الحكم المعتزل عبد الله القحطاني: اللاعبون السعوديون «يخنعون» للحكم الأجنبي وأمامنا يصبحون كالشياطين

قال في حوار جريء لـ «الشرق الأوسط» إنهم لم يلتقوا بسلطان ونواف منذ 10 سنوات

TT

* أولا، نريد أن نعرف السبب الرئيسي الذي أجبرك على اعتزال التحكيم؟

- أنا جهزت خطاب الاعتزال منذ منتصف الموسم، وتحديدا قبل ثلاثة أشهر، وفضلت تأخيره إلى نهاية الموسم حتى لا يرتبط ذلك بأي حدث، بسبب ظهور الكثير من تلك الأحداث خلال الموسم، سواء للجنة الحكام أو لزملائي الحكام، وحتى لا يفسر هذا الاعتذار كرد فعل لموقف ما، وأيضا حتى لا يكون القرار محسوبا ضد شخص أو جهة أو ناد معين، ولذلك فضلت أن يكون بعد نهاية الموسم الرياضي وقدمته لرئيس اللجنة عمر المهنا كمرجعية إدارية، كما أن هناك صورة موجهة للأمير نواف بن فيصل من باب الاطلاع فيما لو رغبوا بمعرفة بعض الأسباب التي قد تؤدي بأي حكم إلى هجر هذا المجال، في حال دراسة الموضوع، مثلا ما هي المسببات وهل ما طرح في الخطاب صحيح أم العكس.. هذا ما كنت أهدف إليه، خاصة بعد الظهور الإعلامي لخطاب الاعتزال.

* أنت تقول إنك فاجأتهم بخطاب الاعتزال، كيف حدث ذلك؟

- نعم فاجأتهم بخطاب الاعتزال.. بعد اتصالي بإبراهيم العمر كونه نائب رئيس اللجنة لشؤون الحكام وتأكدت من وجود رئيس اللجنة عمر المهنا، لرغبتي بوجودهما معا، جئت إليهما في مقر اللجنة وقدمت خطاب اعتزالي حيث تفاجآ ولم يتقبلا الأمر في البداية، وللأمانة حاولا وبكل جهد أن أعدل عن قراري بحكم العلاقة الودية التي تجمعنا كأصدقاء مقربين، وهناك تواصل فيما بيننا بعيدا عن التحكيم ومن عشرات السنين.

* بأمانة.. ما هو الشيء الذي أجبرك على الاعتزال، هل تهميش الحكم السعودي والاستعانة بالحكم الأجنبي كان له دور رئيسي؟

- الإنسان دائما يحدوه الأمل بطبيعة الحال، وكنت أتأمل تغييرا في الأوضاع إلى الأفضل، سواء على مستوى التخطيط والإمكانات وحتى على مستوى الوجود، ولن تكون هناك أي مشكلة إن لم أجد تطورا من غيري، فأنا أستطيع تطوير أدائي ولكن المهم هو المردود على أرض الواقع، فلم يكن هناك أي مردود مقابل للمجهود الذي أبذله، وأنا لا أقصد هنا المقابل المادي، فهذا مفروغ منه لأنه لا يوجد فعليا مقابل مادي يوازي هذا التعب، ولكن ما أقصده المقابل المعنوي، وعلى أقل تقدير حضور الحكم السعودي.. كنت أتعشم أن يكون هذا الموسم أقل استقبالا للحكام الأجانب، ولكنهم للأسف «أكلوا الأخضر واليابس» ولم نكلف إلا بمباريات غير مهمة يمكن أن نطلق عليها «خلف الكواليس» ولا ترقى لمستوى حكم وصل للشارة الدولية، وأنا هنا أتحدث عن نفسي وربما يكون هذا الوضع مقنعا لغيري ممن يضع لنفسه أهدافا بسيطة توازي طموحه ويكتفي بها.. والوضع برمته وبكل أمانة لا يحتمل، ولو قرأت خطاب اعتزالي فستجد أن الإطار العام الذي كنت أدور فيه عن سبب اعتزالي بعيد كل البعد عن مشاكل داخلية أو عدم تكليف أو توقيع، فليست هذه أسباب رئيسية لترك التحكيم.

