انتهى العرس الكروي ووجب الاحتفاء بجنوب أفريقيا

سقطت شكوك المنتقدين ونجح بلاتر بتصميمه على منح القارة السمراء الفرصة

TT

لا تشهد كل كأس عالم قيام رئيس اتحاد كرة القدم بالاقتباس من شاعر، لكن هذه لم تكن كأس عالم عادية. ففي اليوم الذي سبق مباراة هولندا وإسبانيا، اللتين لم يسبق لأي منهما الفوز بكأس العالم، تحدث داني غوردن رئيس اتحاد الكرة الجنوب أفريقي عن بلاده أول دولة أفريقية تستضيف أهم حدث رياضي على مستوى العالم، وكيف أن هذه البطولة صنعت الوحدة في هذا الوطن.

وقال غوردن، الذي نشأ في زمن الفصل العنصري من عرقيتين مختلفتين إن في جنوب أفريقيا كلمة، أوبونتو، التي تعني أننا كلنا متحدون.

هذه الكلمة تذكر غوردن بتأملات جون دون بأن «الإنسان ليس بمعزل عن غيره».

على الرغم من القصور الذي يمكن أن يشوب أي كأس عالم، وعلى الرغم من حدوث حالة القصور في تنظيم هبوط الطائرات الخاصة التي تحط رحالها في مطار دوربان، ومنع هبوط بعض الطائرات لمشاهدة الدور نصف النهائي، كان هناك جانب آخر، يمكننا القول إنه مثالي بالنسبة لكأس العالم 2010.

وقال غوردن في مؤتمر صحافي في المجمع التجاري الواقع خارج جوهانسبورغ: «إن كأس العالم تعني بالنسبة لنا أداة لبناء دولة تلاحم اجتماعي». يعد غوردن الذي ينحدر من أصول هولندية ومجموعة خوي العرقية الجنوب أفريقية، أصدق تذكير للجميع بأن إرث نيلسون مانديلا لا يزال موجودا على الرغم من غياب الزعيم الذي يعيش عامه الحادي والتسعين.

وأوضح غوردن أن الجنوب أفريقيين قاموا بتقديم الخدمات الإلكترونية والحراسة الأمنية، وبناء الاستادات الرياضية الجديدة. وأن سيدات جنوب أفريقية كن يقدن الرافعات. وأن ما يقرب من مليون مواطن من بين 49 مليونا هم عدد سكان جنوب أفريقيا تمكنوا من حضور المباريات بسبب ندرة وتكلفة التذاكر. لكن مع خروج فريق «بافانا بافانا» المضيف تحول الجميع إلى تشجيع غانا في مباراتها ضد الولايات المتحدة. فيما فضل البعض الآخر تشجيع البرازيل. وفي نصف النهائي اختار البعض الأوروغواي والبعض ألمانيا أو إسبانيا أو هولندا. لقد كانوا مشجعين. وكان بإمكانهم الاختيار، ولديهم حرية الدخول إلى المحال أو المطاعم أو مراكز الاقتراع التي لم يتمكنوا من القيام بها في مرحلة الشباب.

يبدي غوردن (58 عاما) إعجابا كبيرا بنيلسون مانديلا، على الرغم من أنه لم يسجن معه في جزيرة روبن فإنه أمضى وقتا من نوع آخر. والمرة الأولى التي صوت فيها في الانتخابات كانت عندما انتخب عضوا في البرلمان.

ونفى غوردن الشكوك بشأن تكلفة كأس العالم، لكنه خلال مسارعته للحاق بالطائرة التي ستقله إلى مدينة بورت إليزابيث للحاق بمباراة تحديد المركزين الثالث والرابع، قال «ستكون هناك حالة كبيرة من الإحباط في أعقاب كأس العالم، وأتمنى أن تتمكن جنوب أفريقيا من التغلب عليها».

