بعد هرمونات ميسي.. اللاعبون المعدلون جينيا سيعيدون وهج كرة القدم.. لكنهم سيسرقون أخلاقياتها

تراجع عدد الموهوبين المؤثرين.. وعجز منتخبات أوروبا عن مجاراة البرازيل والأرجنتين

TT

ليس هناك من يلفت الانتباه كموهوب وقادر على الإبداع بتجلٍّ تامّ سوى الأرجنتيني ليونيل ميسي، فهو لاعب متواصل القدرة متنامي التقنية، يؤدي بمثالية عنوانه الإبداع، ومجاله الإمتاع، وعليه كان من المسلم به أن ينال كل الأفضليات التتويجية في عالم كرة القدم خلال العام 2009.

ويتميز ميسي عن كل لاعبي العالم بصفات تنم عن مواهب تقنية وبدنية فذة وعلى جميع الصفات والقدرات سواء كانت عضوية أو مهارية، فسرعته لافتة جدا، ومراوغاته تعبر عن مرونة وقدرات بدنية عالية بل وفكر صافٍ خلاّق، وتحكمه بالكرة قلّ من يفعله، حتى معظم المدربين في العالم قد أكدوا على أن بإمكان ميسي تغيير نتيجة أي مباراة بفضل موهبته الفذة.

البقية من لاعبي كرة القدم في العالم هم مجرد مؤدين لا أكثر يتفاوتون في المهارة والقدرة، وإن كان من بينهم من هو قادر على لفت الأنظار مثل البرتغالي كريستيانو رونالدو والبرازيلي كاكا والإسباني أنيستا، وإن كانوا في محل القدرة على منح فرقهم قوة إضافية فإنهم غير قادرين على أن يجعلوا من قدراتهم البدنية والمهارية وتقنياتهم الإبداعية أنموذجا مثاليا، كما هو ميسي الآن وقبله رونالدينيو (قبل أن يتراجع) وزيدان ومارادونا وبيليه وكرويف وبكنباور.

هنا وجب علينا أن نصفق احتراما للفتى الأرجنتيني، لكن حق لنا أن نسأل بعد معلومة الهرمونات التي حُقن بها وهو في الحادية عشرة من عمره لأجل أن يبلغ طولا أفضل مما كان عليه، وسط بوادر التألق الكروي الذي كان عليه، هل كانت تلك الهرمونات المختبر الأول لصنع لاعب كرة قدم بمواصفات فذة؟

في تلك الفترة المبكرة من عمره (أحد عشر عاما) تم اكتشاف موهبته الكبيرة، لكن وجب اكتمال العناصر المساعدة كما هما القوة والسرعة اللتان باتتا مميزتين لهذا الفتى الأرجنتيني، ناهيك عن التحمل، ومن أكثر من ميسي، يبدو عليه ذلك الآن؟

اللاعب الفذ هو من يحقق كأس العالم لن نوغل في الحديث عن الظاهرة ميسي، لكن علينا أن نقرأ كأس العالم وحاجتها إلى المبدعين الأفذاذ، فمن يصدق أن هذه البطولة التي دأبت على الحضور عالميا كل أربع سنوات قد فقدت واحدة من أهم خاصياتها التي عُرفت بها وهي إطلاق الموهوبين المتميزين من ذوي القدرات الباهرة اللافتة كما هي الأسماء المذكورة أعلاه.

هذه البطولة الكبرى التي يتطاحن فيها اللاعبون وتستعد لها دولهم بكل ما أوتيت من برامج ومعسكرات عرفت أن من أهم مقومات الفوز بكأسها أن يكون لديك لاعب يستحق أن يكون ظاهرة، وإن تساوى الجميع في عدم وجود ذلك اللاعب فبارتفاع القدرات للمجموعة وبتميز لافت عن الآخرين، كما فعلت إيطاليا في الكأس الأخيرة.

الحقيقة أن كأس العالم 2006 لم تستطع أن تقوم بواجباتها مثلما كانت من قبل بحيث تقدم لاعبا باهرا مقنعا يتفق عليه الجميع ليكون الأفضل كما كانت تفعل في السابق وهي تبرز وتظهر أجيالا متراصة من المهرة الذين اقترب وصفهم من السحرة جراء إبداعهم المثير في ميدان كرة القدم.

