الثورة واجتاز مرحلة التجدد الإيراني

الخميني كان يؤكد عل استخدام الحرة والدمقراطة والجمهورة بالمعن المصطلح عله في العالم الحديث

TT

مثل التساؤل حول العلاقة والنسبة بن ثورة إيران والحداثة إحد القضاا المثرة للجدل في الأدبات المطروحة حول ثورة إيران. ومکن تصنف وجهات النظر المقدّمة في هذا المجال في ثلاث نقاط عل الأقل؛ التقدمة (progressive)، المحافَظة أو الرجعية (regressive)، وما بعد الحداثة.

وتُقَّم ثورة إيران حسب وجهة النظر الأول عموما بوصفها تحولا في اتجاه التجدد، على الرغم من بعض النقاط التي تفترق فها عن الحداثة. وتعد ثورة إيران وفق المنظار الثاني، شأنها شأن النازة والفاشة من نسخ الثورات المحافظة، أو الرجعة. وأما وجهة النظر الثالثة التي كانت الاستنتاج الأول لفوكو، ولكنها تغرت فما بعد، فإنها تعد هذه الثورة حرکة تجاوزت الحداثة. ومن وجهة نظر المقالة، فإن ثورة إيران مکن تحللها وتقمها بشکل عام بوصفها تحولا في اجتاز التجدد بشکل خاص، حث تذكر تحت عنوان «التجدد الإيراني»، على الرغم من أنها تحققت في إطار مقولة الإسلام الساسي.

وقوم الادعاء المذكور أعلاه عل بعض الفرضات المسبقة؛ الأول أن الثورة هي من طرق التغر والتنمة الساسة التي تحدث من الداخل في ظروف الانغلاق الساسي وعدم إمكانية تغر النظام الساسي وإصلاحه. وهذه ظاهرة حداثة أساسا ولا مکن طرحها والتفکر فها في العالم القدم وفي إطار الفكر الكلاسيكي والتقلدي. ففي الفكر القدم، وکما دار الحدث عنه بوضوح في کتاب الساسة لأرسطو، كانت النظرة إل الثورة والتغر متشائمة وسلبة، ولم تکن تُعدّ أبدا خارا في طرق التطور والتنمة. وفي مجال الفكر الإسلامي، كانت المعارضة قائمة ضد الثورة، والإقدام عل تغر نظام الحكم بسبب تبعاتها الفوضوة من خلال إضفاء الأصالة عل النظام، اللهم إلا إذا استثننا المعتزلة والشعة الزدة. فقد كان المفكرون المسلمون عدون الملك الظالم أفضل من الفوضى الدائمة، مستندن في ذلك إل حدث «سلطانٌ ظَلوم خرٌ مِن فتنةٍ تَدوم» المنسوب إل الإمام علي (عليه السلام)، ولذلك فقد كانوا عارضون الثورة. ولأول مرة سادت النظرة الإجابة إل الثورة في عهد الثورة الدستورة، حث قام المرزا النائني بتسويغها من وجهة نظر فقهة في کتاب «تنبه الأمة». والملاحظة الثانة أن التجدد والحداثة لا قتصران عل النمط الغربي فحسب، بل إن بإمكاننا أن نتصور لهما نماذج أخر بلحاظ المجالات الاجتماعة والثقافة الأخر. وحسب وجهة النظر هذه، فإن التجدد أساسا بمفهوم الصراع بن القدم والجدد، وهو مسار جري فه تحدّي المتأخرين لفکر واستنتاجات القدماء وطرح التساؤلات علهم وعرض الأفكار الجددة والحدثة في مقابلهم. وفما تعلق بإيران، فإن بإمكاننا أن نتصور مسار تحدّي هذا الفكر والتقلد من قبل المتأخرن وظهور التجدد مع الأخذ بعن الاعتبار الفكر القدم والموروثات القدمة. وقد ظهر هذا التحدي في مجالن عل الأقل؛ الأول في مجال الفكر الدني، خاصة في إطار التقلد الفقهي والاجتهادي، والثاني في مجال التنور (الفكري). وكان منطلق هذا التحدي عهد الحكم الدستوري، واستمرّ بعد ذلك حتى الوم بعد المنعطفات التي مرّ بها. ولا شك في أن هذا التحدّي حدث عل ضوء التعرف عل التجدد الغربي والانتفاع من الفكر والمفاهم الغربة، ولکن لا مکن أن نعدّه مستوردا من الخارج جملة وتفصلا، ونتجاهل جانبه النابع من الداخل.

ومکن أن ندعي استنادا إلى هذن الفرضن المسبقن أن ثورة إيران الإسلامة كانت ظاهرة حدثت في ظروف اجتاز مرحلة التجدد، وكانت ذات نزعة تجددة بشکل عام، ومهدت الطرق للتجدد الإيراني، على الرغم من وجود بعض التحدات للتجدد الغربي، والنماذج الإبداعية المنبعثة منه. وقوم الاستدلال على هذا الرأي عل أساس ثلاث مقدمات رتبط قسم منها بمسار الثورة والقسم الآخر بمنجزات الثورة، وسيكون القسم النهائي جوابا عل استدلال المعارضن.

ومکن في القسم الأول تحلل تطلعات الثورة وأهدافها وقواها وتقم ماهتها بلحاظ آدولوجتها. فما حظ في القسم الثاني الدستور ونظام الجمهورة الإسلامة والمسارات القائمة بعد انتصار الثورة بالأهمة. ورتبط القسم الثالث بالأدلة التي قدمها معارضو هذا الاستنتاج في الاستدلال عل وجهة نظرهم. وقد اکتفنا في هذه المقالة بإشارة عابرة إل القسم الأول، وأوكلنا تفصل کل الحالات إل فرصة أخر.

