فرح ممزوج بالسخط على الاتحاد المغربي لألعاب القوى بعد ازدواجية رشيد رمزي

TT

لم يكن مستغربا أن يهتز مئات الآلاف من المغاربة فرحا، وهم يشاهدون العداء البحريني رشيد رمزي (المغربي الاصل)، وهو يحقق ازوداجية فريدة في بطولة العالم لألعاب القوى بهلسنكي، بفوزه بسباق 800 متر، بعد أن أحرز ذهبية سباق الألف وخمسمائة متر.

فكما تابع البحرينيون المسيرة الموفقة لهذا العداء الشاب في بطولة العالم بالسويد بكثير من الفرح والانتشاء، فإن الشيء نفسه فعله المغاربة وهم يرددون مع أنفسهم أن حمل جنسية بلد لا تعني التنكر للبلد الأصلي، لذلك اختلطت فرحتهم بسخط عارم ضد اتحاد ألعاب القوى المغربي، الذي يجد نفسه هذه الأيام في ظل حرج شديد بعد أن انصرف العشرات من العدائين المغاربة يبحثون عن ظلال جنسيات أخرى، بعد أن ضاقت بهم جنسيتهم المغربية. خليط الفرحة والسخط، الذي خلفه فوز رمزي بالازدواجية في بطولة العالم، عاد ليلقي الأضواء من جديد على صراعات الكواليس في اتحاد ألعاب القوى المغربي، الذي يعيش وضعا ملتبسا منذ عدة سنوات، وهو الوضع الذي تؤججه بين الفينة والأخرى، صراعات مفتوحة وعلنية بين بعض العدائين المغاربة، سواء السابقين أو الحاليين، وأعضاء نافذين في الاتحاد المغربي لألعاب القوى.

ولعل أبرز الصراعات المفتوحة منذ سنوات، ذلك الذي يعرفه كل المغاربة بين البطل العالمي السابق سعيد عويطة والاتحاد المغربي، وهو الصراع الذي خرج مجددا إلى العلن في الأيام القليلة الماضية، حين شن سعيد عويطة هجوما لاذعا في وسائل الإعلام المغربية، ضد الاتحاد، ووصفه بتبذير المال العام، وإنفاق أموال باهظة من دون تخريج أبطال، وزاد ذلك استفحالا فوز رشيد رمزي بميداليتين ذهبيتين، مما ألقى بمزيد من الارتباك في مرمى اتحاد ألعاب القوى، الذي صار اليوم يلملم أطرافه، بحثا عن مخرج من وضع لا يحسد عليه.

وفي الوقت الذي فضل فيه البطل العالمي هشام الكروج عدم المشاركة في بطولة العالم لأسباب خاصة، أرجعها البعض إلى تخوفه من منافسة شديدة في البطولة العالمية، قد تبلل إنجازاته الأولمبية بأثينا بالماء قبل الأوان، فإن هذا الغياب جاء أكثر قسوة على ألعاب القوى المغربية بإنجاز رمزي، الذي صار المغاربة ينظرون إليه كبطل مرتين. بطل لأنه استطاع تجاوز كل الصعوبات التي واجهته مع اتحاد ألعاب القوى في المغرب، وبطل لأنه حقق إنجازا غير مسبوق تحت راية بلد عرف كيف يستثمر كفاءات رياضيين عرب، عوض أن يتجنسوا بجنسيات بلدان أوروبية.

وبدأت هجرة العدائين المغاربة قبل أزيد من عقد من الزمن، غير أنها استفحلت اليوم، بحيث صار العشرات من العدائين، يبحثون عن بلدان تستضيفهم وتحسن استقبالهم بالمال وحسن الاهتمام.

وكان البطل العالمي السابق سعيد عويطة، قد تعرض بدوره لإغراءات التجنس بالجنسية الأميركية. أما هشام الكروج فاعترف بدوره بأنه تعرض لنفس الإغراء في بداية مشواره الاحترافي، وأن والدته كان لها دور حاسم في ثنيه عن ذلك.

