كأس العالم 2010.. مونديال المفاجآت وحرب نجوم تعدت المستطيل الأخضر

شهدت سقوطا «مدويا» للمنتخبات الكبيرة في وقت مبكر

TT

ارتبط عنصر المفاجأة باسم مونديال جنوب أفريقيا لكأس العالم منذ بدايته وحتى الجولات الأخيرة منه، وذلك في ظل ظهور المنتخبات الكبرى بشكل مختلف عن المتوقع، فضلا عن بروز منتخبات أخرى لم يكن متوقعا تقديمها لمثل تلك المستويات، إلى جانب التصريحات التي تراشقها مدربو المنتخبات فيما بينهم لتصل إلى حد المشاكسات بينهم وبين نجوم منتخباتهم.

ولعل من أقوى مفاجآت المونديال خروج منتخبي فرنسا وإيطاليا من الدور الأول، وكل من أميركا وإنجلترا من دور الـ16، فضلا عن خروج البرازيل والأرجنتين من دور الثمانية، في حين لم يكن من المتوقع وصول كل من منتخبي غانا والباراغواي إلى دور الثمانية والأوروغواي إلى دور الأربعة.

أرجع الكاتب والناقد الرياضي عبد الله العجلان سبب عدم ظهور المنتخبات الكبرى بمستوياتها المتوقعة إلى افتقارها إلى مدربين أكفاء رغم امتلائها بنجوم يمتلكون شهرة عالمية، مستشهدا بذلك على ما حدث لمنتخبي البرازيل والأرجنتين. وقال خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «إن المنتخبات الكبيرة كانت تضم أسماء لامعة تم استنزافها أثناء الموسم، مما جعلها تصل إلى المونديال بعد أن فقدت قدرتها على اللعب، لا سيما أن معظمها شارك في نهائي أبطال أوروبا الذي انتهى قبل بداية كأس العالم بثلاثة أسابيع فقط».

ولفت إلى أن مونديال جنوب أفريقيا اختلف كثيرا عن السابق في أمور متعددة، من ضمنها اختلاف وسائل الإعلام وطريقة تغطيتها لأحداثه نتيجة تطور الإعلام، الأمر الذي يجعل جميع ردود الأفعال حول تصريحات المدربين والنجوم ذات تأثير كبير من منطلق «الصخب الإعلامي»، بحسب قوله. وأفاد بأن نزعة الأنانية التي ظهر بها لاعبو بعض المنتخبات الأفريقية كانت سببا في هبوط مستوياتها، خصوصا أنهم كانوا يحاولون التسويق لأنفسهم وإبراز مهاراتهم من خلال اللعب الفردي، بعكس المنتخبات الآسيوية التي لعبت بروح الجماعة لصالح منتخباتها بشكل عام، مشيرا إلى أن ضغط المباريات والإرهاق أثناء الموسم كان له دور كبير في عدم بروز اللاعبين الكبار بمستواهم المتوقع. ويرى الإعلامي محمد السقا أن المنتخبات الأوروبية الكبيرة في مونديال جنوب أفريقيا لم تظهر بالمستوى المطلوب، مشيرا إلى أن أبرز ما يميز هذا المونديال هو تضاؤل الفروق الفنية بين المنتخبات بشكل عام. وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أصبحت الفروق الفنية بين المنتخبات المشاركة بسيطة جدا، باستثناء منتخب كوريا الشمالية، إلى جانب ظهور منتخبات أخرى بلعب فني راق وتكتيك عال جدا». وذكر أن منتخب فرنسا الذي لم يقدم المستوى المتوقع أخطأ تماما في إبقاء مدربه «دومينيك» الذي نجح في إيصال المنتخب لنهائي كأس العالم 2006، غير أنه فشل فشلا ذريعا عام 2008 في دورة الأمم الأوروبية، مرجعا سبب نجاحاته التي حققها مسبقا إلى وجود اللاعب زين الدين زيدان وعدد من النجوم الآخرين.

وأضاف: «ما زال المونديال ناجحا من الناحية الجماهيرية، فضلا عن عدم وجود أي نقص فيه من ناحية التنظيم والترتيب والحضور في الملعب، إلا أن أداء المنتخبات يعد مفاجأة في ظل قدرة الصغيرة منها على إزعاج الكبيرة». وحول مدى تأثير بعض حالات السرقة التي تعرض لها الكثير من المشاركين في المونديال على نفسيات ومستويات المنتخبات، أفاد بعدم وجود أي تأثير، لا سيما أنها لم تسجل سوى حالة واحدة أو اثنتين فقط وتم السيطرة عليها، إلى جانب أنها كانت قبل بدء المونديال، بحسب قوله.

وزاد: «لا يعد إرهاق اللاعبين مبررا لعدم ظهورهم بالمستوى المتوقع، لا سيما أنهم لا يدخلون أي بطولة مع منتخباتهم إلا بعد أن يتجاوزوا مرحلة استعادة الحيوية التي عادة لا تستغرق فترات طويلة باعتبارهم محترفين»، مشيرا إلى أن الفرق الكبيرة تطبق نظام تدوير اللاعبين المتمثل في عدم إرهاق اللاعب الواحد طوال موسم الدوري تحسبا لمشاركته في المنتخب.

