بوبي شارلتون.. نجا من الموت بأعجوبة ليصبح أحد صانعي أمجاد إنجلترا

قاد بلاده للفوز باللقب العالمي للمرة الوحيدة في نهائيات 66

TT

عندما كانت بريطانيا تبكي بعض أفراد فريق مانشستر يونايتد الذين قضوا في حادث الطائرة المأساوي، وهي تهم بالإقلاع من مطار ميونيخ في السادس من فبراير (شباط) 1958، شاء القدر أن ينجو من بين الركاب الـ39 ثمانية عشر شخصا؛ أحدهم بوبي تشارلتون الذي صار فيما بعد أحد نجوم إنجلترا وصانعي أمجادها.

حياة شارلتون شبيهة برواية مثيرة، بدأت بميلاده في 11 أكتوبر (تشرين الأول) 1937. في أحد أحياء عمال المناجم شمال إنجلترا؛ حيث كان والده يعمل هناك، وعلى الرغم من أن كل أفراد العائلة كانوا يمارسون هذه المهنة، فإن بوبي لم ينزل يوما إلى النفق لأن والده كان يراه ضعيفا وصغيرا ولا يصلح للعمل، أما أخوه الأكبر جاكي فكان قوي البنية.

ويروى أن جاكي كان يمقت اللعب مع بوبي الخجول؛ حيث شبه أسلوب لعبه بأسلوب «الفتيات». وكان تشارلتون الأب مولعا برياضة الملاكمة، أما زوجته إليزابيث عمة مهاجم نيوكاسل الشهير - آنذاك - جاكي ميلبورن؛ فكانت تهوى كرة القدم، وكان حلمها أن ترى أولادها الخمسة جاكي وبوبي وجورج وجيمي وستان كلهم على البساط الأخضر.

وإذا كان جيم وجورج لعبا في فريق ليدز ضمن أندية الدرجة الأولى، وجاكي صار مهاجما لامعا في فريق نيوكاسل، وانضم إلى المنتخب الوطني فيما بعد، فإن الوحيد، الذي لمع نجمه وصار أحد رموز الكرة الإنجليزية، وحقق حلم أمه، كان بوبي الذي صار في السادسة عشرة من عمره لاعبا دوليا في صفوف المنتخب المدرسي، عندها بدأت العروض تنهال عليه.

وكانت 8 أندية ترغب في ضم الشاب بوبي إلى صفوفها، ووصلت قيمة أحد العروض إلى 800 جنيه استرليني، إلا أن أم بوبي فضلت الـ50 جنيها استرلينيا التي عرضها مات بازبي مدرب أحد أعرق الأندية الإنجليزية، وهو مانشستر يونايتد. انضم تشارلتون إلى فريق الهواة في يوليو (تموز) 1953، وكان يعمل أيضا كميكانيكي للسيارات، قبل أن يبدأ مشواره الاحترافي في 6 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1956، وفي أول لقاء له تمكن من تسجيل هدفين في مرمى تشارلتون، وشارك زملاءه بفعالية في نيل لقب الدوري الإنجليزي الممتاز عام 1957؛ فكان ضمن الفريق الاحتياطي الذي سيشارك في كاس أندية أبطال أوروبا.

وتمكن فريق «الشياطين الحمر»، وهو لقب مانشستر يونايتد من إقصاء النجم الأحمر اليوغوسلافي؛ ففاز عليه 2 - 1 على ملعب «أولد ترافورد» وكان تشارلتون مسجل أحد الهدفين، ثم تعادل الفريقان 3 - 3 في مباراة الإياب في بلغراد، وتمكن من تسجيل هدفين أيضا.

وعندما كان طاقم فريق مانشستر يونايتد يحتفل بتأهله إلى الدور نصف النهائي كانت الأقدار تخبئ أحداثا مؤلمة في مسيرة هذا الفريق العملاق الذي أبهر أوروبا؛ ففي السادس من فبراير (شباط) 1958، وفي رحلة العودة إلى مانشستر، توقفت الطائرة البريطانية في مطار ميونيخ، غير أنها عندما عاودت الإقلاع سقطت على المدرج فكانت الحصيلة 21 قتيلا ونجا 18 شخصا؛ من بينهم تشارلتون الذي بقي بين الحياة والموت لمدة شهر كامل قبل أن تكتب له الحياة من جديد إلى جانب المدرب بازبي، وسجل أول عودة له إلى الملاعب في الأول من مارس (آذار).

