كوريا الشمالية.. عودة إلى الحدث العالمي بعد 44 عاما

«واين روني آسيا».. حلم بلاده في «صنع المعجزات» في أفريقيا

TT

تشارك كوريا الشمالية المعزولة عن العالم في نهائيات جنوب أفريقيا 2010 بتشكيلة غامضة المعالم، نظرا للأجواء الرهيبة التي تعيشها البلاد «النووية»، وغياب المنتخب الوطني عن الحدث العالمي منذ 44 سنة. مرة وحيدة شاركت فيها كوريا الشمالية في كأس العالم عام 1966، عندما صعقت إيطاليا (1/صفر) بهدف من طبيب الأسنان باك دو إيك، وسارت نحو ربع النهائي حيث تقدمت على البرتغال (3/صفر)، لكن هداف الدورة أوزيبيو أنقذ الأخيرة وسجل لها أربعة أهداف لتفوز بلاده (5/3) وتنهي القصة الكورية الشمالية.

لكن مشاركة عام 2010 تختلف عن المشاركة الأولى، ففي تصفيات هذه النسخة لعبت كوريا الشمالية 16 مباراة في 20 شهرا، في حين واجهت أستراليا فقط في تصفيات 1966، وتأهلت إلى نهائيات إنجلترا بعد انسحاب الدول الأفريقية التي احتجت على تأهل دولة واحدة من أفريقيا وآسيا وأوقيانيا، كما قررت كوريا الجنوبية الانسحاب.

وتعتبر كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية في «بلاد الصباح الهادئ»، لكن قيادة بيونغ يانغ السياسية حرمت المنتخب الوطني من السفر خارجا بعد الخسارة أمام اليابان وكوريا الجنوبية في تصفيات كأس العالم 1994. وعاد المنتخب إلى الساحة الدولية في دورة الألعاب الآسيوية عام 1999 في بانكوك، لكنه لم يشارك في تصفيات كأس العالم لنسختي 1998 و2002.

معظم لاعبي منتخب «تشوليما» المصنف 105 عالميا يحملون ألوان أندية كورية شمالية، في حين حصل قلة منهم على فرصة اللعب خارج البلاد المشهورة ببرامجها النووية ومخالفاتها الفاضحة لحقوق الإنسان. و«تشوليما» هو لقب المنتخب الكوري الشمالي نسبة إلى حصان خرافي مجنح يرمز إلى القوة والسرعة في كوريا الشمالية.

ومن بين المحترفين خارج البلاد جونغ تاي سي لاعب كاوازاكي فرونتال الياباني، مع زميله آن يونغ هاك (أوميا أرديجا) المولود في اليابان، كما يحمل لاعب الوسط الموهوب وقائد الفريق هونغ يونغ جو ألوان روستوف الروسي. ومن اللاعبين المميزين في الدوري المحلي، يبرز لاعب الوسط مون اين غوك وحارس المرمى ري ميونغ غوك، علما بأن الاتحاد الدولي لكرة القدم يعتبر أن عدد اللاعبين المسجلين في البلاد يبلغ 15.000 من بين نحو نصف مليون لاعب غير مسجل.

وتعرضت كوريا الشمالية إلى ضربة الخميس الماضي عندما اصر الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» على أن يكون كيم ميونغ وون أحد حراس المرمى الثلاثة للمنتخب في نهائيات المونديال رغم أنه يلعب عادة في خط الهجوم. وكانت التشكيلة النهائية التي أعلنها مدرب كوريا الشمالية كيم جونغ هون تضمنت حارسي مرمى فقط، ظنا منه أن بإمكانه أن يضع كيم كمهاجم بشكل أساسي، ثم كحارس ثالث لأنه يجيد اللعب في المركزين، إلا أن الاتحاد الدولي رفض هذا الأمر بتاتا، وأكد أنه على كل منتخب أن يسمي ثلاثة حراس مرمى، ولا يمكن لأي منهم أن يشغل مركزا ميدانيا في الملعب.

وأشار الفيفا إلى أنه لا توجد أي إمكانية لإدخال تعديلات على التشكيلات بعد المهلة النهائية التي كانت في الأول من الشهر الحالي، وألا يتجاوز عدد اللاعبين الموجودين في كل تشكيلة 23 لاعبا، بينهم ثلاثة حراس مرمى. وتابع الفيفا «الاستثناء الوحيد يكون في حال وقوع إصابة خطيرة لأحد اللاعبين الموجودين في لائحة الـ23 لاعبا، وحينها هناك إمكانية لتغييره حتى الـ24 ساعة التي تسبق المباراة الأولى للمنتخب المعني في البطولة».

يأمل المدرب كيم جونغ هون أن يكرر منتخب بلاده إنجازات 1966، رغم وقوعه في مجموعة قد تكون الأصعب في الدور الأول تضم البرازيل حاملة اللقب خمس مرات، والبرتغال وساحل العاج «عودتنا إلى كأس العالم بعد 44 سنة من بلوغ ربع النهائي عام 1966 هي ثمرة لجهودنا. أتمنى تكرار ما صنعه أسلافنا». يقول نيك بونر، أحد منتجي فيلم «مباراة حياتهم» الصادر عام 2002، ويحكي قصة فريق 1966، إن الكوريين الشماليين واقعيون في توقعاتهم «يدركون واقع بلادهم ويعرفون قيمة التحدي الذي ينتظرهم».

