المغرب : الكروج بطل الأبطال منذ 9 سنوات والخلف غير معلوم

TT

كعادتها خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) من كل سنة تنشط وسائل الإعلام في سرد أفضل الإنجازات للأبطال الرياضيين في مختلف الرياضات سواء على الصعيد المحلي أو العالمي. وبما أن السنة التي سنودعها بعد أيام قليلة كانت سنة أولمبية، فإنه من الطبيعي أن يحتكر أبطال الرياضة المتوجون في هذا الملتقى العالمي الصفوف الأولى كأفضل الرياضيين إن محليا أو عالميا.

وقبل إعطاء تقييم لحصيلة الرياضة المغربية خلال سنة 2004 لابد من الرجوع قليلا إلى الوراء، أي إلى سنة 2003 والتي لم تكن سنة أولمبية، وبالتالي فإن تألق الأبطال الرياضيين في تلك السنة كان مبنيا على إنجازات إما في بطولات عالمية كألعاب القوى أو بطولات قارية أو جهوية، وبذلك نجد أن أفضل الإنجازات الرياضية المغربية في تلك السنة كانت من نصيب رياضيي ألعاب القوى وخاصة منهم في صنف الذكور البطل العالمي هشام الكروج الذي فاز حينذاك بلقب أفضل رياضي في العالم للسنة الثالثة على التوالي بعد فوزه بذهبية 1500 متر للمرة الرابعة على التوالي وفضية 5000 متر في بطولة العالم التي أقيمت في باريس، وفي صنف السيدات أمينة آيت حمو صاحبة المركز الرابع في نهاية سباق 800 متر في البطولة ذاتها والمركز الثالث في نهاية جائزة ألعاب القوى العالمية في موناكو، وبذلك توجا كأفضل رياضي ورياضية في المغرب خلال سنة 2003، وجاء في المرتبة الثانية بعد هشام الكروج بطل العالم في سباق الماراثون في دورة باريس جواد غريب وحل في المركز الثالث نجم رياضة كرة المضرب يونس العيناوي الذي أنهى سنة 2003 في المركز الثالث عشر عالميا والذي لعب نهائي جائزة الحسن الثاني الكبرى ونصف نهائي دوري لونغ آيلاند وربع نهائي دوري الولايات المتحدة المفتوح وبطولة أستراليا المفتوحة، فيما حلت ثانية على مستوى السيدات لاعبة الايكواندو، منى بنعبد الرسول، لفوزها باللقب العربي في القاهرة والكأس الفرنكوفونية في الرباط فيما حلت العداءة سلطانة آيت حمو، التي بلغت الدور نصف نهائي لسباق 800 متر في مونديال باريس والحائزة ذهبية نفس السباق في الألعاب العالمية العسكرية في إيطاليا.