ومع الاعتذار لإشادات المحللين، ولكل الاستفتاءات التي أُجريَت من خلال الإعلام واللجان المتعلقة بكأس العالم، فإن مؤشراتها الحالية والتي تسبق انطلاقتها في جنوب إفريقيا، باتت تشير أن ليس هناك إلا ميسي ومن بعده كريستيان رونالدو وثلة من المؤدين الآخرين، ليكون التأكيد على أن كل ما هنالك عدد قليل من لاعبين مهمتهم أن يساعدوا على تحقيق نتائج جيده لمنتخباتهم.

والحقيقة التي يجب أن نعترف بها أن مناهج المدربين قد أضرت بالجانب المهاري للاعبين وحجّمت هذه القدره وجعلتها أسيرة ظروف معينه من المباراة كي تظهر قليلا ومن ثم تختفي كثيرا. ومع احترامنا لمن يتم تداولهم حاليا على أنهم معنيون بتوقعات الظهور الباهر -بالطبع غير ميسي وكريستيانو رونالدو- فمن اختاروهم ليسوا الأشخاص الذين يمكن أن تسلم أو تتفق على قدراتهم الجماهير مثلما كان بيليه ومارادونا وكرويف وباستن وروماريو وزيدان ورونالدينيو ومن ثم كريستيانو وميسي وغيرهم ممن اتفقت الجماهير على القدرات الإبداعية التي يملكونها كمميزين جدا.

هذه الحقيقة المؤلمة تعكس بكل تأكيد انحسار المتعة العائدة على الجماهير من تلك التي كانت تستمتع كثيرا باللمحات الفنية والمهارية للاعبين الخلاّقين المبدعين.

مع نهاية الإبداع الحقيقي الذي كان يجسده بيليه وكرويف ثم الداهية مارادونا، بدأ المد النجومي الخارق ينحسر لأنه لم يعد هناك ذلك اللاعب الذي ينتزع بقوةٍ إعجاب النظارة ويجعلهم أكثر ميلا نحوه لعدة سنوات متتالية، فهناك فرق بين من يستحق أن يكون أفضل لاعب لبطولة معينة ومن يستحق أن يكون النجم الباهر الذي علقت قدراته العالية بأذهان الجماهير، وأضرب مثلا على ذلك حصول البرازيلي رونالدو على لقب أفضل لاعب خلال نهائيات مونديال 2002 ورغم ما قدمه من أداء لافت فإنه لم يستطع المحافظة على أفضليته بعد هذه البطولة رغم أن أداءه يحتوي بعض السمات الإبداعية اللافتة. لكن اتضح أن قوة التحمل لديه ليست كما يحب لتعصف بتقنيته وسرعته وحتى القوة لتعيده لاعبا كثير المعاناة والإصابات.

حاليا من الصعب أن يحقق أي منتخب نتائج باهرة في كأس العالم، إذا لم يكن لديه من المهرة المبدعين ممن هم قادرين على فرض الأفضليات وترجيح الكفة انطلاقا مما يملكونه من قدرات إبداعيه خاصة جدا.

اللاعب الباهر يحتاج إلى جينات مختلفة الأوربيون هم من يبحث أكثر عن اللاعب الفذ، ذلك النجم الخلاّق ممن يستطيع أن يغير في النتيجة كما كان يفعل أولئك الأفذاذ من مارادونا وبقية الأسماء العظيمة. هم الآن يفعلون ذلك وعملهم حثيث ومستمر بجعل مقاييس التحمل العضلي أكبر، ناهيك عن قدرات أخرى كالسرعة والقوة والتحمل كتلك التي كانت لدى مارا دونا سابقا والآن ميسي.

المعامل انتشرت والبحوث راجت، لكن هل هرمونات الطول التي حقن بها ميسي كانت عنوانا أولا؟! تفعيل وتنشيط الجينات هو المستقبل والعمل الذي سيدر ثراء وقبل ذلك موهوبين قادرين على التغيير. وبصراحة أكبر فإن إدخال بعض التعديلات الجينية على الأجهزة البدنية، أمر من وجهة النظر الأوربية لن يطول. ليكون هناك لاعبون معدلون جينيا. وتحت مظلة تطوير الأداء والفعل الرياضي، بعيدا عن أي مانع أخلاقي، منطلقين من أن العلاج الجيني هو لأجل علاج الأمراض، وعليه فلا بأس -من وجهة نظرهم- إن زاد من القدرات البدنية.

