تانغو معقدة أمام مدرب ونجم الأرجنتين الأسطوري

مارادونا بسترة ورباط عنق يتطلع للقب العالمي

TT

ناشدته بناته «من فضلك لا ترتد أي ملابس رياضية في يوم المباراة». لذا، ارتدى دييغو مارادونا سترة ورابطة عنق أثناء إدارة المباراة الافتتاحية للأرجنتين في كأس العالم. وفي البداية، بدا بمظهر رسمي وغير مريح، وكأنه رجل يمثل أمام أحد القضاة في المحكمة.

ومع ذلك، سرعان ما بدأ مارادونا يبتسم وكأنه والد العروس. وقبل الخصوم النيجيريين على وجناتهم. وقبل اللاعبين في منتخبه في المباراة التي انتصر فيها بهدف مقابل لا شيء يوم السبت. واندفع نحو نجم الهجوم ليونيل ميسي واحتضنه بشدة ورفعه من فوق الأرض فرحا.

سيظل الاثنان مرتبطين خلال باقي بطولة كأس العالم: مارادونا (49 عاما) وميسي، الذي سيتم الـ23 عاما قريبا. الأول ربما يكون أفضل نجم في كرة القدم على الإطلاق، والثاني هو أفضل لاعب في جيله. أحدهما متقلب، والآخر هادئ. سيظل الاثنان في علاقة معقدة مع الأرجنتين، ومع بعضهما بعضا، ويرقصان التانغو، رقصة كرة القدم الساحرة، في الوقت الذي تسعى فيه الأرجنتين للفوز بأول لقب لها منذ أن فاز مارادونا بالبطولة عام 1986 بمساعدة ما سماه «يد الله».

وقال فورتوناتو ماليماسي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة بيونس آيرس «هناك علاقة عاطفية قوية بين مارادونا والمجتمع الأرجنتيني. إنه محبوب بشكل جنوني، لكن في كأس العالم الحالية هناك محبوب آخر: إنه ميسي. وهناك صراع بين النجمين، القديم والجديد. لكن ميسي لم يحصل حتى الآن على الدعم الكامل من المجتمع الأرجنتيني. وإذا لعب بصورة جيدة سيكون هناك انفجار للتعاطف معه ومع المنتخب. لكن إذا لم يحقق المنتخب الأرجنتيني الطموح المنتظر، سينغمس الاثنان في الطين، وسيفقدان الكثير من الأنصار».

كان ميسي على مستوى جيد من الأداء أمام نيجيريا، وكان رائعا بين المدافعين وكأن الكرة تنطلق من قدمه ثم تعود إليه مرة أخرى. وكان حرا، وساحرا، في الطريقة التي لعب بها جيدا مع برشلونة، لكنه لم يلعب بالدرجة الكافية مع الأرجنتين، المنتخب الوطني له.

ما السبب وراء هذا التفاوت؟ النظريات متشابكة مثل اللحية التي أطلقها مارادونا لإخفاء آثار عضة الكلب الأليف المفضل لديه.

يعتقد البعض أن مارادونا يغِير من ميسي، الذي أصبح شهيرا للغاية ووصل إلى أوج نجاحه على الصعيد العالمي، وفي كل مباراة في التلفزيون، وفي كل هدف على موقع «يوتيوب». يعتقد آخرون أن ميسي ليس مكرسا بالصورة الكافية للمنتخب، وليس أرجنتينيا تماما، حيث انتقل إلى برشلونة ليتلقى العلاج لنقص هرمونات النمو لديه، حيث كان صبيا صغير الحجم.

يعتقد بعض المشجعين أن ميسي ربما يشعر بالضغوط المتمثلة في مقارنته بمارادونا. وهذه المقارنات أمر حتمي: اللعب بالقدم اليسرى، والوزن الخفيف، والتحكم في الكرة، والسرعة، وتغيير الاتجاه، والتمريرات المتميزة، والبراعة الفنية.

وقال كريستيان سكاربيتا (33 عاما)، مشجع أرجنتيني يحضر كأس العالم في جنوب أفريقيا، إن قلب المنتخب الأرجنتيني ليس ميسي، لكنه لاعب الهجوم كارلوس تيفيز، وهو اللاعب الشهير الذي يحظى بالشعبية والمولود في ظروف فقيرة مثل مارادونا. وقال سكاربيتا «ميسي جيد، لكن الأمر سيتطلب روح تيفيز لتحقيق النصر للمجموعة».

ومع ذلك، يراقب آخرون من بعيد، ويعتقدون أن السبب الحقيقي في عدم الإنصاف في لعب ميسي في برشلونة بجوار تشافي هيرنانديز وأندريس إنييستا اللذين يفيان باحتياجاته كمساعدين قادرين ولا يمكن التفوق عليهما في خط الوسط.