والملاحظ أن الرياضات الجماعية تغيب منذ عدة سنوات عن تصنيف أفضل الرياضيين في المغرب وذلك للتراجع المريب الذي انتابها مما أصبحت معه الرياضات الفردية في واجهة كل استطلاعات الرأي، كما أن نزوح أفضل اللاعبين المغاربة وخاصة في رياضة كرة القدم إلى الاحتراف سواء في أوروبا أو المشرق العربي أثر على مردود فرق بطولة الدوري المغربي التي لم تعد لها القدرة التنافسية اللازمة لإبراز مستواها قاريا أو جهويا إلا من بعض الفلتات التي يقودها بين الفينة والأخرى فريقا الوداد والرجاء البيضاويان، فيما تبقى الرياضات الجماعية الأخرى ككرة السلة وكرة اليد والكرة الطائرة عاجزة عن إظهار أية قوة تنافسية، وهو ما أكدته سنة 2004 من خلال غياب هذه الرياضات على المستوى الجهوي خلال البطولة العربية في الجزائر أو الألعاب الأولمبية في أثينا. كما أن كرة القدم، وإن برزت بشكل لافت من خلال المنتخب المغربي الأول في بطولة كأس أفريقيا للأمم في تونس حيث بلغ المباراة النهائية، فإن الفرق المغربية لم تستطع الصمود ومنها فريق الرجاء البيضاوي الذي فاز سنة 2003 بآخر نسخة من كأس الاتحاد الأفريقي وفي سنة 2004 أقصي من الدور التمهيدي لتصفيات كأس رابطة الأبطال الأفارقة أمام فريق جان دارك السنغالي إثر هزيمته بدكار في مباراة الإياب بالضربات الترجيحية5 ـ 4 الذي فاز بالمباراة بهدفين لصفر، وهي نفس نتيجة مباراة الذهاب في الرباط، كما لقي فريق حسنية أغادير، نفس المصير في نفس المنافسة القارية إثر تعادله مع النجم الساحلي التونسي بدون أهداف في مباراة الإياب بأغادير (0ـ2 في مباراة الذهاب)، كما خرج فريقا الوداد البيضاوي والجيش الملكي من التصفيات التمهيدية لكأس الاتحاد الأفريقي بعد إقصاء الأول إثر تعادله مع فريق أشانتي كوتوكو، الغاني بهدف لمثله في مباراة الإياب التي جمعت بينهما بالدار البيضاء(0ـ2 في مباراة الذهاب)، وخروج فريق الجيش الملكي إثر هزيمته أمام فريق بيترو أتلتيكو الأنغولي، بهدف لصفر في مباراة الإياب بالرباط (0ـ0 في الذهاب)، أما فريق الجمعية السلاوية الذي حل ثالثا في بطولة الدوري المغربي لكرة القدم فقد أقصي في الدور التمهيدي من دوري أبطال العرب أمام الكويت الكويتي بالرغم من تغلبه عليه في مباراة الإياب في الرباط بهدف لصفر وكانت مباراة الذهاب قد عادت لفائدة الفريق الكويتي بهدفين لصفر، فيما صعد فريق الوداد البيضاوي إلى الدور الثاني من دوري أبطال العرب بعد تغلبه على الرفاع البحريني ذهابا في البحرين بهدف لصفر وإيابا في الدار البيضاء بهدفين لواحد.

إجمالا، فقد شكل إنجاز المنتخب المغربي في كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم بتونس، والازدواجية التاريخية للعداء العالمي هشام الكروج، في الألعاب الأولمبية بأثينا وخسارة المغرب لمعركة الترشيح لاستضافة نهائيات كأس العالم للمرة الرابعة أبرز الأحداث التي طبعت مسار الرياضة المغربية سنة 2004 .

ففي تونس، حقق ليوث الأطلس إنجازا كبيرا ببلوغهم المباراة النهائية لكأس إفريقيا للأمم التي خسروها أمام منتخب البلد المضيف تونس وأعادوا رفقة المدرب الزاكي بادو الهيبة المفقودة منذ عدة سنوات لكرة القدم المغربية، إذ اعتبر هذا الانجاز الأفضل في تاريخ المشاركات المغربية منذ أول وآخر فوز للمنتخب المغرب بكأس أفريقيا للأمم في دورة إثيوبيا سنة 1976 .

وفي زيوريخ، سقط مرة أخرى قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم يوم 15 مايو (أيار) كالصاعقة ومالت كفة (الفيفا) هذه المرة نحو جنوب أفريقيا التي نالت شرف تنظيم نهائيات كأس العالم لسنة 2010 ليسقط من جديد ملف الترشيح المغربي كما كان عليه الشأن خلال ترشيحات سنوات 1994 و1998 و2006 .

وفي العاصمة اليونانية أثينا، سجل هشام الكروج إنجازا تاريخيا بتتويجه المزدوج بطلا أولمبيا وأصبح ثاني عداء في التاريخ يفوز بذهبيتي 1500 متر و5000 متر في دورة واحدة بعد العداء الفنلندي الشهير بافو نورمي عام 1924 في دورة باريس.

وتعزز هذا العقد الفريد بفضية سباق 800 متر التي أحرزتها العداءة حسناء بنحسي بعد غيابها عن المضمار لأكثر من سنتين بسبب ظروف الحمل لتصبح ثالث عداءة مغربية تصعد لمنصة التتويج بعد نوال المتوكل ونزهة بدوان.