وقبل أن تكون بلدان الخليج محجا للرياضيين المغاربة، فإن فرنسا كانت في السابق من أكبر المستفيدين من عطاءات الرياضيين المغاربة خصوصا، ورياضيي المغرب العربي على العموم. كما يوجد في بلجيكا رياضيون مغاربة يمارسون مختلف الأشكال الرياضية ويدافعون عن صيتها في المنافسات الأوروبية والدولية، إضافة إلى بلدان أوروبية أخرى.

وهناك مثال طريف يبين كثافة الرياضيين المغاربة المتجنسين في الخارج. ففي سباق دولي بكندا لسنة 2001، شارك ستة مغاربة ينتمون لعدد من البلدان الأوروبية وأميركا الشمالية في منافسة واحدة، من أبرزهم الأميركي خالد الخنوشي، الفائز بالسباق العالمي للماراثون سنة 1999، الذي سمع به المغاربة لأول مرة بعد ذلك الفوز .

وفي الوقت الذي سيكون فيه صعبا على الاتحاد المغربي لألعاب القوى تجاوز هذه الوضعية بسهولة، فإن الحديث عاد مجددا عن العشرات من العدائين المغاربة الذين حملوا جنسيات بلدان أخرى عربية وأوروبية وأميركية. ومن المرتقب أن يتحول هذا الحديث إلى جدل مفتوح مستقبلا بين مختلف الفعاليات والهيئات الرياضية في البلاد، في الوقت الذي لم يعد يتوفر فيه المغرب على مواهب شابة يمكن أن تعوض رحيل العداء هشام الكروج، الذي صار يتقدم نحو الاعتزال بخطى حثيثة، حيث أن رفضه المشاركة في بطولة العالم بهلسنكي، ليس سوى إعلان ملتبس عن هذا الاعتزال. وكان الشارع المغربي قد تداول في الأسابيع الماضية خبر «هروب» أزيد من عشرين عداء مغربيا إلى إسرائيل، وحملهم للجنسية الإسرائيلية. وعلى الرغم من أن هذا الهروب تم نفيه من طرف اتحاد ألعاب القوى المغربي، بطريقة غير واضحة، إلا أن المغاربة يعتبرون تأكيد هذا الخبر مسألة وقت فقط، حين يبدأ هؤلاء بحصد الميداليات لصالح إسرائيل في الملتقيات والمنافسات الدولية، وحينذاك سيكون من المستحيل إخفاء الخبر بالغربال.

وزاد عزيز داودة المدير الفني في اتحاد العاب القوى المغربي، الطين بلة، حين هاجم علنا في برنامج رياضي الأسبوع الماضي، وسائل الإعلام المغربية ووجه اتهامات مباشرة للصحافيين، اعتبرها الكثيرون مجانية وغير ذات سبب، سوى أن المدير الفني أزعجته الملاحظات التي أبدتها الصحف المغربية، مما أسمته «الفوضى» التي تنخر هذا الاتحاد. وتكمن خطورة مهاجمة داودة للصحافيين في أنها ستزيد في تشديد خناق العزلة عليه، مما سيدفع أعضاءه عاجلا أو آجلا، إلى تقديم استقالاتهم بالجملة والانسحاب بهدوء، خصوصا في ظل عدم وجود اسم لامع في رياضة ألعاب القوى، يحتمون وراءه مثلما كان يحدث في السابق.

سخط الشارع المغربي جاء مفعما أيضا بالفرح، لأن الراية التي يلعب في ظلها رشيد رمزي راية عربية، لكن لا أحد يتوقع ماذا سيكون عليه الحال لو أن عداء مغربيا ربح في المنافسات المقبلة ميدالية كيفما كان نوعها تحت العلم الإسرائيلي.