الفيفا جنى 3.3 مليار دولار أرباحا من المونديال.. والبلد المستضيف يشكو

هل ساعدت كأس العالم على حل المشكلات الاقتصادية داخل جنوب أفريقيا؟

TT

ربما تجني جنوب أفريقيا مكاسب كبيرة على المدى الطويل بعد أن استطاعت تحدي المتشككين، ونجحت في استضافة بطولة كأس العالم 2010. ولكن على المدى القصير، تتجه الأرباح في اتجاه آخر، بينما تشعر الاتحادات العمالية بالغضب، وسط ارتفاع معدلات البطالة داخل البلاد، مع توقع انحسار المكاسب بعد عودة الجماهير المصاحبة لمنتخباتها إلى بلادها.

ويشعر الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بالسعادة الكبيرة بسبب مبيعات التذاكر الضخمة، والجمهور الكبير الذي شاهد المونديال على شاشات التلفزيون في مختلف أنحاء العالم. ويورد بعض رعاة البطولة الدوليين الكبار مبيعات غير مسبوقة.

ولكن، الأرقام الرسمية التي أعلنت عن معدلات البطالة خلال البطولة كشفت عن أن الاستعدادات الموسعة المرتبطة بنهائيات كأس العالم - ومن بينها الاستادات الجديدة ومشاريع البنية التحتية في قطاع النقل التي بلغت عدة مليارات من الدولارات - لم تحل من دون حدوث تباطؤ اقتصادي أكبر في جنوب أفريقيا.

وحسب ما تفيد به إحصاءات ذكرها مكتب الإحصاءات الوطني في جنوب أفريقيا، تراجعت الوظائف غير الزراعية بمقدار 79000 وظيفة خلال الربع الأول من العام الحالي، وبمقدار 242000 خلال 12 شهرا تنتهي في مارس (آذار). ويزيد معدل البطالة على 25 في المائة، ويبلغ أكثر من 30 في المائة إذا ما أضيف من توقفوا عن البحث عن وظائف.

ووصف باتريك كرافين، من مؤتمر الاتحادات العمالية في جنوب أفريقيا، الأرقام الخاصة بمعدل التوظيف بأنها «تنذر بخطر كبير»، وأشار إلى إلحاحية العمل على خلق المزيد من الوظائف في مجال التصنيع.

ويقول الاقتصادي مايك سكوسلر، وهو مالك مشارك في شركة استشارات داخل جوهانسبورغ، إن جنوب أفريقيا (التي يبلغ عدد سكانها 48 مليونا) يوجد بها حاليا عدد من المواطنين يعيشون على الإعانات الاجتماعية أكثر مما لديها في قوة العمل النشطة. ويقول لوك هيرست، المدير الإداري في شركة «ديتبوسترز لإدارة الديون» إنه كانت ثمة زيادة كبيرة خلال يونيو (حزيران) في عدد العاطلين عن العمل الذين يقدمون طلبات من أجل الحصول على استشارات تتعلق بالديون.

وقد ساعدت الاستعدادات لنهائيات كأس العالم على خلق عشرات الآلاف من الوظائف في مجال الإنشاء والتعمير، ولكن جميع هذه الوظائف كانت بصورة مؤقتة. ويقول خبراء اقتصاد إن من الأسئلة المهمة التي تطرح نفسها: هل ستمضي الحكومة في سعيها وراء توفير مشروعات بنية تحتية ملحة خلال الأعوام المقبلة من دون وجود ضغط المواعيد النهائية المرتبطة بكأس العالم؟

ويقول لي آن باك، مدير شركة الاستشارات المالية «غرانت ثورنتون»: «لقد أخذتنا كأس العالم للأمام بمقدار 20 خطوة، وربما نرجع بعد ذلك بمقدار 10 أو 12 خطوة. ولكن ستبقى لدينا مكاسب. لقد حصلنا على دفعة، ونحتاج إلى الاستمرار في ذلك».