* ماذا تحتاج اللجنة حتى تبقي على الحكم السعودي في ظل كثرة الاستقالات التي نشاهدها، خاصة من الحكام الدوليين؟

- من أهم العوامل التي يجب على اللجنة أن تعمل عليها هي اتخاذها موقفا قويا وألا تقبل بالوضع الراهن، فلو افترض أنني رئيس لجنة الحكام واصطدمت بواقع سأكون فيه «شماعة» لكل ما يحدث للتحكيم واصطدمت بعدم توفر الإمكانات والدعم والحماية، ما الذي يجبرني كرئيس لجنة أن أقبل وأستمر في ظل أنني لم أقدم شيئا؟!.. أنا سبق أن تحدثت وأشرت إلى أن رؤساء اللجان يحضرون من خارج اللجنة بمثاليات وطموحات ووعود ويقولون سنفعل ونفعل، ونفاجأ عند وصولهم للكرسي بأنهم يفضلون المردود المالي الذي يأتيهم من وراء هذا الكرسي ويتركون الحكام في شؤونهم، لذلك تجد سياستهم تتغير وتجد المثاليات التي كانوا يتحدثون عنها خارج اللجنة غير موجودة، ويقول لنا أحدهم «من يرد التحكيم فليبق وإلا فليتوكل على الله!» أو «هذا الوضع لا بد أن تتحملوه!».. وهذا الحديث غير موجه لرئيس لجنة بعينها، وإنما عايشته بنفسي على مدى عشر سنوات، وأنت تدرك أنني من أكثر الحكام المقربين للجان وشاهدتني أكثر من مرة في مقر اللجنة وموجودا بحكم علاقتي وصراحتي مع اللجنة، وليس كما يعتقد البعض أن هذا أمر شخصي، ولو كنت أرمي لذلك يمكنك أن تصنفني بـ«الابن المدلل» لجميع اللجان، وأستطيع الحصول على ما أريده بحكم علاقاتي وتعاملي الراقي مع اللجنة، ولكن أنا لي هدف أسمى من أن يكون نجاح عبد الله القحطاني بمفرده حتى لو أصبحت أفضل حكم في العالم، وأكبر دليل تنازلي عن كل هذه المغريات على المستوى الشخصي، فأنا في الوقت الحالي أعيش فترة ذهبية لأي حكم، بحصولي على الشارة الدولية وترشيحي لحكام النخبة وأعيش أوج عطائي فنيا ولياقيا.

* هل تعتقد أن قرار إلغاء الاستعانة بالحكم الأجنبي سيقلل من الضغوط النفسية على الحكم السعودي ويقوده للنجاح، وكيف تقارن الجوانب المعنوية والمادية بين الاثنين؟

- عدم الاستعانة بالحكم الأجنبي أمر لا يمكن أن يتم إقراره في يوم وليلة، ويمكن أن يأتي في فترة معينة على الأقل وبترشيد وبخطط محددة.. الحكم السعودي غير مقبول لدى الناس، رغم أن أخطاءه أقل من نظيره الأجنبي، ولكن المشكلة في رد الفعل على الحكم السعودي، حيث أصبح مستهدفا من الجميع لما يتعرض له من هجوم وانتقادات، ولا بد من إيجاد قرارات وعقوبات رادعة، كما يوجد في جميع دول العالم، وللأسف هناك دول أقل منا تحكيميا ورياضيا لديها من القرارات القادرة على ضبط أمورها في هذا الجانب، فالأخطاء التحكيمية تعتبر أزلية وأبدية وهي جزء من اللعبة وأخطاء غيرنا أكبر، ولكن التعامل يختلف تماما وليس الحل هو تحجيم الحكام أو بإحضار حكام أجانب والإنفاق عليهم بما يفترض أن ننفقه على تطوير الحكام السعوديين.