ورغم مشاركة المغرب بتسعة أنواع رياضية في الدورة الـ 28 للألعاب الأولمبية في أثينا، فإن الحصيلة لم ترق إلى مستوى التطلعات. فوحدها رياضة ألعاب القوى أنقذت ماء وجه الرياضة المغربية بإحرازها ميداليتين ذهبيتين وواحدة فضية، وهي أفضل حصيلة على الإطلاق في تاريخ المشاركة المغربية في الألعاب الأولمبية مما جعل المغرب يحتل المركز 36 في لائحة الميداليات، وتبقى خيبة الأمل الكبرى من بعض الأنواع الرياضية، ومنها الملاكمة التي خرجت خاوية الوفاض من المنافسات الأولمبية وكذلك الشأن بالنسبة للمنتخب الأولمبي لكرة القدم الذي خرج من الدور الأول من التصفيات، كما أن بعض الرياضات الأخرى كانت بعيدة عن المنافسة العالمية ومنها كرة المضرب ورفع الأثقال والسباحة والجيدو والتكواندو والمسايفة وكانت مشاركتها أكثر من سلبية.

وبالرغم من الإنجاز العالمي الذي صنعه كل من الكروج وبنحسي فإن مستقبل الرياضة المغربية عامة أصبح مخيفا لإيجاد الخلف القادر على رفع التحدي وتثبيت الحضور المغربي لأن المشاركة المغربية لم تكن موفقة في الدورة الرياضية العربية العاشرة بالجزائر، حيث اكتفى المغرب بالمركز الرابع في الترتيب العام وراء الجزائر ومصر وتونس مع تسجيل نوع من التراجع حتى بالنسبة لرياضة ألعاب القوى حيث أضاع المغرب العديد من الميداليات في العديد من المسابقات التي يعتبر رائدا فيها كما أن تراجع كل من يونس العيناوي وهشام أرازي، أثر بشكل ملحوظ على تثبيت الحضور المغربي مع عمالقة رياضة كرة المضرب كما أدى تراجع أداء اللاعبين معا إلى خروج المغرب من المجموعة العالمية لكأس ديفيس.

وفضلا عن المرتبة 36 عالميا والرابعة عربيا، فإن العديد من المهتمين يرون أن الكروج يبقى دائما بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة حتى على مستوى رياضة ألعاب القوى لكون العدائين والعداءات المغاربة الذين حضروا دورة أثينا وباستثناء الكروج وبنحسي فإن نتائجهم لا تبعث على الاطمئنان مما يطرح معه السؤال العريض حول الحضور المقبل في دورة بكين الأولمبية لسنة 2008 والتي شرعت العديد من الدول حاليا في إعداد أبطالها للموعد الصيني.

أكيد أن الكروج سينال لقب أفضل رياضي في المغرب عن سنة 2004 في صنف الذكور ونفس التتويج سيطال العداءة حسناء بنحسي، في صنف السيدات وذلك لإنجازاتهما الرائعة واعتلائهما منصة التتويج في الألعاب الأولمبية، لكن السؤال الذي سيطرح مباشرة بعد ذلك ما هي رهانات الرياضة المغربية في أفق سنة 2005 والتي تنتظرها استحقاقات مهمة أبرزها الدورة الأولى لألعاب التضامن الإسلامي في المملكة العربية السعودية ودورة الألعاب الفرونكفونية في نيامي بالنيجر ثم ألعاب البحر الأبيض المتوسط في ألميريا بإسبانيا وبطولة العالم لألعاب القوى في هلسنكي بفنلندا ثم بعض المحطات الحاسمة في بعض الرياضات الفردية الأخرى والجماعية ومنها تصفيات كأسي أفريقيا والعالم لكرة القدم وتصفيات المنطقة الأفريقية الأولى في كرة السلة في المغرب بمشاركة منتخبات الجزائر وليبيا وتونس والمغرب المؤهلة لنهائيات كأس أفريقيا للأمم التي ستقام في مالي إلى غيرها من المنافسات العالمية والقارية والجهوية، فهل ستخرج الرياضة المغربية منها بنتائج تثلج الصدر أم أن دار لقمان ستبقى على حالها وننتظر من جديد تألق البطل العالمي الكروج لنخفي من ورائه إخفاقات الرياضة المغربية.