وقال جورج سيفيريني، أرجنتيني لعب في رابطة كرة القدم في أميركا الشمالية في سبعينات القرن الماضي ودرب لفترة طويلة في مدرسة ثانوية في فيلادلفيا «لدى برشلونة لاعبون يفون باحتياجات ميسي؛ لكن المنتخب الأرجنتيني ليس لديه ذلك. لكن في كأس العالم، هناك اهتمام أكبر باللعب المنصف. يستطيع أي لاعب تحرير نفسه. ربما يكون ذلك مونديال ميسي».

لقد تم عمل الكثير بشأن لقاء مرتقب في شهر أبريل (نيسان) الماضي، عندما زار مارادونا ميسي، وسأله عن التصور الخاص به لتشكيلة المنتخب. لقد قال منذ ذلك الحين إنه صنع المنتخب الأرجنتيني مثل سيارة «رولز رويس» مع وجود ميسي في القيادة. ويوم السبت الماضي، ارتدى ميسي بحرص قبعة قائد السيارة، وبكل مهارة قادها بعد ذلك عبر دفاع نيجيريا.

وقال مارادونا مبتهجا «أريده دوما أن يكون مع الكرة. لن تكون كرة القدم جميلة، ما لم تر ميسي وهو يفعل أشياء مجنونة».

من جانبه، أقر ميسي بالإحراج لمقارنته بمارادونا، واصفا هذه المقارنة بأنها إهانة لمدربه. وقال ميسي قبل البطولة «لكي أكون أفضل لاعب في العالم، علي أن أثبت ذلك في كأس العالم».

وفي عام 1986، فعل ذلك مارادونا، وأحرز اثنين من أشهر الأهداف في كرة القدم في الدور ربع النهائي أمام إنجلترا. وكان الهدف الأول بلمسة من اليد، غابت عن أعين حكم المباراة، حيث وصفها مارادونا بـ«يد الله». وجاء الهدف الثاني بعد سلسلة مراوغات رائعة بطول الملعب، ويُنظر إلى هذا الهدف على نطاق واسع أنه أفضل هدف في القرن العشرين.

وفي حين أن عدم القدرة على التنبؤ خدمه كلاعب، وجعل السلوك الخاطئ حياة مارادونا مليئة بالمشكلات خارج الملعب، فقد كانت حالته المزاجية تعلو وتهبط مثل وزنه. وقد حارب إدمان الهيروين والكحول، وتم طرده من كأس العالم عام 1994 بعدما ظهرت نتائج إيجابية في اختبار منشطات الإيفيدرين. وقام بإطلاق النار على الصحافيين، وفي الآونة الأخيرة، دهس قدم صحافي بسيارته، وانهال عليه بسيل من الشتائم.

وقال ماتياس فيوز (35 عاما)، مشجع أرجنتيني ذهب إلى جنوب أفريقيا لمتابعة مباريات كأس العالم «لديه شخصيات متعددة، إنه مائة شخص في شخص واحد».

وإلى حد ما، يعكس تقلب مارادونا الاضطرابات السياسية والاقتصادية الواسعة في الأرجنتين أثناء فترة حياته، حسبما قال سيباستيان سايغ، أستاذ أرجنتيني في علم السياسة بجامعة كاليفورنيا. وقال سايغ «تستطيع رؤية أرجنتينيين آخرين هم من أبرز الشخصيات - إيفا بيرون وتشي جيفارا - وكان لهم أيضا تأثير مستقطب. لا تستطيع أن تكون غير مبال بشأن مارادونا، فعندما يبدو الأمر وكأنه يتجه يسارا، فإنه يتجه يمينا. لا تعرف ما سيحدث، إنه يحب ذلك».

ومع ذلك، من الممكن أن يكون عدم القدرة على التنبؤ جنونيا عندما يتعلق الأمر به كمدرب. لقد كافحت الأرجنتين لكي تتأهل لكأس العالم. وعندما نجحت في ذلك، لم يختر مارادونا مدافعين أشداء مثل استيبان كامبياسو وخافيير زانيتي على القائمة، بعد أيام من مساعدتهما نادي إنتر ميلان على الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا. وقال بابلو لافيساري، مشجع عمره 48 عاما، في بيونس آيرس «مارادونا ليس مدربا. ليس لديه المهارات التكتيكية، لكن كل ما لديه هو القدرة على تحفيز لاعبيه». ومع ذلك، لقد كان الضبط التكتيكي الذي قام به مارادونا وراء الفوز أمام نيجيريا.

الجميع في الأرجنتين ينتظرون رؤية ما سيحدث لاحقا. إذا فاز مارادونا بكأس العالم، فقد تعهد بخلع سترته والجري عاريا عبر شوارع بيونس آيرس.

وقال سايغ، أستاذ العلوم السياسية «ومن يعرف؟ من الممكن أن يفعل ذلك. إذا فعلها، سيتبعه الكثير من الناس. ولا أعتقد أن أحدا سيحاول إيقافهم».