هنا لم تُخفِ الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات خوفها من ذلك، حينما أعلنت بصراحة أن التنشيط بالجينات قادم، ولن يستطع أحد أن يقف أمامه، نؤكد ذلك رغم عدم وجود ما يثبته حتى الآن! رغم تأكيد الوكالة على تحريم بل وتجريم هذا العمل في المجال الرياضي.

والسؤال الذي يقفز من فوق ميسي والوكالة الدولية هو: هل ستكون كأس العالم لكرة القدم مرتعا لتجارب التعديل الجيني، لا سيما أن علماء متخصصين في هذا المجال قد أبدوا شكهم وتَخوُّفهم من أن هناك شيئا قد حدث، لا سيما أن هناك شبانا وشابات من دول في شرق آسيا قد لفتوا الأنظار بقدرات بدنية لافتة، وهم لم يتجاوزوا الخامسة عشرة من العمر! كرة القدم.. أيضا أوربا، تلك القارة التي تفوق -مع الولايات المتحدة- الجميع علما ودراية خصوصا في الشأن الرياضي، تبحث عن كل ممكن لتكون الأفضل خصوصا على مستوى كرة القدم، وبخاصة أيضا في تحقيق كأس العالم، لكن لأنهم أصحاب شأن عام في ما يخص فرقهم القومية ولاعبيهم الدوليين فإن الأمر لأجل تنفيذه سيحتاج إلى قرار سياسي وفق القيم التي كان الأوربيون مثابرين في تثبيتها في التنافس الرياضي لا سيما أن مثل ذلك سيؤدي إلى تبديل في المنهجية الأخلاقية على كل الدول دون استثناء وفي جميع المنافسات.

لكن ماذا عن المبادرات الشخصية وتلك التي تُعنى بها الأندية منفردة أو بشكل شخصي من الرياضي نفسه، نقول إن الأمر يحتاج إلى كثير من التوقف، حتى لو كان خاصا بهرمونات، قبل الجينات! هنا سيكون الشغف بتحقيق الإنجاز ومن بينه كأس العالم عبر المهرة المؤثرين مؤديا إلى تغيير في المبادئ، لكنها إن حدثت، فستعني أن المنافسة الأجمل والأكثر إثارة في العالم قد فقدت أخلاقياتها! التلاعب الجيني أو الغش البدني لن يغفل في بدايته التركيز على الموهوبين المتمكنين ليتم انتقاؤهم وبعناية تامة ومن ثم رفع قدراتهم في كل النواحي المساعدة لتلك المهارة، وبهذا سيتخلصون من فضائح المنشطات لأن الجينات لن يتم اكتشافها.

ونستدل هنا على رأي الخبير المجرب جوان أنطونيو سمارانش رئيس اللجنة الأولمبية الدولية السابق: الذي قال: «المنشطات سوف تصبح شيئا من الماضي، حيث يتنبأ العلماء أنه خلال الفترة المقبلة سوف يستخدم الرياضيون الهندسة الوراثية لتحقيق التفوق على منافسيهم»، غير سمارانش فإن كثيرا من العلماء قد أشاروا إلى أن التعامل الجيني قد بدأ فعلا لتحسين القدرات الرياضية.

نشير هنا إلى أن اكتشاف خارطة الجينوم البشري للإنسان تلك التي ستحقق فوائد كبيرة للبشرية سيكون له وجها آخر سلبيا لو أسيء استخدامه خصوصا في المجال الرياضي حيث أصبح الفوز هو الهدف، لأن «الغاية تبرر الوسيلة» وعليه فإن التدخل الجيني سيحسّن الأداء أكبر من الحدود البشرية في ذلك خصوصا لمن لديهم أفضليات جينية أصلية صحية من الناحيتين البدنية والمهارية، والخوف، الخوف أن تتخلى المنافسات الرياضية عن العدل، وهو المبدأ الذي ترتكز عليه الرياضة وتؤطّره أساسيات ولوائح المنظمات والاتحادات والهيئات الرياضية، لأنه متى ما حدث مع صعوبة اكتشافه سيكون إعلانا عن موت العدل واندثار تكافؤ الفرص بين المتنافسين.