سجلت كوريا الشمالية التي تأهلت إلى نهائيات كأس أمم آسيا 2011 المقررة في قطر سبعة أهداف فقط في الدور النهائي للتصفيات الآسيوية المؤهلة، حيث حلت ثانية في المجموعة الثانية بفارق 4 نقاط عن جارتها اللدود كوريا الجنوبية، وتساوت في النقاط مع المملكة العربية السعودية.

يذكر أن الاتحاد الآسيوي منح الاتحاد الكوري الشمالي جائزة أفضل اتحاد في آسيا للموسم الماضي، معتبرا أن «الاتحاد الكوري الشمالي صنع منتخبا وطنيا لدى الرجال تمكن من بلوغ نهائيات كأس العالم رغم قلة الموارد والإمكانات المادية التي يملكها مقارنة باتحادات أخرى».

لكن غياب جماهير «تشوليما» في المدرجات الجنوب أفريقية سيكون غريبا نوعا ما، إثر القرار العجيب لزعيم البلاد كيم جونغ إيل بعدم السماح للمواطنين بالسفر إلى أفريقيا لتشجيع المنتخب. ويأمل لاعبو كوريا الشمالية أن يصلوا إلى جنوب أفريقيا مجهولين، وأن يغادروها مشهورين بإنجازاتهم. يقول ريم جونغ سون الذي ظهر في الفيلم الوثائقي عام 2002 إن كلمات الرئيس الأزلي كيم إيل سونغ بقيت عالقة في أذهانهم قبل السفر إلى إنجلترا عام 1966 «لقد احتضننا بمحبة وقال لنا: (الدول الأوروبية والأميركية الجنوبية تهيمن على كرة القدم العالمية. كممثلين عن المنطقتين الآسيوية والأفريقية، وكشعب ملون، أحثكم على الفوز في مباراة أو مباراتين)»! وعودة إلى جونغ تاي سي مهاجم منتخب كوريا الشمالية. لقد ولد ونشأ واحترف في اليابان، لكنه يحمل ألوان أكثر المنتخبات غموضا في العالم، وهو أحد أبرز لاعبي «تشوليما» المنتظرين في نهائيات جنوب أفريقيا 2010. وينفي جونغ أنه حمل لدى ولادته جنسية كورية جنوبية على غرار والديه، رغم أن عدة تقارير أشارت إلى أنه حصل على جواز سفر كوري شمالي بعد صراع سياسي كبير إثر نشأته في مدرسة تابعة لبيونغ يانغ في اليابان وتغييره معتقداته السياسية.

يقول جونغ الملقب بـ«واين روني آسيا» أو «روني الشعب» مقارنة مع مهاجم منتخب إنجلترا، ونظرا لأسلوبه القتالي «قد يشعر الكوريون الجنوبيون بالأسف، وفي الوقت ذاته لديهم رغبة عميقة بالوحدة الوطنية. كما أنهم يشبهونني ببارك جي سونغ (جناح مانشستر يونايتد الإنجليزي)».

وبغض النظر عن جذوره المعقدة، فإن هدفه في جنوب أفريقيا واضح: مساعدة كوريا الشمالية لخلق مفاجأة ثانية بعد إنجاز 1966. يتحدث جونغ البالغ من العمر 26 عاما عن مجموعة الموت التي تضم كوريا الشمالية، والبرازيل، والبرتغال وساحل العاج «بعد مخالفة التوقعات في التصفيات نريد أيضا تحقيق النتائج لنذهل العالم. هدفنا التأهل إلى الدور الثاني، وأنوي التسجيل في المباريات الثلاث في الدور الأول».

يضيف جونغ الذي يلعب لنادي كاوازاكي فرونتال منذ تخرجه في جامعة كوريا في طوكيو عام 2006 «أريد الاحتراف في الخارج. مباراتنا أمام البرازيل أو البرتغال ستجذب اهتمام العالم. إذا لعبت جيدا وحققت النتائج، أعتقد أن العروض ستأتي بشكل طبيعي».

سجل جونغ 14 هدفا في 21 مباراة دولية مع كوريا الشمالية التي تقدم لعبا دفاعيا صلبا، وتميز بمهاراته بتخطي المدافعين والحفاظ على الكرة. سجل المهاجم الخطير هدفين في مباراة ودية مؤخرا أمام اليونان (2/2). يعتبر جونغ أنه رغم مقارنته بواين روني «فإنني أفضل أسلوب لعب ديدييه دروغبا. أريد اللعب في إنجلترا، حيث الملاعب الجميلة والشغف». هذا اللاعب المطارد من قبل منتجي الأفلام الوثائقية الراغبين في إنتاج فيلم عن حياته المشوقة، أصبح معبود الجماهير «البائسة»، فصدحت حناجر 80 ألف متفرج على مدرجات ملعب «كيم إيل سونغ» في بيونغ يانغ باسمه.