أما ما يخص المقارنة بين الحكام الأجانب والسعوديين، فلا توجد أي مقارنة تذكر. إن ما تم إنفاقه على الحكم الأجنبي يصل إلى سبعة ملايين ونصف المليون ريال خلال 50 مباراة، بينما مجمل تكاليف الحكام السعوديين في الموسم الكامل يبلغ مليونا ونصف المليون ريال فقط، وهذا المبلغ لو تم رصده لميزانية الحكام من بداية الموسم مع وضع برامج ومكافآت لأخرج حكاما سعوديين عباقرة، كما بإمكان اللجنة أن تطبق مبدأ الثواب والعقاب تجاه الحكم ويعتمد ذلك على تقرير المراقب الفني بحيث تكون المكافأة مقرونة بأدائه في المباراة التي يقودها بحيث لو حصل على 7 من 10 يمكن منحه 70% من قيمة مكافأته، وإذا تحدثنا عن الجانب المعنوي، وهو الأهم مقارنة بالمادي، الذي لا يمثل أي شيء للحكم أمام ما يتعرض له من هجوم وتجاوزات، سأوجه سؤالا لك كشخص يعيش داخل الوسط الرياضي، من بقي لم يتطاول على الحكم السعودي؟ حتى مسؤولو العلاج الطبيعي الذين ليس لهم دخل في المنظومة الفنية والإدارية يسيئون لنا، ففي الملعب تجد أخصائي العلاج أثناء دخوله الملعب متشنجا ويخطئ ويصرخ دون خشية من أحد، فالانفلات بات من الجميع، فماذا ننتظر؟ أضف إلى ذلك أن أخلاقيات بعض اللاعبين السعوديين تجدها تجاه الحكم الأجنبي في قمة المثالية والتعاون وتصل، وأقولها للأسف، إلى حد الخنوع، بينما أمام الحكم السعودي تجده عكس ذلك تماما حيث يبحث عن (نرفزته) برفع صوته بكل جرأة.. أقسم بالله أنك لو تسمع ما يصدر من مصطلحات وألفاظ في الملعب ومن لاعبين ونجوم كبار، فإنك تتمنى كحكم ألا تود حتى السلام عليه!. هؤلاء اللاعبون أمامنا يصبحون كالشياطين وأقصد بالطبع معناها العامي وليس مفهومها الحقيقي!!.. يا أخي.. هل من المعقول أن تصل عقلية اللاعبين إلى هذا الحد بسعيهم إلى إفقاد الحكم سيطرته على المباراة؟ حتى الأندية تعمل على هذا الموضوع حتى يكون لها في النهاية مبرر فيما لو خسر فريقها المباراة بحيث يضعون المسؤولية على عاتق الحكم.

* هل ترمي من حديثك إلى أن الأندية توعز للاعبيها بالتأثير على الحكم السعودي؟

- نعم، وليس بممارسة الضغط فقط، بل أصبحوا يصنفونهم على أن هؤلاء حكام النصر وهؤلاء حكام الاتحاد وهؤلاء حكام الهلال أو الشباب، ولا نعرف على أي أساس تم وضعنا في هذا التصنيف! ناهيك عما يطرح في الإعلام المقروء، خاصة من كتاب المقالات، وما ينشر من أخبار مغلوطة وسيئة.. هذه المقالات أساءت لنا وهي تنشر بلا حسيب ولا قريب وللأسف بمباركة من رؤساء التحرير، ولكنني أبرئ «الشرق الأوسط» فصفحاتها الرياضية كانت وما زالت تناقش وضع الحكم السعودي وعندما عُرفت معاناة الحكام وتم استيعاب الوضع كان أول توجه لـ«الشرق الأوسط» عدم تمرير أي إساءات للحكم السعودي، وأتمنى أن تكون تلك السياسة مستمرة حتى الآن.

* نعود للحديث عن شخصية الحكم السعودي داخل الملعب ومدى تأثيرها على أدائه وقراراته، حيث يلاحظ تردده في احتساب القرارات في ظل ما يتعرض له من انتقادات وهجوم عبر الصحف من قبل مسؤولي الأندية أو كتاب المقالات، مما ينعكس سلبا على اللاعبين أيضا في ممارسة ضغطهم على الحكم نفسه.