من يدعم ومن يقف هذا المجهول؟

لعله جدير بالذكر الإشارة هنا إلى أن الأمر الجيني والتلاعب به قد يجد فسحة سياسية، فكثير من الدول المتقدمة ترى أن تفوقها الاقتصادي والسياسي لا يكفي وحده للتعبير عن التفوق الكامل فلا بد أن يشمل كل الأضلاع والرياضة الآن ميدان تنافس مهم وساخن جدا، وعليه فلا بأس إن مرروا بعض التنازلات، نشير إلى ذلك ونحن نعلم الاهتمام الكبير لكثير من السياسيين بالرياضية وحضورهم تتويجاتها، استثمارا بدعم يلقاه «السياسي» مستقبلا. أيضا فإن تفوق الدولة رياضيا، هو دليل على سلامة المنهج السياسي لها وتفوقه، ومن هنا يأتي الحرص على تفعيل الإنجاز الرياضي والبحث عنه، بل وجعل التفوق الرياضي قضية لا تنازل عنها أبدا. والخوف أن يكون هذا سبيلا لتغيير الجينات البشرية والتلاعب بها لأجل مردود يزيد من قيمة البلد ويرفع من قدر السياسيين.

سطوة السياسيين معترف بها، لكن هل هم السياسيون وحدهم؟ المؤشرات تقول إنهم ليسوا وحدهم، بل إن ما يلوح في الأفق هم رجال الأعمال والمستثمرون، فوجود نجم بقدرات فذة مربحة سيدخل على خزائنهم الملايين متى ما كان هذا البطل ينتمي إليهم ناديا، أو يحظى برعاية شركتهم، سيكون له شأنه الخاص ولا بأس من التنازلات وحتى المخاطرة من أجله، وهنا مكمن خطر، فلو أن لاعب كرة قدم موهوبا تم شراء عقده مثلا بعشرة ملايين يورو وبعد التعديلات الجينية وتنامي مواهبه بشكل كبير فإن قيمته سترتفع إلى أضعاف وأضعاف، وهنا لا بد من التنبه للخطر القادم من خلال التنسيق بين الحكومات وتوحيد جهود المنظمات، وعبر آليات قادرة على وقف المتلاعبين وشطب الداعمين.

العرب بجينات جديدة من السابق لأوانه الحديث عن العرب والتلاعب بجينات الرياضيين، لكن ماذا لو ظهر البطل الرياضي العربي بجينات متفوقة، نؤكد ذلك لأن العلم، وحتى التحايل لا يعرف موطنا أو عرقا واحدا، لكن ما وجبت الإشارة إليه أن الدول العربية جزء من المنظومة العالمية، ولن تبقى بمعزل، لأنها أيضا تبحث عن السمعة والتتويج، ووضعها ضمن المتفوقين عالميا في الشأن الرياضي نفسه، ويكفي أن بعض هذه الدول العربية قد لجأ إلى استقدام أبطال رياضيين جاهزين، ومنحتهم جنسيتها لكي ينافسوا وهم يحملون شعارها، فقط من أجل السمعة ودخول قائمة المتفوقين، حتى لو لم يكن أولئك ممن ينتمون إليها لغة وأرضا.

نطالب هنا بالحذر، وهو الحذر الذي أطلقه عرب مهتمون، وجدير هنا أن نعود إلى حديث لطبيب عربي متخصص في الشأن الرياضي، فالسعودي البروفيسور صالح القنمباز الذي يملك عضوية كثير من المنظمات الطبية الرياضية في مختلف أنحاء العالم، حذر -وما زال يحذر- من التغاضي عن تعاطي المحظورات رياضيا، بل إنه زاد على ذلك بالتأكيد على أن تعاطي المنشطات بات حقيقة واقعة في العالم العربي، ونحن نزيد على كلام البروفيسور، ماذا إذا كان الأمر متعلقا بالجينات؟ وسط التراخي وعدم الاهتمام بكشف المنشطات، الأكيد أن الأمر سيستفحل، ويستفحل كثيرا.

هنا لا ننكر دور مجلس وزراء الشباب والرياضة العرب الذي ما فتئ يشدد على محاربة المنشطات وكل ما يتعلق بإخراج الرياضة عن التنافس النزيه النبيل ونذكر هنا الميثاق العربي لمكافحة المنشطات الذي صدر عنهم في العام 1996 واستمرار توجيههم بإقامة الدورات التي تسهم بالتوعية والمكافحة، وكما هو المجتمع الدولي فالمجتمع العربي مطالب بأن يكون أكثر شدة وجدية سواء ما يخص البلد نفسه أو مجموعة البلدان لمواجهة المد القادم ولا سبيل إلى ذلك إلا بتأهيل القدرات لكشف المتلاعبين، وقبل ذلك بالمكافحة والتوعية.