المدربون المغاربة أجورهم تتراوح بين ألف وألفين دولار ومصائرهم مربوطة بالنتائج وإرضاء النجوم

مطالب بوضع ضوابط للعمل المهني والإداري بعد أن أثبتوا وجودهم على حساب الأجانب هذا الموسم

TT

لم تفلح الجهات المغربية المتداخلة في ميدان كرة القدم سواء قطاع الرياضة، الذي حل محل وزارة الشباب والرياضة، التي كانت وصية على جميع انواع الالعاب، او اللجنة الاولمبية او الاتحاد المغربي، في ايجاد صيغة وضوابط قانونية لتعاقدات وارتباطات المدربين بمختلف الفرق الكروية في مجال حقوق وواجبات كل طرف نحو الاخر.

غياب هذه الضوابط يجعل مستقبل المدرب المغربي رهين النتائج والانجازات التي يحققها، ويبقى خاضعا تحت رحمة رئيس النادي الذي يملك صلاحية اتخاذ قرار الابعاد متى شاء، فمعظم رؤساء الاندية يستغنون عن مدربي فرقهم تحت ضغط الجماهير والمناصرين الذين يطالبون دائما بافضل النتائج، او لارضاء بعض اللاعبين الغاضبين الذين غالبا ما يتحكمون في مصير هؤلاء المدربين.

واذا كانت حالات الابعاد تصدر من جانب اعرق الاندية الاوروبية، الا انها تخضع لضوابط قانونية تحمي حقوق المدربين في حالة انهاء الارتباط معهم، فهناك نقابات ورابطات تسهر على حفظ هذه الحقوق، ويلعب نظام الاحتراف في هذا المجال دورا اساسيا لانه يحدد فصول وبنود عقود الارتباط بين الجانبين، وهذا مفتقد في المغرب اذ تسرح ادارات الاندية مدربيها من دون تسديد مستحقاتهم، الامر الذي يدفع بعضهم الى اللجوء الى الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» للحصول على هذه المستحقات في غياب دعم اتحاد كرة القدم، وعجز النقابات والرابطات في الدفاع عنهم، اللهم الا في بعض الحالات الاستثنائية التي يتم فيها الانفصال بتراضي الطرفين، اذا كان هناك اتفاق مسبق او نضج وتفهم بعض الرؤساء الذين يقدرون تضحيات مدربيهم ويعترفون بانجازاتهم .

وتعرف انتقالات المدربين حركية كثيرة بسبب عدم وجود عقود ملزمة ومحددة الضوابط، اذ غالبا ما يتم الارتباط بالقول فقط.

ويفضل بعض المدربين هذا النوع من الارتباط الشفوي، وقال المدرب عزيز العامري، المدرب الحالي لفريق «اولمبيك اسفي» العائد هذا الموسم الى الدرجة الاولى، والذي درب عدة فرق مغربية، انه لم يسبق ان ارتبط مع فريق بعقد محدد الشروط، مضيفا انه يدرك عقلية ومزاج رؤساء ادارات الاندية، لذلك يترك لنفسه مساحة حرة للرحيل او الانتقال الى فريق آخر في أي وقت يرى فيه ان الامور اتخذت منحى لا يرضيه، فقد عاش حدثا من هذا النوع مع عدة فرق منها انفصاله خلال الموسم الماضي عن فريق «النادي المكناسي» وانتقاله الى «اولمبيك آسفي»، الشيء الذي اغضب رئيس ادارته، محمد قدري، الذي لم يجد سندا قانونيا لمتابعته.

ولا تخضع اجور المدربين المغاربة لضوابط ثابتة ومعينة، الا انها تقل كثيرا عما يتقاضاه مدرب اجنبي مغمور لا يتوفر على مؤهلات افضل من المغربي، وتتراوح هذه الاجور ما بين 10و30 الف درهم مغربي (الف او الفي دولار تقريبا)، حسب امكانيات كل فريق، وهو وضع يفرض على معظم المدربين قبول العروض التي يتلقونها نظرا لوجود هذه الفوارق، اضافة الى انعدام فرص الاختيار.

وساهم اعتماد بعض الاندية المغربية على المدرب الاجنبي في تقليص أسهم وفرص المدربين المغاربة، وهذا الوضع ليس حديثا، فقد اعتمدت الاندية على مدربين اجانب اسبان وفرنسيين والمان ورومانيين منذ انطلاقة الدوري المغربي بعد استقلال البلاد عام 1956 من بينهم من اشرف على الجهاز الفني لمنتخب المغرب، نذكر منهم الفرنسي غي كليزو، والروماني مارداريسكو، والاسباني باريناغا، فيما تجاهلت هذه الاندية المدرب المغربي، الشيء الذي فرض عليه البحث عن فرص خارج بلاده، وقد نجح معظمهم في تجاربهم مع اندية خليجية خاصة في الامارات العربية وقطر وسلطانة عمان والكويت .