واعتبارا من هذا العام صار تشارلتون قائد الفريق وأحد رموزه، فحمل برفقة مجموعة من الشباب لواء التحدي، تحت إشراف المدرب بازبي لاستعادة الذكريات الجميلة والأمجاد؛ وفاء لأرواح الراحلين من نجوم الفريق. تشارلتون الذي جمع بين اللمسات الفنية اللاتينية الرائعة، والقوة البدنية التي تميز الكرة البريطانية صار ظاهرة بكل ما للكلمة من معنى، وقاد فريقه إلى الفوز بلقب الدوري عامي 1965 و1967.

وكم كان المشهد مؤثرا عندما قاد تشارلتون فريقه إلى إحراز كأس أبطال الأندية الأوروبية بفوزه على بنفيكا البرتغالي 4 - 1 بعد التمديد على استاد «ويمبلي» الشهير في لندن. وأهم شيء ميز حياة تشارلتون الكروية - إضافة إلى إبداعاته فوق البساط الأخضر - وفاؤه لناديه الذي لم يغادره منذ بدايته الأولى عام 1956 إلى آخر مباراة في حياته الاحترافية ضد تشيلسي، وتحديدا في 28 أبريل (نيسان) 1973، ليقترن بذلك اسم تشارلتون بالزي الأحمر للشياطين الحمر.

أما قصة تشارلتون مع منتخب بلاده فتلخصها مشاركاته الـ106؛ بدأت في 19 أبريل (نيسان) 1958 في غلاسكو أمام المنتخب الاسكوتلندي، غير أنه - وعلى الرغم من تمكنه من تسجيل هدف في هذه المباراة، وتسجيله لهدفين في مباراة البرتغال يوم 7 مايو (أيار) 1958 في ويمبلي - قد منعته الإصابة من المشاركة مع المنتخب الإنجليزي في نهائيات كأس العالم 1958 التي أقيمت في السويد.

بعدها صار تشارلتون أحد أعمدة المنتخب الإنجليزي، وقاده في نهائيات 1966 التي أقيمت في إنجلترا للفوز باللقب العالمي؛ فصار بذلك نجم بلده الأول بفضل الدور الذي لعبه في تتويج منتخبه.

في هذا المونديال تحول تشارلتون من الهجوم إلى الدفاع؛ فكان الحاجز التي تتكسر عليه كل هجمات المنتخبات المنافسة، ليكتسب زملاؤه في الهجوم الثقة اللازمة ويهدون إنجلترا أول لقب عالمي في تاريخها، بل إنه تمكن من تسجيل هدف حاسم في مرمى المكسيك أهَّل منتخبه إلى الدور الثاني.

وفي الدور نصف النهائي، كان تشارلتون النجم الأول من دون منازع؛ حيث تمكن من تسجيل هدفين ضد البرتغال مقابل هدف واحد، وفي العام نفسه تُوج بالكرة الذهبية فكانت الفرحة فرحتين.

وبعد أن حقق حلم إنجلترا في مونديال 1966، كان تشارلتون يرغب في ختام مشواره الرياضي بلقب عالمي آخر في المكسيك 1970، حيث كان مايسترو الفريق، إلا أن لاعبي منتخب ألمانيا الغربية - سابقا - أرادوا غير ذلك فأقصوا زملاء تشارلتون من الدور نصف النهائي بعد أن كان الإنجليز متقدمين بهدفين؛ فإنهزموا 2 - 3.

يُذكر أن تشارلتون يحمل الرقم القياسي المحلي من حيث عدد الأهداف مع منتخب بلاده؛ إذ سجل 49 هدفا بفارق هدف واحد عن غاري لينيكر.