- لو سألت عن شخصية الحكم عبد الله القحطاني، فأنا ولله الحمد لا أعتبر من المصنفين من الجيل الحالي.. شخصيتي خدمتني خلال مشواري التحكيمي على مدى 10 سنوات، ولكن على المستوى الفني ربما نتساوى كحكام في القرارات، فأي حكم يعرف أن هذه ضربة جزاء أو هذا اللاعب يستحق البطاقة الصفراء أو الحمراء ونتفق في أمور كثيرة، ولكن السؤال هنا: هل تتوقع ظهور شخصية حكم توازي شخصية عمر المهنا أو عبد الرحمن الزيد أو عبد الله الناصر في الجيل الحالي؟ بالطبع لا يوجد، وأصبح كل حكم يقلد حكما آخر، بمعنى أنهم أصبحوا مستنسخين، والحكم المحبوب أصبح من يقبل بالتجاوزات والإساءات دون أن تكون لديه ردة فعل تجاهها.. أنا على مدى سنواتي التي قضيتها في التحكيم، لم أسمح بأي تجاوزات ضدي مهما كانت شخصية صاحبها، وللأسف ما نشاهده في الوقت الحالي أن التجاوزات مستمرة على الحكام.. استمع وشاهد بعد كل مباراة ماذا يقال عن الحكم، وما هي ردة فعل الحكم نفسه؟ بل الأسوأ من ذلك أن هذا الضعف طغى على قرارات الحكم، فإذا كنت ضعيف الشخصية حتما سينعكس ذلك على الأقل بنسبة 50% على قراراتك وتطبيقك للقانون وستعيش تحت ضغط وخوف، وأنا ولله الحمد على مدى 10 سنوات لم يتم استدعائي لمناقشتي عن قرار فني اتخذته وكان مؤثرا في نتيجة مباراة، بينما تم استدعائي أكثر من مرة لظهوري إعلاميا لصراحتي ونقل مشاكل الحكام وتم إيقافي في العديد من المرات وكنت أعرف بذلك حتى تم إقصائي من قيادة نهائين لكأس الأمير فيصل بن فهد.. وكان لا بد من ذلك حتى نجعل أصواتنا كحكام تصل ولكن للأسف أصبحت بمفردي في الساحة.

* في ظل المعاناة التي يمر بها الحكم السعودي، ألم تفكروا في التوجه للقاء الأمير سلطان بن فهد أو الأمير نواف بن فيصل؟

- 10 سنوات في التحكيم ولم أتشرف بمقابلة الأمير سلطان أو الأمير نواف، حتى مستشار التحكيم لم ألتقه، وكل ما في الأمر أن الأمين العام كان يحضر معنا خمس دقائق في افتتاح أي دورة، إلا في دورتين حرصت على بقائه أكثر من ساعة وطرحت عليه مشاكل الحكام، وأتذكر أنكم في «الشرق الأوسط» نشرتم ذلك، وأيضا حضر في اجتماع فني وصارحته بأشياء كبيرة وذكر لي بأنه لأول مرة يسمعها، مع أنني أعلم أنها وصلته مرة ومرتين وثلاث مرات ولكن للأسف لا جديد.. والسؤال هنا: ما السبب في عدم وجود قرار، وأريد من رؤساء اللجان ومن يعمل فيها أن يخرج ويوضح ولكن للأسف أصبحت الأمور «قص ولصق»، بمعنى قص لجنة ولصق الثانية ولكن على أرض الواقع لا شيء.

* هل مطالبة الأندية بإحضار حكام أجانب كان له دور مؤثر على وجودهم في الملاعب السعودية؟

