قيادة راشدة مخلصة وشعب وفيّ ووطن متطور

د. أحمد بن محمد السالم

TT

الانتماء للوطن والولاء له صفة تجمع كل المخلوقات تقريبا، ويزداد ذلك ظهورا في الإنسان الذي يجمع بين العاطفة والعقل، وقل أن تجد إنسانا انسلخ ولاؤه لوطنه عن جسده ووجدانه وتحول عنه إلى موطن أو بلد آخر حتى لو طاله ظلم وناله أذى في وطنه، وهنا تجدنا، نحن السعوديين أبناء هذه الأرض الطاهرة، يومنا الوطني غير أيام الدول، وسعادتنا به تختلف عن سعادة الآخرين، فقد ارتبطنا به جسدا وروحا لما يحمله وطننا في وجداننا من معانٍ وما يمثله لنا من قيمة، فقد غرس فينا العقيدة الصافية، وأسس في جوارحنا السمو والفخر، وزرع في مشاعرنا العاطفة الحقة والصدق، رعانا بين أركانه، وهيأ لنا العيش الكريم، ويسر لنا دروب السعادة، ورفع رؤوسنا بين الأمم، وجعلنا محط أنظار دول العالم، ولم يكن هذا ليأتي لولا توفيق الله العزيز الكريم، الذي سخر لهذه الأرض رجلا جعل رضا الله نصب عينيه، وإقامة دينه في أرضه هدفا له، وبناء وطن ووحدة أمة مقصدا ساميا ضحى من أجله بروحه وبماله وولده وخيرة أبناء أرضه، ألا وهو الملك عبد العزيز (رحمه الله) الذي لم شتاته ووحد أركانه وشيد بنيانه، وأقام نظامه، فأمده الله بعونه وسدده بتوفيقه، فقامت على يده بلاد من شتات وفرقة، ودولة من فراغ، ولأنه كان يعرف حق المعرفة قيمة هذه الأرض، وسمو الهدف، نمى في أبنائه خصاله الحميدة، وعزز فيهم أساليب القيادة والإدارة، حتى جاءوا من بعده رجالا عظاما أكملوا المسيرة، ورفعوا شأن الوطن وحفظوا حق الله وحق العباد، فجاء من بعده الملك سعود ثم الملك فيصل ثم الملك خالد ثم الملك فهد، ورحلوا جميعا (غفر الله لهم) وقد صدقوا ما عاهدوا الله عليه وعملوا بمنهج والدهم، وساروا على خطاه، ورفعوا بلدهم إلى مصاف الدول المتقدمة، وتتبعوا النقص فأكملوه، والجديد فأتبعوه، متمسكين بالثوابت ومحافظين على الهوية، وما إن آلت الأمور إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حتى تسارعت قافلة التنمية وسارت سيرا حثيثا مكملا ما بدأه إخوانه، عاملا بما أملاه عليه وجدانه وحسه القيادي ومحبته الصادقة لشعبه وموهبته الإدارية الفذة، فاستفاد من كل ما وجده بين يديه من مال وخبرات، واستغل ما أنعم الله به عليه من ثروات، مساندا بجهود ولي عهده الأمين وإخوانه الأوفياء وأبناء وطنه المخلصين، حتى أصبح وطننا بفضل الله، ثم بفضل قراراته الصائبة وتوجيهاته الحكيمة وأوامره الموفقة، رمزا للنماء والتطور، ومهوى أفئدة الناس في مختلف أنحاء المعمورة لكسب العيش والبحث عن الأمن، بل نظر (حفظه الله) نظرة الفاحص المدرك لكل ما يحتاجه وطنه وأبناؤه من عوامل الرقي وأهداف التنمية، فعمل موفقا من الله على تحقيقها بكل شجاعة وقوة إرادة حتى أصبحنا نلاحظ التطور الذي تحتاج الدول أن تصل إليه في عشرات السنين يتحقق في سنوات قصيرة، فما يمر يوم إلا ويجدُّ جديد، ولا تشرق شمس إلا ويفتح مشروع أو يسلم آخر. حتى أصبح هذا أمرا عاديا عند المتلقي وأمام المواطن، فقد أنشئت في عهده الطرق التي قدرت تكاليفها بما يتجاوز ستين مليار ريال، وأنشئت المستشفيات حتى بلغ عددها أكثر من 251 مستشفى، وجارٍ تنفيذ 102 مستشفى ونحو 2100 مركز رعاية صحية، ووصل عدد الأسرَّة إلى نحو ستة وستين ألف سرير، وانطلقت مشاريع سكك الحديد التي تربط البلاد بأطرافها، وتخدم المشاعر المقدسة، حتى بلغت أطوالها أكثر من ألفين وخمسمائة كيلومتر، وإدراكا منه لأهمية الوقت في حياة الناس ودوره المباشر في التنمية وعدم ضياعه في تنقلات المواطنين لقضاء حوائجهم وأداء أعمالهم، وسعيا منه لراحة أبنائه المواطنين، وحرصا منه على تيسير حركة النقل العام، صدرت أوامره بإنشاء شبكات قطارات المدن والنقل في الرياض ومكة المكرمة وجدة، بتكاليف تجاوزت مائة وخمسين مليار ريال.

أما الحرمان اللذان هما قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم ومصدر الفخر والاعتزاز لبلدنا، ويشرف حفظه الله بخدمتهما، فقد كان لهما النصيب الأوفر؛ إذ انطلقت مشاريع خدمتهما وتوسعتهما وتوفير وسائل النقل لهما، وفي كل الأحوال فالمشاريع التنموية يضيق المجال بذكرها.

وإذا كان الإنسان هو عصب الحياة، فقد حرص (حفظه الله) على تأهيل أبناء الوطن، بل ضمن لهم العيش الكريم؛ إذ استمر برنامج الابتعاث للاستفادة من خبرات الدول، وفتحت أبواب الجامعات السعودية لتستقبل كل من تقدم لها، حتى بلغ ما رصد في ميزانية هذا العام لقطاع التعليم العام والتعليم العالي وتدريب القوى العاملة 204 مليارات ريال (ما يعادل ميزانية عدة دول نامية)، وجرى توظيف أكثر من مائتين وخمسين ألف رجل وامرأة، وهو ما يعادل ما تستوعبه الدوائر الحكومية في دول أخرى لعشرات السنين، وأحدثت الوظائف للقطاعات العسكرية لحفظ الأمن الداخلي والخارجي لهذه البلاد الطاهرة، وأصدرت الأنظمة والتشريعات التي تواكب مرحلة التنمية.

* اوكيل وزارة الداخلية