تشير التقارير إلى أن البطالة في جنوب أفريقيا تصل إلى 25 في المائة في هذا البلد. وقد أخبرني الكثير من الشباب الطموحين الذين تحسنت أحوالهم بسبب كأس العالم خلال الشهر الماضي بأنهم سيصبحون عاطلين على العمل مع انتهاء المونديال. وعلى الرغم من عدم وجود دلائل على استمرار الوظائف والاستقرار في أعقاب بطولات كبيرة مثل كأس العالم والأولمبياد فإن غوردن توقع أن يتعرف الزوار على جنوب أفريقيا كمكان للاستثمار والمتعة والثقافة.

وقد سمع غوردن كل تلك الحقائق خلال السنوات الأخيرة، من أشخاص كثيرين وإعلاميين سألوه عما إذا كانت حافلات الإعلاميين ستسير في الأوقات المحددة لها، وقال لي سأخبر الجميع «انتظروا في غرفكم وعبروا عن غضبكم».

عايش غوردن الشكوك بعدم قدرة جنوب أفريقيا على إقامة مثل هذه البطولات وأنها لا تستطيع بناء الاستادات الرياضية أو بيع التذاكر. وكان رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جوزيف بلاتر قد أفصح عن وجود دول بديلة في حال عدم تمكن جنوب أفريقيا من الوفاء بالتزاماتها. وقد تحدث غوردن إلى محطة «702 تول راديو» في مدينة ساندتون قائلا: «إننا نتحرك إلى تلك المرحلة من البطولة التي ستبدأ فيها الفرق في العودة إلى بلادها، لكن أول فريق سيعود إلى بلاده هو الفريق الذي كانت بلاده البديل المحتمل لاستضافة البطولة».

وكانت وسائل الإعلام البريطانية قد توقعت انتشار الأوبئة والجرائم، ووقوع الزلازل في الأقاليم المستقرة. وقال غوردن مؤخرا لصحيفة «الميرور» البريطانية: «أنا أعلم أن النقاد توقفوا عندما بدأت روايات في الانتشار بأن لدينا ثعابين ضخمة في جنوب أفريقيا يمكن أن تشكل تهديدا للمسابقة، وكان البعض يقول إنها كانت من الخطر بحيث إنها قادرة على قتل فريقين كاملين. وإذا لم يكن هناك سوى ذلك للتشكيك في قدرتنا فأنا اعتبر ذلك بمثابة اعتراف بالهزيمة من قبلهم وعدم قدرتهم على إيجاد أي نوع من القصور في استعداداتنا».

يذكر أن جنوب أفريقيا أقامت كأس العالم في الرجبي عام 1995، عندما فاز فريق سبرينغ بوكس وارتدى مانديلا القميص الأخضر. وكما شاركت جنوب أفريقيا في استضافة بطولة العالم للكريكيت عام 2003. لكنها كانت دائما بحاجة إلى إثبات ذاتها.

نعم، ربما يكون من المستحيل تجاهل إجراءات الأمن الكثيفة التي حولت كل حي جميل إلى جزيرة منعزلة. ففي هذه المرحلة، تشكل هذه مشكلة اقتصادية أكثر منها مشكلة عرقية، لكن عندما تتجول في دوربان وجوهانسبورغ تدرك مدى النمو والتطور الذي تعيشه جنوب أفريقيا.

وكان بلاتر قد صرح قبل عامين: «لا يثق البعض في أفريقيا، وهذه فكرة خاطئة، فقد أعطت أفريقيا الكثير ليس لكأس العالم وحدها بل للعالم أجمع. ويوما ما يجب أن يعود لها شيء ما. لذا ليكن هذا الشيء كأس العالم. دعونا نحتفل بأفريقيا، ولم لا؟». ربما يكون بلاتر قد تفوه ببعض الأشياء الغريبة في ذلك الوقت، لكن العالم أدرك الآن حديثه حول المسؤولية الأخلاقية لإقامة كأس العالم في جنوب أفريقيا.

* خدمة «نيويورك تايمز»