- حضور الحكم الأجنبي لن يتوقف، بل سيستمر طالما لا يوجد قرار رادع ضد الأندية ومنسوبيها.. أصبحت الأندية تملك الحرية في إحضار الحكم الأجنبي وكأنهم يعملون في منظومة مستقلة عن رعاية الشباب أو اتحاد كرة القدم، بينما المفروض أن نعمل بخطوط متوازية، وأن نسعى لنجاح الأندية أمر جيد ولكن لا يجب أن يكون في ذلك دمار للتحكيم السعودي، ولا بد من فرض واقع معين يتقبله الجميع لأن هذه الأخطاء موجودة في كل مكان ونحن لا نعيش في قرية مغلقة، ولو تابعت أي قناة فضائية فإنك ستشاهد أخطاء تحكيمية لا حصر لها من قبل الحكام ولكن للأسف نحن نحضرهم ونمجدهم حتى وهم يخطئون.. سأستشهد بالمدير الفني لفريق مانشستر يونايتد الإنجليزي، سير أليكس فيرغسون، عندما قال عن أحد الحكام «يبدو أن وزنه زائد» تخيل قال (يبدو) وهي كلمة لو قيلت لحكم سعودي ستعتبر مديحا له! ولكن فيرغسون وعلى مدى أسبوع كامل ظل يتودد للإعلام من أجل تخفيف العقوبة وفي النهاية غرم بما مقدراه 120 ألف ريال، وتم إيقافه أربع مباريات، فهل تقارن هذه الإساءة بما يقال لنا؟ للأسف لا توجد أي مقارنة، وإنجلترا من أقدم الدول كرويا ولكنهم لم يهمشوا حكامهم، وهناك مثال آخر ومن كأس العالم الأخيرة 2006 عندما قام حكم إنجليزي بمنح لاعب كرواتي 3 بطاقات صفراء في مباراة واحدة، ولم يقم بطرده، ليصرح رئيس الاتحاد الدولي جوزيف بلاتر بعدها بقوله إن الحكم هو من يستحق الحمراء!، وفي اليوم الثاني عاد بلاتر وقدم اعتذاره لأن الحكام سجلوا موقفا ضده، كما أن بلاتر ليست له سلطة مباشرة على التحكيم، وعندنا للأسف الجميع يتحكم في التحكيم، ولا أخفي عليك أن التجاوزات التي يعايشها الحكام أخذت منعطفا خطيرا في الرياضة السعودية، خاصة فيما يتعلق بكرة القدم، حيث تطورت من لفظ إلى لفظ، ولا ندري ماذا ننتظر أن يقال عنهم غدا؟ وهي تجاوزات كثيرة وبصورة يومية، وأصبح الجميع ينتظر بعد أي مباراة ماذا سيقال عن التحكيم، ولا ينتظرون ماذا سيقال عن النادي أو المدرب أو اللاعب الذي أهدر الفرص أو الحارس الذي أخفق في صد هدف!

* على مدى 10 سنوات قضيتها في التحكيم، ما أبرز الإساءات التي كتبت عنك أو تخص زملاءك؟

- خوفي من التعرض للإساءات من أقوى الأسباب التي جعلتني أعتزل التحكيم، خاصة ما يتعلق بالجانب الأسري والجانب الوظيفي، وبالنسبة للإساءات التي عايشتها مع زملائي ستجد كلا منها أقوى من الأخرى، بدءا من الرشوة والتشكيك بالذمم والتطرق إلى أشياء شخصية والتشكيك في شرفك، فماذا بقى لنخشاه؟ أنا أتحدث عن نفسي من الجانب الشخصي والاجتماعي، فأنا لدي أسرة ووضعي في هذا الجانب حساس، وأيضا في عملي أدير أكثر من 1500 شخص، وتخيل أن تتم الإساءة إليّ في القنوات الفضائية اليوم وأقف في اليوم التالي أمام هؤلاء، كيف سيكون وضعي؟ وللمعلومية أنا مررت بمواقف وظروف صعبة تجاوزتها رغم أنها مع شخصيات لها مكانتها ولكن بستر الله ولطفه خرجت منها بموقف المنتصر، فهل أنتظر أن يأتي يوم تهدر فيه كرامتي على يد شخص لا يجد من يردعه حتى بمجرد قرار؟.. ولحفظ حق الحكم السعودي أجد أن المسألة في غاية البساطة، ومن خلال وضع نظام معين وتطبيقه، حيث يطلب من كل ناد ومع بداية الموسم، قائمة بأعضاء شرفه وإدارييه المحسوبين عليه، وبناء عليها أوجه خطابا للنادي بأن كل شخص تضمنته القائمة ويحدث منه تجاوز على أي حكم ستكون هناك عقوبة ضد النادي، إلا في حالة أن يتبرأ النادي من العضو وحينها تطبق عليه عقوبة أكبر.. الأندية تطالب وهذا من حقهم، بأن يكون الحكام في مستوى نظرائهم الأوروبيين، ونحن نرحب بهذا التوجه ولا توجد لدينا أي مشكلة في ذلك ولكن في الوقت نفسه نطالب بمنحنا حقوقنا، وللأسف هناك ممارسات الهدف منها الضغط على الحكم في كل اتجاه بحيث تشعرك بعدم قيمتك، مما يجبرك كحكم على التعامل مع صاحبها بحزم، وأنا من الحكام الحازمين وأعترف بذلك، سواء كنت حكما للساحة أو حكما رابعا، ولا أقبل بالتجاوزات أيا كان نوعها أو صاحبها مهما حصل، لذلك فإن أغلب مبارياتي لا تخرج عن النص، وهناك حقيقة واحدة وهي أن «عبد الله القحطاني من المستحيل أن يتجاوز».