لقد تحققت ثورة إيران في إطار أطروحة الإسلام الساسي، وكانت تعمل عل تأسس نظام ستمد نموذجه من تعالم الإسلام. وكان الإسلام الساسي تمّز عن الآدولوجتن السائدتن آنذاك، أي الرأسمالة والشوعة، وتمتع بثلاثة اتجاهات: ساري، معتدل وفقه. وكان الوجه المشترك بن هذه الاتجاهات الثلاثة نقد الاستنتاج التقلدي من الإسلام، حث كان قدم تفسرا غر ساسي عنه، وكان شعر في الغالب بالقلق من الالتزام به في النطاق الخاص والمدني.

وبناء عل ذلك، فقد تکوّنت آدولوجة الثورة الإسلامة في مواجهة الرجعة، وعل أساس نوع من التجدد الدني. وفي هذه النزعة التجددة الإسلامة كان شرعتي ونخشب مثلان السار الإسلامي، وكان بارزكان والمطهري وطالقاني وبهشتي مثلون التار المعتدل، بينما كان الإمام الخمني وآة الله المنتظري مثّلان النزعة الفقهة؛ وكان المحافظون الذين نشروا بشکل تدرجي أطروحة مقدرة عن الإسلام الساسي، وکوّنوا النزعة المنة للإسلام الساسي بعد انتصار الثورة قد واجهوا في تلك الفترة الدكتور شرعتي بدلا من الشاه، خلافا لوصة قائد الثورة. ولم کن الإسلام الساسي بوصفه الآدولوجة المعارضة التي كانت تطرح في عهد الثورة، عارض مفاهم التجدد وتعالمه، مثل الحرية، الديمقراطية، الجمهورية، حقوق الإنسان، الاستقلال وحسب، بل إنه كان ستند إلها في صاغته وتسويغه لنفسه.

ولعل نقطة افتراقه الوحدة عن التجدد كانت في موضوع علاقة الدن بالساسة، وبالطبع فقد كان جري تبررها بهدف الرقي بالساسة وإحاء القم المعنوة ولم کن هدفه أبدا اتخاذ الدن کأداة، أو التوسل بالنزعة السلطوة الدنة. وقد انعکس هذا التناسق والتناسب في بان تطلعات الثورة وأهدافها، وقد جسّدهما بوضوح شعار «الاستقلال، الحرة، الجمهورة الإسلامة». کما أن قائد الثورة الراحل لم کن يؤكد في خطاباته عل الالتزام بالحرة والدمقراطة والجمهورة وحسب، بل كان يؤكد أضا عل استخدامها بالمعن المصطلح عله في العالم الحديث.

وفضلا عن ذلك، فإن قو الثورة كانت تشکّل ائتلافا من القو التقلدة والحدثة، وكان سرّ انتصار الثورة هذا الائتلاف نفسه کما حدث في الحرکة الدستورة. ومع ذلك، وکما أشار هنتنغتون في نظرته عن الثورة، فقد كانت القو الحديثة تؤدي دور التوجه والتنظم. وكانت المؤسسات التقلدة، مثل علماء الدن، والقواعد الدنة، مثل المساجد والمنابر، تؤدي دورا مؤثرا في تعبئة القو وجماهر الشعب، ولکن هذا الدور كان تحقق تحت تأثر القو الحديثة وبإرشاد قائد الثورة.

وعلى الرغم من أن قبول قادة الإمام الخمني ضمن إطار الشرحة التقلدة وجماهر الشعب كان بدوافع تقلدة، فإنه حدث عل صعد الشرحة المطالبة بالتجدد بسبب التقارب في قم الحداثة. ولم تحدث الإمام الخميني خلال مسرة الكفاح عن إدارة الحكم عل د علماء الدن وحسب، بل إنه كان عارضها بوضوح. ولذلك لم تکن قد وردت أ إشارة إل ولاة الفقه ف مسودة الدستور.

واستنادا إل ما مرّ، مکن الاستنتاج أن العناصر المطالبة بالتجدد كانت تتمتع في الأقسام الثلاثة، وهي الآدولوجة، التطلّعات والأهداف والقو، بمكانة أبرز من العناصر التقلدة والمحافظة. وعلى الرغم من أن هذه النزعة التجددة كانت تحدث ضمن إطار الفكر الدني والتعالم الدنة، لكنها لم ترق للمحافظن، لا بل كانت تفصلها عنها حدود واضحة وظاهرة. ولم کن في الفكر المحافظ والتقلدي شيء مبرّر وقابل للتنظر باسم الثورة والتغر الشامل والمقترن بالعنف، ولذلك فإنهم لم کونوا يرون الإجراءات الثورة مقبولة. وكانوا رون أن تأسس الحكومة الدنة في عصر غبة «إمام العصر» أمر مستحل، ولم کونوا جزون الإقدام عله. کما أن النزعة الإسلامة لقو الثورة لم تکن من نوع السلفية، بل من نوع الإحاء، أو الإصلاح. فهم لم کونوا عملون عل تأسس خلافة إسلامة وإعادة المجتمع إل الماضي، بل كانوا طالبون بالإسلام الأصل، حث كانوا يؤيدون قما مثل الحرة، المساواة، حكومة القانون وسادة الشعب.

وبناء عل ذلك، مکن عدّ الثورة الإسلامة بشکل عام مشروعا في إطار تحقق التجدد الإيراني. وؤد هذا الادعاء وجود العناصر المطالبة بالتجدد في الدستور والجمهورة الإسلامة بوصفها أسم منجزات الثورة. وسوف تجري دراسة هذا الجانب والإجابة عن وجهات النظر المعارضة في فرصة أخر.

* عضو في الهئة التدرسة لجامعة المفد في قم