من جهته أوضح لـ«الشرق الأوسط» فيصل الجفن أحد الكتّاب الرياضيين السعوديين أن هزيمة المنتخبات الكبيرة وعدم تقديمها مستويات متوقعة دلالة واضحة على ضعف المونديال من الناحية الفنية، غير أن المحللين الرياضيين والمتابعين لا يستطيعون إعطاء نتيجة متوقعة في ظل مصاحبة عنصر المفاجأة لكل مباراة.

وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «بشكل عام لم تصل مباريات المونديال إلى مستوى كأس العالم بشهادة الكثير من الخبراء والمحللين، فضلا عن وضوح إرهاق اللاعبين نتيجة سوء التوقيت، إلى جانب الناحية الأمنية التي يجسدها نزول بعض عناصر الأمن للملعب، كون البلد غير آمن، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر سلبيا على نفسيات اللاعبين». وبحسب وجهة نظره، أفاد بأنه فوجئ بمستوى منتخب الجزائر أمام إنجلترا، غير أنه استدرك قائلا: «إن ذلك لا يعود لضعف إنجلترا بقدر ما قدمت الجزائر مباراة قوية نتيجة أسباب كثيرة». ومن ذلك المنطلق، عمد فيصل الجفن إلى تشبيه منتخب الجزائر بـ«الطفل المحروم» الذي استطاع أخذ شيء بين يوم وليلة، مما جعله يحاول الاستفادة منه قدر الإمكان وفي أسرع وقت ممكن، خاصة أن تأهله لدور الـ16 من المونديال سيسجل في تاريخه ويحسب لصالحه، بحسب قوله. واستطرد في القول: «إن المستويات التي ظهرت بها المنتخبات الكبيرة خلال المونديال تدل على الضعف الفني للاعبيها كونهم مرهقين نتيجة مشاركاتهم في الدوريات، فضلا عن غياب أسماء كبيرة في ظل اعتماد منتخباتها عليهم». واستشهد على ذلك بالمنتخب الفرنسي الذي وصف مدربه بـ«السيئ جدا»، وذلك نتيجة اعتماده في السابق على اللاعب زيدان الذي اتضح غيابه من خلال مستوى اللاعبين في الملعب، مؤكدا أن فرنسا ستقف عشرات السنين كي تخرج بلاعب مثله، الأمر الذي سيجعل منتخبها يختفي تدريجيا من الترتيب العالمي، بحسب قوله.

وأرجع أسباب ضعف الأمور الفنية في المونديال بشكل عام إلى عدم أخذ اللاعبين كفايتهم من الإجازة، إلى جانب الضغوطات التي واجهوها على خلفية كثرة مشاركاتهم، فضلا عن عدم وجود الإجراءات الأمنية الكافية في البلد المستضيف للمونديال. وبصرف النظر عن الفوز بكأس العالم في نهاية المطاف، فإن المونديال بات أفضل مناسبة لترويج اللاعبين لأنفسهم، وهو ما أكده الإعلامي محمد السقا الذي أشار إلى أن مشاركة أي لاعب في مونديال كأس العالم تعد تاريخية له. وزاد: «عادة ما يعمل اللاعبون على تقديم مستويات جيدة في ظل رغبتهم في البقاء داخل الملاعب لسنوات طويلة، الأمر الذي يجعلهم يعملون على الترويج لأنفسهم بهدف حصولهم على عروض مغرية من قبل الأندية العالمية».

فيما اعتبر الإعلامي الرياضي رجاء الله السلمي مونديال كأس العالم 2010 «حربا بين النجوم» في ظل التصريحات التي تناقلتها وسائل الإعلام طوال جولاته على ألسنة المدربين وبعض اللاعبين، فضلا عن وجود مشاكسات بين المدربين أنفسهم ونجوم منتخباتهم.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تعدى مونديال جنوب أفريقيا المستطيل الأخضر ليصبح خارج الملعب من خلال تصريحات المدربين فيه، إلى جانب عدم وجود مستويات لافتة داخل الملعب على الرغم من كل الهواجس الأمنية التي سيطرت عليه». وذكر أن البطولات السابقة كانت تشهد منتخبات تلعب من أجل المتعة في الدرجة الأولى، غير أن المنتخبات في هذا المونديال كانت تلعب لتحقيق الفوز فقط، إضافة إلى سقوط المنتخبات الكبيرة الذي وصفه بـ«المدوّي»، الأمر الذي جعل كأس العالم 2010 مختلفة عن المواسم السابقة، على حد قوله. واستطرد في القول: «إن هذه البطولة كانت مونديالا بلا نجوم، في ظل عدم ظهور اللاعبين الكبار بالمستوى المأمول منهم كونهم مجهدين، إلا أنه في المقابل برزت منتخبات صغيرة لتقدم نفسها بشكل ممتاز»، مؤكدا وجود ضعف فني واضح، فضلا عن أن مستويات المنتخبات كانت مشتركة في ظل عدم تقديم الكبرى منها للمتوقع منها واستغلال المنتخبات الصغيرة تلك الفرصة كي تثبت وجودها.