* هل تذكر لنا مكافأة الحكم الأجنبي خلال قيادته للمباراة الواحدة؟

- مكافأته عن المباراة الواحدة 3500 يورو، وتكلفة الطاقم كاملا، شاملة السكن والتذاكر، تصل إلى 150 ألف ريال، وهذا المبلغ يوازي تكلفة 20 طاقم حكام سعوديا! حتى الحكام المراقبون جميعهم دوليون أيضا ومن خارج المنطقة، بمعنى أنه ما يقدم للحكم السعودي مقارنة بالحكم الأجنبي يعادل 7%، والمشكلة تكمن أنه لا يوجد فارق في الأداء بين الحكم السعودي والأجنبي حتى إنهم أحضروا رموزا في التحكيم الأجنبي ولم يقدموا أي شيء.

* كيف تشعر كحكم سعودي، وأنت تشاهد الحكم الأجنبي يتشرف بالسلام على خادم الحرمين الشريفين وعلى ولي العهد؟

- هذا الموقف يقتل بداخلنا كل طموح، تخيل أنه في نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين للأبطال الأخير كان الطاقم التحكيمي أجنبيا، حتى الحكم الرابع، كان من المفترض أن يتم اختيار حكم سعودي «رابع» ليمثل زملاءه ويحظى ويتشرف بالسلام على خادم الحرمين الشريفين، ولكننا تفاجأنا بمن يقول إن الحكم السعودي الرابع سيؤثر على طاقم الحكام الأجانب والأندية هي التي طالبت بهذا الشيء، واتحاد الكرة استجاب لهم، وللمعلومية أن 90% من حكامنا لا يتحدثون اللغة الإنجليزية، ربما 2 أو 3 فقط منهم يجيدونها، فكيف يتم التأثير عليهم ونحن لا نقابلهم إلا في الملعب؟ هؤلاء الحكام حضروا من مجتمع مختلف عنا تماما ولا يوجد تساهل أو عاطفة في تعاملهم، فهل هذا منطق؟.. الأسوأ من ذلك هو عندما تشرفت باختياري كحكم رابع في نهائي كأس ولي العهد هذا الموسم، تخيل حتى الكرة التي يوقع عليها راعي المباراة حرموني منها حيث لم يتم التوقيع إلا على كرة الحكم الأجنبي، وعندما تساءلت عن الكرة أخبروني أن الكرات في المنصة وجاهزة للتوقيع، وهناك فوجئت بوجود كرة واحدة فقط، فأيقنت حينها أنني خارج الحسابات.. صدقني كنت أنتظر هذه الفرصة على أحر من الجمر وكنت سأعتبرها أكبر وسام من الممكن أن أحتفظ به.. هذه الكرة بجانب الميدالية التي تتسلمها ستظل معك طوال حياتك، وهذا هو الجانب المعنوي الذي يبحث عنه الحكم.

* لمن توجه رسالتك وأنت تعتزل التحكيم دون رجعة؟

- أوجهها لكل غيور على التحكيم السعودي.. ما يحدث للتحكيم هو تدمير لرجاله، وإذا كنتم ترون أنكم خسرتم حكما دوليا في سنته الأولى ومقبلا على نخبة وغيرها، ألا تتوقعون خسارة جيل كامل من الحكام الجدد؟.. أنا مجرد شخص واحد وغادرت وإن لم يجد الآخرون أوضاعا جيدة لا أعتقد أنهم سيستمرون طويلا.. صدقني لا يوجد أبناء مخلصون للجنتهم أكثر منا كحكام، فنحن نذهب ونعود من حسابنا الخاص في مقابل لا يوازي ما نصرفه من جيوبنا، ورغم كل ذلك فنحن متمسكون بالتحكيم، وإن تحدثت عن نفسي سأقول إن ما أبعدني عن التحكيم هو الإساءة ولو فكرت في سرد ما جنيته من التحكيم ماديا فإنه لا يوازي نصف ما صرفته عليه.