وعلى المدى القصير، تظهر بوضوح أطراف حققت مكاسب خلال نهائيات كأس العالم لهذا العام، ومن بين هذه الأطراف «الفيفا»، الذي يقدر أن تبلغ مكاسبه 3.3 مليار دولار من التسويق وحقوق البث التلفزيوني وغيرها من الأنشطة.

وأوردت شركة «أديداس»، وهي من بين الرعاة الرسميين، مبيعات قياسية لكرات القدم وقمصان اللعب خلال العام الحالي، وأكدت على أن نهائيات كأس العالم حققت لها نجاحا كبيرا على الصعيد التجاري.

وتقول «فيزا»، وهي من رعاة البطولة أيضا، إن نفقات الزوار الأجانب داخل جنوب أفريقيا من خلال كروت «فيزا» ارتفعت بنسبة 68 في المائة خلال يونيو بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام السابق. ويقول أنطونيو ليوسيو، مدير التسويق الأول في «فيزا»: «تحظى (نهائيات كأس العالم) بأهمية استراتيجية بالنسبة إلينا».

وتجري حاليا في البرازيل دراسة التعقيدات الاقتصادية المرتبطة ببطولة كأس العالم خلال العام الحالي، حيث ستقوم باستضافة البطولة خلال 2014. وقد كانت التكاليف الإجمالية والميزانية الأمنية والخلاف السياسي بشأن المجالات التي يجب أن توجه إليها الحكومة نفقاتها تحديات مهمة في جنوب أفريقيا، ومن المحتمل أن تظهر هذه التحديات مجددا في البرازيل.

ويشعر دافعو الضرائب داخل البرازيل بالقلق من أن يدفعوا جزءا كبيرا من الفاتورة الخاصة ببطولة 2014 بمعدل أكبر مما يتوقعونه حاليا. وعليهم أن يتذكروا «دورة الألعاب الأميركية» لعام 2007 في ريو دي جانيرو، التي انتهت بتكلفة تجاوزت التكلفة المتوقعة بثلاثة أمثال، وتمت تغطية ذلك من الأموال العامة.

وبالنسبة إلى جنوب أفريقيا، نجد أن الصورة على المدى القصير مختلطة. وبالتأكيد، حصلت الكثير من الفنادق والمطاعم على مكاسب كبيرة خلال كأس العالم.

ولكن على المدى الطويل، يوجد إجماع واسع على أن الدولة ستستفيد من دحض الشكوك الواسعة النطاق والبرهنة على قدرتها على استضافة أول بطولة لكأس العالم تقام في القارة الأفريقية.

وستكفي الاستثمارات الضخمة في مجال النقل العام وغيرها من مشروعات البنية التحتية لعقدين مقبلين، ومن المحتمل أن تحصل السياحة على دفعة بفضل آراء الزائرين الذين أتوا إلى كأس العالم.

وقال الرئيس جاكوب زوما مؤخرا: «لقد كانت دولتنا محل اهتمام وسائل الإعلام الدولية، وقد شاهد العالم هذه الدولة ولكن بصورة مختلفة. لقد رأوا المواطنين الودودين، والدقة فيما يتعلق بارتباطات التخطيط».

وقد كتب ماريوس رودت، وهو باحث لدى معهد جنوب أفريقيا لعلاقات الأعراق، تحليلا اقتصاديا عن بطولة كأس العالم الحالية، وخلص فيه إلى أنه من وجهة نظر مالية محضة كانت البطولة مشروعا مشكوكا فيه.

ولكنه أشار إلى أنه من خلال الوفاء بالمواعيد النهائية المرتبطة بعمليات البناء وتوفير جو دافئ لجموع السياح، قدمت البطولة فرصة نادرة للدولة التي كانت منبوذة كي تعيد تقديم نفسها. وأضاف: «ستدفع جنوب أفريقيا وأيضا دافعو الضرائب مقابل هذه البطولة لعقود. ولكن تغيير النظرة إلى هذه الدولة خاصة، وإلى القارة في المجمل، لا يقدر بثمن».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»