيام من العام الماضي أعلن عن تشكيل الحكومة العراقية الحالية التي يترأسها زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي. جاء تشكيل هذه الحكومة التي أطلق عليها «حكومة الشراكة الوطنية» بناء على مبادرة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني والتي سميت في ما بعد «اتفاقات أربيل» والتي كان من بين أبرز بنودها التسعة تشكيل المجلس الوطني للسياسات العليا. وطبقا للاتفاقات السياسية وأسلوب الترضيات الذي تم اتباعه بين الكتل، فقد تم الاتفاق على أن يكون عدد وزراء الحكومة 47 وزيرا بمن فيهم رئيس مجلس الوزراء ونوابه الثلاثة، من بينهم 17 وزيرا بلا حقيبة. هذه الوزارة كانت قد خلت من أهم وزيرين وهما وزيرا الدفاع والداخلية. كانت قضية هاتين الحقيبتين جزءا من اتفاقات أربيل أيضا، حيث تم الاتفاق على أن يمثل وزير الدفاع المكون السني وترشحه القائمة العراقية، بينما يمثل وزير الداخلية المكون الشيعي ويرشحه التحالف الوطني.

بعد مرور عام كامل فإن الوزارة التي لم تتمكن من إكمال شواغرها تعاني اليوم مشكلة أكبر، وهي انسحاب وزراء القائمة العراقية على أثر الخلافات العميقة التي تفجرت بين العراقية ودولة القانون منذ قصة الأقاليم الفيدرالية في صلاح الدين وديالى، وصولا إلى تفجر قضية اتهام القيادي البارز في العراقية ونائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بدعم الإرهاب وصدور مذكرة إلقاء قبض بحقه. الخلافات التي احتدمت بين القائمتين العام الماضي لا تزال محتدمة، وشكلت حائلا دون ترشيح وزير مقبول للدفاع من قبل العراقية. فالمرشحون التسعة للدفاع الذين قدمتهم العراقية للمالكي رفضهم جميعا تحت مبررات مختلفة.

استمرار الخلافات سواء على صعيد عدم إكمال الحقائب الشاغرة أو تنفيذ باقي بنود الشراكة الوطنية، وفي المقدمة منها المجلس الوطني للسياسات العليا، أدى إلى المزيد من التأزم في العلاقات بين الطرفين. وبسبب ذلك أيضا فقد ازدادت شقة الخلافات وتعمقت أزمة الثقة بين الأطراف السياسية، وهو ما تم التعبير عنه بوضوح عندما تفجرت قضية الأقاليم حين أعلن مجلس محافظة صلاح الدين نيته تحويل المحافظة إلى إقليم فيدرالي.

أزمة الفيدرالية التي ظهرت فجأة وذلك على خلفية ما تعرضت له بعض المحافظات الغربية من عمليات اعتقالات واجتثاث، فضلا عن الشعور الدائم بالتهميش والإقصاء، طغت أول الأمر على باقي الأزمات، لا سيما أن جميع المؤيدين والرافضين يستندون إلى الدستور العراقي الذي أقر الفيدرالية، لكنه لم يحدد وقتا للتنفيذ. ومع كثرة ما تم طرحه من مبادرات سياسية وما تم عقده من لقاءات واجتماعات بين قادة الكتل وتوصل بعضها إلى آليات عمل للتنفيذ، فإن المحصلة دائما هي العودة إلى المربع الأول. العقدة الأكبر في منشار التوافقات وعدم التوصل إلى حلول مرضية أن القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي التي ترى أنها تنازلت عن حقها الدستوري في تشكيل الحكومة وجدت نفسها ليست مشاركة في صنع القرار مثلما تم الاتفاق عليه بموجب مبادرة أربيل، بل على هامش المشاركة السياسية.

فالمالكي الذي ظل يحتفظ بعلاقات قوية وأحيانا متوازنة مع الزعماء الأكراد، وبخاصة مع الرئيس جلال طالباني، ونسبيا مع رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، كانت علاقته ولا تزال متوترة مع علاوي. وفي سياق تسيير عمل الحكومة فإن سبل التفاهم بين المالكي والتحالف الكردستاني مفتوحة إلى حد كبير، فإنها متعثرة وأحيانا مسدودة مع القائمة العراقية التي ترى أنها وطبقا لنتائج الانتخابات هي القائمة الكبرى، التي يجب أن يكون لها موقفها من كل ما يجري على صعيد المشاركة في صنع القرار الأمني الذي يكاد يكون حجر الزاوية في كل الخلافات الجارية في العراق اليوم.

جميع الشركاء السياسيين يدركون الأوضاع في العراق اليوم، خصوصا بعد الانسحاب الأميركي الكامل من العراق، باتت على كف عفريت التوافقات. لكن الأمر الأصعب أن الجميع يعترف بأن العملية السياسية الحالية التي أنتجت الحكومة الحالية بولادة أشبه ما تكون قيصرية باتت اليوم «العملية السياسية» في حالة موت سريري. فمذكرة الاعتقال التي صدرت بحق الهاشمي ليست قضية قضائية وحسب، لا سيما أن جميع الأطراف السياسية المؤثرة في المشهد السياسي العراقي لديها ما يكفي من معلومات عن إخفاء الكثير من القضايا الكبرى تحت بند التوافقات وعدم إحراج العملية السياسية.