ومن بين ظواهر الموسم الحالي لوحظ تراجع الاعتماد على المدربين الاجانب، فقد اعتمدت تسعة فرق على مدربين مغاربة هي «الجمعية السلاوية»، التي تعاقدت مع المدرب عبد القادر يومير، و«المولودية الوجدية» مع المرسلي، واستمر الجيش الملكي في التعامل مع المدرب محمد فاخر للموسم الثاني على التوالي، وشباب المحمدية مع حارسه الاسبق، الطاهر الرعد، و«شباب المسيرة»، مع سعد دحان، اللاعب الاسبق للجيش الملكي، واولمبيك خريبكة، الذي يحتفظ بمدربه جواد الملياني منذ اربعة اعوام وهو استثناء في الاعوام الاخيرة، اذ لم يسبق لادارة فريق ان احتفظت بمدرب مغربي اكثر من موسمين، واعتمد فريق الكوكب المراكشي على لاعبه الاسبق، هشام الدميعي، الذي تولى المسؤولية في منتصف الموسم الماضي بعد ابعاد المدرب فخر الدين الرجحي، و«اولمبيك آسفي» الذي جددت ادارته ثقتها في عزيز العامري، الذي حقق مع فريقها الصعود الى الدوري الاول، والشيء نفسه بالنسبة لاتحاد تواركة، الذي احتفظ بعبد الرزاق خيري .

وتقلصت فرص المدربين الاجانب اذ اعتمدت سبعة فرق على بعضهم، إذ احتفظ فريق النادي المكناسي بمدربه السويسري، راؤول سافوا، للموسم الثاني على التوالي، وارتبط فريق «اتحاد الخميسات» بالمدرب الروماني مولدوفان بعد الاستغناء عن المدرب المغربي، محمد بوبادي. وتعاقد فريق الوداد البيضاوي مع المدرب الفرنسي، جاكي بونيفاي، وهي اول تجربة له في المغرب، والشيء نفسه بالنسبة لمواطنه الان فيار، الذي ارتبط بالرجاء البيضاوي، فيما اعتمد فريق المغرب الفاسي على المدرب السويسري شار روسلي، الذي سبق ان خاض تجربة سابقة مع الوداد البيضاوي، واعتمد فريق حسنية اغادير على الروماني اوريل تيلكيانو، الذي سبق ان درب المغرب الفاسي، فيما يخوض فريق اتحاد طنجة تجربة فاشلة مع المدرب الاسباني المغمور، الفريد سيرينا، الذي يدرب لاول مرة فريقا من الدرجة الاولى، ويتردد في اوساط الفريق احتمال ابعاده وتعويضه بالمدرب المغربي عبد الهادي السكيتوي، الذي درب «حسنية اغادير» الموسم الماضي.

وينهج الاتحاد المغربي نفس السياسة بسبب عدم اختلاف عقلية معظم اعضائه الذين اشرفوا او مازالوا يشرفون على فرق سواء في الدرجتين الاولى او الثانية، بل ان بعضهم يعلنون الحرب على وجود المدرب المغربي داخل الاجهزة الفنية لمختلف المنتخبات المغربية، ويعرقلون سير اعمالهم نظرا لتعلقهم الاعمى بالمدرب الاجنبي.

وتعرض المدرب الزاكي بادو قبل تعيينه بديلا للمدرب البرتغالي هومبيرتو كويلهو، لعراقيل كثيرة من طرف بعض اعضاء الاتحاد الذين كانوا يصرون على تعويضه بالمدرب الفرنسي، فيليب تروسييه، الذي درب عدة فرق مغربية، ورغم ذلك تمكن من تكوين منتخب قوي احرز لقب وصيف بطل كأس امم افريقيا الاخيرة في تونس، ومازال الزاكي يعيش ذات الصعاب والعراقيل الخفية، اضافة الى مصطفى مديح، مدرب المنتخب الاولمبي، الذي ابعد بطريقة غير مشرفة رغم الانجازات الكثيرة التي حققها خاصة في كندا بفوز منتخب المغرب الاولمبي بذهبية الالعاب الفرانكوفونية، بعد فوزه على المنتخب الفرنسي في النهائي، وفوزه بدورة قطر وبجائزة 500 الف دولار، اذ تلقى رسالة من طرف الاتحاد عن طريق البريد تفيد بانه استغنى عنه بعد اخفاقه في تحقيق النتائج المطلوبة في اولمبياد اثينا اليونانية. في هذا السياق، عبر المدرب الزاكي بادو عن اسفه لتجاهل المدرب المغربي، وقال إنه لا يخشى المؤامرات التي تدبر ضده في الخفاء وتمسكه باختياراته ونهج عمله ودليله هو النتائج التي حققها منتخب المغرب وابرزها لقب الوصيف في تونس، وتفاؤله بتحقيق الافضل في المباريات المقبلة.

ويرى فتحي جمال، مدرب منتخب الشباب، ان قدر المدرب يفرض عليه قبول هذا الواقع، والايمان بعدم الاستقرار، وقال ان ما تعرض له زميله مصطفى مديح كان متوقعا لانه سبق له ان التزم بتحقيق انجاز جيد في اثينا.